بدأت رويداً رويداً ويوماً بعد يوم تتكشّف فصول خطة التلزيم الأميركية للسعودية لقيادة تحالف العدوان على سورية.. وبدأ معها اللعب على المكشوف كما يقولون..
فمنذ اللحظات الأولى لخروج التوصية الأميركية الروسية بضرورة عقد مؤتمر «جنيف 2» للعمل على إيجاد تسوية سياسية للأزمة في سورية بدأت معها مباشرة التعقيدات والتفسيرات والتأويلات لفرملة تلك التوصية والإطباق عليها في مهدها.. ومن أميركا نفسها ومن تحالف العدوان على سورية من ورائها أيضاً.. حيث اصطدم ذلك الوليد السقط بالشروط المُفرمِلة التي من شأنها جميعها أن تُدلّل على أنّ المسرح السوري لم يختمر بعد وأنّ الحرب الدائرة هناك لن تضع أوزارها مطلقاً قبل أن يلعب المقامر الأميركي جميع أوراقه فيها.. خصوصاً أنّ تداعيات ونتائج المعركة فيها هي في حدّها الأدنى تأسيسية واستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي على حد سواء.. وربما لعقود قد يزيد عديدها.
عندما وضع ما يُسمّى «الائتلاف الوطني السوري» ومن خلفه تحالف العدوان على سورية شرطه المركزي لحضور اجتماع «جنيف 2» والمتمثل بما أسموه إعادة التوازن على الأرض السورية بين الجيش العربي السوري بمؤازرة القوات الحليفة وعلى رأسها حزب الله وبين المجموعات الإرهابية المتقهقرة بين يديهم من القصير فريف دمشق إلى حمص وحلب..
فصول تآمرية جديدة
عند هذه التطورات الاستراتيجية على الأرض بدأت فصول خطة التآمر الجديدة على سورية في ظلّ القيادة السعودية تتساقط عنها أوراق التوت المحدودة فوضعت الخطوات العملية لخطة «إعادة التوازن» تلك.. وذلك بعد أن تأكد فشل خطة الوكيلين السابقين للحرب على سورية تركيا وقطر اللذين نُحِّيا جانباً لصالح السعودية.
فكيف تدرَّجت هذه الخطة؟ وإلى أين يسير وكلاؤها الجدد في مساراتها؟
أ ـ منذ أشهر خلت طلب مجلس التعاون الخليجي بدوله المجتمعة من جميع الرعايا الخليجيين ضرورة عدم السفر إلى لبنان والطلب من المقيمين من أولئك الرعايا مغادرته فوراً في قرار أثار الاستهجان يومها كون الأوضاع الأمنية في لبنان في حينه لم تكن بالسوء الذي يُتذرّع به.. ثم ما لبث أن اتخذ هذا المجلس قراراً آخر بملاحقة كل من يمتّ إلى حزب الله من اللبنانيين الموجودين في الخليج بصلة والعمل على ترحيلهم فوراً.. فقد تبيّن لاحقاً أنّ هذا الفصل التآمري الأول على حزب الله بغية محاصرته ومعاقبته على كسره للتوازن في سورية بُعيْد معركة القصير وما لحقها.. وقد أكملت الخطة السعودية بفصلها المتآمر هذا إلى محاولة سلخ الغطاء المسيحي اللبناني عن حزب الله من خلال الانفتاح على رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بصورة مفاجئة.
ب ـ من خلال الزيارات الأخيرة التي قام بها إلى أوروبا وأميركا كل من وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل وصهره رئيس الاستخبارات السعودية والرجل الأقوى في المملكة بندر بن سلطان واللذين تبيّن لاحقاً أنهما حصلا على الضوء الأخضر للجماعات التكفيرية التي يديرونها بجعل لبنان بلداً لـ»الجهاد» فضلاً عن كونه بلداً لـ»النصرة» وذلك من خلال البدء بزرع عبوات الموت في معاقل حزب الله وبيئته الحاضنة وحتى خارجها.. وذلك بُغية إرباك الحزب واستنزاف طاقاته وقدراته في الداخل اللبناني.. علّه يرتدُّ عائداً إلى لبنان..
