لم يكد التونسيون يخرجون من هول صدمة اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي حتى صدموا بفاجعة جديدة هزّت منطقة جبل الشعانبي المتوترة حيث لقي ثمانية جنود مصرعهم ونكل بجثثهم من قبل مسلحين، في وقت تعيش فيه البلاد حدادا وتمر بأسوأ أزمة سياسية بين العلمانيين والإسلاميين.
ولقي هؤلاء الجنود حتفهم مساء الاثنين في كمين بمنطقة التل بجبل الشعانبي الواقع في محافظة القصرين المحاذية للجزائر، حيث تكررت سابقا تفجيرات لألغام اتهمت السلطات 'متشددين' لهم علاقة بتنظيم القاعدة بزرعها لاستهداف قوات الجيش، غير أن التنظيم نفى ضلوعه في الهجوم الأخير.
وتنوعت ردود الفعل السياسية بشأن تواتر هذه الهجمات التي تزامنت مع دعوات المعارضة للعصيان إلى حين حلّ المجلس الوطني التأسيسي والحكومة التي يقودها حزب حركة النهضة الإسلامي الذي حذّر من وجود 'مؤامرة' تهدف إلى إجهاض مسار الثورة التونسية.
رغبة في التأزيم
عضو مجلس الشورى بحركة النهضة رياض الشعيبي يقول إن وقوع الاعتداء على الجنود في هذا الظرف الدقيق إثر اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي وما ترتب عنه من انقسام في الطبقة السياسية، دليل على وجود رغبة في تأزيم الوضع وتأجيج الصراع.
واعتبر الشعيبي أن هناك 'ارتباطا' بين حداثة الاغتيال والاعتداءات المسلحة وبين دعوات المعارضة 'الفوضوية' للعصيان والتمرّد على أجهزة الدولة، ولم يستبعد وجود نية 'مبيتة' للانتقام من المؤسسة العسكرية لعدم انسياقها وراء حملة التمرّد لإسقاط الحكومة مثلما حدث في مصر.
وشهد عدد من المدن اشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون بحل المجلس التأسيسي والحكومة، في وقت يقود فيه عشرات النواب بالمجلس حملة تمرّد يشارك فيها بضعة آلاف من المعارضين في ساحة باردو بالعاصمة أمام مقر المجلس التأسيسي، وذلك بمباركة من الاتحاد العام الوطني للشغل (أكبر نقابة عمالية).
لكن الشعيبي شدد على أنه 'لا سبيل' إلى استقالة الحكومة الحالية والتخلي عن مسؤولياتها في هذا الظرف، مشيرا إلى أن حركة النهضة قبلت تشكيل حكومة وحدة وطنية وتوسيع تركيبتها لتشمل الأطراف المعارضة بهدف تعزيز مؤسسات الدولة حتى تقوم بدورها على أكمل وجه.
أطراف خارجية
من جانبه يقول زعيم حزب العدالة والتنمية محمد القوماني إن الاعتداءات الأخيرة التي هزت أركان البلاد تقف وراءها أطراف 'خارجية' تسعى لتخريب مسار الانتقال وإرباك العملية السياسية برمتها.
واعتبر أن استهداف الجنود -الذين دفنوا الثلاثاء- يهدف إلى معاقبة الجيش التونسي على عدم تدخله في العملية السياسية في ظل دعوات التمرّد -التي 'لا تستند' إلى أسس قانونية وتبين أن لها 'شعارا أيدولوجيا'- لإنهاء حكم الإخوان، وفق رأيه.
ورغم أن المعارضة تحمّل الحكومة مسؤولية تفشي العنف و'الإرهاب' بدعوى أنها لم تأخذها على محمل الجدّ أو تهاونت معها، فإن القوماني يرى أن الحكومة قامت بجهد 'لا يمكن طمسه' في محاربة 'الإرهاب' رغم صعوبة العملية.
وكان وزير الداخلية قد كشف مؤخرا أن الأبحاث بينت في ظرف وجيز أن الراحل محمد البراهمي اغتيل بنفس السلاح الذي اغتيل به شكري بلعيد يوم 6 فبراير/شباط الماضي، مشيرا إلى تورّط عناصر من تنظيم أنصار الشريعة السلفي في الجريمة وكشف عن هوية بعض المشتبه بهم والمعتقلين.
حفرة من النار
لكن الغموض سيد الموقف بشأن الاعتداءات المسلحة في جبل الشعانبي رغم أن وزارة الداخلية أعلنت سابقا تحديدها هوية المسلحين، وأكدت اعتقالها لمشتبه بهم لهم صلة 'بالإرهاب' الذي برز بعد الثورة في مناطق متعددة على غرار منطقة الروحية في سبتمبر/أيلول 2011 وبئر علي بن خليفة في فبراير/شباط 2012.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي والخبير في قضايا الأمن والإرهاب نور الدين النيفر إن هناك تساؤلات كبيرة حول توقيت اندلاع أحداث جبل الشعانبي، معتبرا أن ارتكاب هذه الأحداث توحي بأن هناك من يضغط على زرّ ليعطي إشارة انطلاق الاعتداءات ثم يضغط على زر آخر ليوقفها.
وحذّر النيفر من أن تونس أصبحت على شفا 'حفرة من النار' وحرب أهلية 'باردة' قال إنه يخشى أن تتحول إلى حرب أهلية 'ساخنة' مع ارتفاع منسوب العنف السياسي والاغتيالات والانقسامات السياسية.
واعتبر أن أداء السلطات كان 'سيئا' حيال التعاطي مع هذه الأحداث في ظلّ غياب التنسيق الأمني والاستخباراتي وعدم تشريك الخبراء في الموضوع، متوقعا أن تلقي الأحداث بتداعيات سلبية على مسار الانتقال والانتخابات المقبلة وعلى الاقتصاد والسياحة والاستثمار.
5/5/13731
https://telegram.me/buratha