ج ـ وضع الفيتو السعودي على مشاركة حزب الله في أية حكومة لبنانية قد تُشكل لاحقاً وذلك لعزله سياسياً.. والإيعاز إلى حلفائهم من اللبنانيين للتصلب في هذا الأمر وعدم التراجع عنه.. في مقدمة لإسقاط «الشرعية السياسية» التي يحظى بها الحزب.
د ـ إرباك الجيش اللبناني وإشغاله في أكثر من بقعة لبنانية والتصويب عليه وعلى عقيدته العسكرية من خلال الأدوات اللبنانية لحلف العدوان على سورية واتهامه بالازدواجية في التعاطي مع الأفرقاء الللبنانيين وبالتمييز بين الجماعات المسلحة فيه..! ومطالبته بقوة بضرورة التعامل بالمثل مع كل القوى المسلحة «غير الشرعية» على الأرض اللبنانية بمعيار واحد! في مقدمة مكشوفة لتهيئة الأرضية لمحاولة دق الأسافين بين الجيش والمقاومة وبيئتها الحاضنة.
هـ ـ أكمل السيناريست الأميركي والمُخرج السعودي هذا المسلسل المحبوك في حلقاته والتي يكمل بعضُها بعضاً.. بما حدث بتاريخ 22 ـ 07 ـ 2013 عندما أثمر الضغط الصهيو ـ أميركي ـ العربي ـ اللبناني على الاتحاد الأوروبي لإدراج ما أسماه هذا الأخير بالجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب الأوروبية.. وهنا بدأت حلقات وفصول التآمر تلك تأخذ منحىً تصعيدياً خطيراً.. لأن ذلك يرتبط بشكل مباشر بما كنت قد ذكرته سابقاً بتاريخ 06-09-2012 في مقالةٍ بعنوان «أدوار رُسمت.. لأيامٍ أجِّلَت» والتي تناولت في بعض فقراتها إفادة للجنرال الأمريكي جيمس ماتيس في الكونغرس حول مبرّرات الدعم الأميركي للجيش اللبناني وقوله إنه يُراد من وراء هذا التسليح «إقامة نوع من التوازن العسكري بين الجيش اللبناني وبين حزب الله».. وأيضاً من أجل مكافحة الإرهاب في لبنان بالمفهوم الأميركي للكلمة..
الحلقة الأوروبية
إذن كان ينقص المسلسل الأميركي ذاك حلقته الأوروبية وقبلها الخليجية وذلك في مقدمة للفرض على الجيش اللبناني بضرورة التعامل بالمثل مع جميع «الإرهابيين» على الأراضي اللبنانية.. وهذا التوصيف الأخير أصبح يضمّ بين دفتيه اليوم «الجناح العسكري لحزب الله»!
هذا السرد لحلقات هذا المسلسل الخبيث يوصلنا إلى استشراف الآلية التي يحاول فيها مخرجو هذا المسلسل الجهنّمي ضرب الجيش اللبناني بالمكوِّن «الإرهابي» الجديد بحسب توصيفهم.. فكيف ذلك؟
قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من التذكير بأنه وفي عام 2007 حاول الأميركيون ومعهم الصهاينة ومن يسير في ركابهم من العرب واللبنانيين تنفيذ هذا المخطط عند أول استهداف لقوات «اليونيفيل المعززة بعد نشرها في عام 2006 عقب حرب تموز.. حيث كانت الخطة حينها استدراج «اليونيفيل» إلى ردود أفعالٍ قد تؤدي إلى زعزعة العلاقة الطيبة بينها وبين البيئة الحاضنة للمقاومة عندما حاول الكثيرون التصويب يومها على ضرورة تغيير قواعد الاشتباك المنصوص عليها في القرار 1701.. إلاّ أنّ هذه الخطة أُفشِلَت يومها بفعل الوعي الذي تتمتع به هذه البيئة الحاضنة إضافة إلى أنّ المسرح الدولي لم يسمح بذلك في حينه ورفض القبول بالمسّ بقواعد الاشتباك.. ولا حتى جماعات التكفير يومها كانت قادرة كفاية على السير بذلك المشروع من خلال قدراتها المحدودة في تلك الفترة.. فأُجهض المخطط يومها.
بالعودة إلى محاولة الإجابة عن السؤال حول الكيفية التي يمكن للملزّمين الجدد أن يعملوا بها في إعادة التوازن المذكور على الأرض السورية من البوابة اللبنانية.. فإن القرار الأوروبي المشار إليه سابقاً من الممكن أن يكون المطية لتلك الآلية لهؤلاء الملتزمين.. فليست القضية هي منع سفر عناصر ومسؤولي حزب الله العسكريين إلى أوروبا.. وليست القضيةُ مطلقاً تجميد أرصدة هؤلاء المالية في البنوك الأوروبية.. فهاتان الناحيتان ليس لهما وجودٌ في عالم الواقع.. إذن المسألة بعيدةٌ كلّ البُعد عن هذين الهدفين.. إنما الأهداف الحقيقية والمبتغاة يمكن وضعها ضمن الاحتمالات التالية:
أولاً: العزف مجدداً على وتر العلاقة الطيبة بين «اليونيفيل» وبين البيئة الحاضنة للمقاومة.. وذلك بمحاولة جعلها ـ أي هذه العلاقة ـ تعبر إلى مرحلة من التوتر والحماوة.. باختلاق نوع من الميديا الموجّهة والتي بدأت فعلاً منذ اللحظات الأولى لهذا القرار الأوروبي والتي تُسلِّط الضوء على ما تسمّيه هذه الميديا عرقلة الأهالي لعمل «اليونيفيل» ضمن مناطق وجودها.
ثانياً: الإيعاز لجماعات التكفير التي كانت سابقاً تتخذ من لبنان ساحة لـ»النصرة» إلى جعله ساحة لـ»الجهاد» وتالياً العودة بوتيرة أعلى لتنفيذ هجمات إرهابية ضدّ «اليونيفيل» المعززة في طرق إمدادها أو حتى في مناطق عملها.. بهدف توجيه أصابع الإتهام إلى حزب الله وبيئته الحاضنة.. وللمطالبة من جديد بتعديل قواعد الاشتباك.. وإنْ لم يكن هذا متيسّراً.. لجعل الشكوك تُزرَع في أذهان الأوروبيين وبعض اللبنانيين أن الجناح العسكري «الإرهابي» لحزب الله هو المسؤول عن ذلك.
ثالثاً: الطلب من الجيش اللبناني تشديد المؤازرة لدوريات «اليونيفيل» وإعادة النظر في الآلية المتبعة اليوم لتحقيق ذلك واعتماد آلية جديدة ربما تكون مزعجة نوعاً ما للبيئة الحاضنة للمقاومة أو حتى للمقاومة نفسها.. ليكون ذلك بداية دقّ الأسافين في المعادلة الذهبية القائمة بين الجيش والشعب والمقاومة.
الاقتصاد أيضاً
رابعاً: ضمن المسلسل الأميركي ذاته ذي الإخراج السعودي يمكن لنا أن نتصوّر إذا ما تعقدت الأمور أكثر على «اليونيفيل» المعززة في لبنان.. أن تطلب أميركا من أوروبا التهديد بسحب «اليونيفيل» من مناطق عملها وتحميل لبنان ومعه حزب الله مسؤولية الفراغ الذي ينتج جرّاء ذلك.. فضلاً عن أنّ هذا التهديد قد ينسحب على فضّ الشراكة الأوروبية الاقتصادية مع لبنان.. والتلويح بعصا الاقتصاد.. في حال لم يوضع حدّ للجناح العسكري لحزب الله في لبنان والمنطقة أيضاً.. وتحديداً في سورية.
خامساً: تأليب مختلف الشرائح اللبنانية والرأي العام اللبناني بشكل عام على حزب الله.. لتحميله المسؤولية الكاملة عن تداعيات قد تُصيب الاقتصاد اللبناني بفعل التهديد أو الفعل الاقتصادي الأوروبي أو حتى الخليجي.. خصوصاً عندما يقيم هؤلاء ربطاً بين العودة إلى العهد السابق من التعاون الاقتصادي مع لبنان الدولة وبين مدى استجابة هذه الأخيرة بالقضاء على «الإرهاب» كلّ «الإرهاب» بتوليفته الجديدة!
هذه الخطوات ليست خيالاً سياسياً إنما المؤشرات التي بانت لغاية اليوم من هذا المسلسل الأميركي بعقليته المخابراتية السعودية حيث تريد هذه الأخيرة أن تقدِّم للسيّد الأميركي إنجازاً عجزت عنه النسخة القطرية التركية من جهة ومن جهة ثانية تُريد أن تسدّد فاتورة إبعاد أميركا كأسَ الإسلاميين المرّ عن تسلّم زمام الحكم في دول الالتحاق العربية..
اليوم تتجه الأنظار حول محور الممانعة والمقاومة في إجهاض خطة الوكيل السعودي كما أُجهض سابقاً الوكيلان التركي والقطري.. لذلك لا بدّ لحزب الله تحديداً من أن يسير وفقاً للآتي:
ـ العمل على زيادة التعاون بين «اليونيفيل» وبين البيئة الحاضنة للمقاومة وتسليط الأضواء إعلامياً على ذلك بهدف تطمين الأوروبيين وتنويرهم حول ما يُنصب لهم من أفخاخ أميركية وصهيونية بأيدٍ عربية.
ـ العمل على تنوير البيئة الحاضنة للمقاومة في مناطق عمل «اليونيفيل» في الجنوب.. وضرورة التنبّه لأية مطبات قد توضع للإيقاع بتلك العلاقة مع «اليونيفيل».
ـ البدء بوضع بنك الأهداف الإرهابية الحقيقية في لبنان تحت الأضواء أمام القوى الأمنية وفضح مخططاتها.. وحثّ هذه الأخيرة على اقتلاعها وخنقها في مهدها كما جرى مع الحالة الأسيرية في صيدا.. وذلك بغية تعطيل صواعق التفجير قبل إعدادها.
ـ إقامة ترتيبات أمنية إضافية في أماكن وجود النازحين السوريين وذلك تفادياً لاستغلال البعض منهم في تنفيذ أجندات تخريبية خدمة للمشروع المشار إليه سابقاً.
ـ الدفع بقوة للانتهاء سريعاً من تطهير الحدود اللبنانية ـ السورية بأكملها من العصابات المسلحة ومحاولة حسم معركة ريف دمشق وحمص بأقصى سرعة ممكنة بغية إقامة نوع من الحزام الآمن والعريض لكلّ من لبنان وسورية على حدّ سواء والتفرّغ لاحقاً للمعركة الكبرى في حلب.
ـ تعزيز وتطوير التفاهمات بين حزب الله وبين مختلف الشرائح اللبنانية الأخرى.. لجعل اللعبة السياسية اللبنانية معلّقة إلى حين إدراك المجتمع الدولي برمّته أنّ لبنان دخل في سُبات سياسي سريري.
تلويح بورقتين
ـ التلويح الجدي من قبل أطراف محور الممانعة والمقاومة بالعمل على الورقتين اللتين قد تجبران تحالف العدوان على سورية على إعادة حساباته مجدداً.. والعودة إلى رجاحة ما تبقى من عقول لديهم.. وذلك من خلال العمل الفعلي على ضرب الأمن الصهيوني في مختلف الساحات الدولية والتلويح بورقة مصادر النفط الخليجية وطرق إمداده نحو أميركا وأوروبا.. فإنْ كان أُريدَ للهيكل أن يسقط.. فليسقط على رؤوس الجميع. وفي مقدم هؤلاء من يعمل على زعزعة أركانه من أطراف تحالف العدوان على سورية..
خلاصة القول إنّ الخطة السعودية اليوم لـ»إعادة التوازن» إلى الجغرافيا السورية تنطلق من خلال السعي إلى خلخلة التوازن في الجغرافيا اللبنانية للضغط على حزب الله ودفعه إلى سحب مقاتليه من سورية لـ«إعادة التوازن» إلى الساحة السورية..
7/5/13728
https://telegram.me/buratha