يحصد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان مع كل يوم يمر المزيد من الانتقادات بسبب طريقة تعامله مع انتفاضة «ميدان تقسيم»، واستمرار استخدام القوة المفرطة والاعتقالات
والضغوط وحشد الشارع واستخدام اللغة المذهبية، مصحوباً بعناد ومكابرة. وفي محصلة للخسائر منذ بدء الحراك الشعبي يتبين سقوط أربعة قتلى، وستة متظاهرين في العناية الفائقة من بين ثمانية آلاف جريح، فضلاً عن أكثر من ألف معتقل.
وفي صحيفة «ميللييت»، كتب سامي كوهين مقالة بعنوان «أهذا هو النموذج التركي؟». وقال إنه في السنوات الأخيرة امتُدحت تركيا كنموذج للآخرين بفضل نجاحاتها في المجالين السياسي والاقتصادي. غير أن أحداث حديقة «جيزي» ألقت ظلالاً كثيفة على هذه الصورة، حيث ذكّرت التظاهرات في «تقسيم» بـ«ميدان التحرير» في القاهرة.
وأضاف كوهين إنه «لو أن الحكومة لم تقترف الأخطاء ولم تواجه المحتجين بالعنف، ولو غيرت أسلوبها القمعي، لما وصلت الأزمة إلى المستوى الذي وصلت إليه اليوم، ولكانت تركيا نموذجاً لحل المشكلات بالتسامح». وتابع «لكن كم هو مؤسف أن المشاهد التي يراها العالم جعلت من يريدون اتخاذ النموذج التركي يتساءلون: أهذا هو النموذج التركي؟».
وبعنوان «أردوغان يقسّم كرمى لبقائه في السلطة»، كتب محمد يلماز في صحيفة «حرييت»، ان رئيس الحكومة كان كعادته في الخطاب أمام نواب حزبه بعيداً عن «نبرة التوحيد»، فهو غضب حتى على أعضاء في حزبه شاركوا في الاحتجاجات. وأشار يلماز إلى أنه قبلها بيوم واحد، قال «أخوتي الأعزاء أحداث الريحانية ليست قضية هامشية. إذا دققنا فيها فإن 53 من مواطنينا السنّة قد سقطوا». ومن هنا تساءل الكاتب «كيف له أن يعرف أنهم كلهم سنّة؟ وهل كانت مهمة البوليس والتحقيقات معرفة هويتهم الطائفية؟».
وبحسب يلماز «لم يسقط هؤلاء بسبب مذهبهم أو دينهم. واليوم يقتلون مرة ثانية في قبورهم عندما يوظف رجل السياسة دمهم في سياسات مذهبية. لقد خطّ رئيس الحكومة لنفسه استراتيجية سياسية قذرة جداً. لقد لاحظ قبل ثلاثة أشهر أن حظوظه في رئاسة الجمهورية بدأت تتراجع فعاد إلى سياسات الاستقطاب المذهبية والدينية. إنه يُدخل تركيا ومستقبل شبابها في لعبة خطرة. الدكتاتوريون في كل مكان هم واحد. انظروا إليهم في دولهم كم هم متشابهون».
أما صحيفة «زمان» الإسلامية والتابعة لرجل الدين فتح الله غولين المقيم في أميركا، والذي يقال إن شروخاً باتت قائمة بينه وبين أردوغان، فاعتبرت أن الأخير يخوض حربه الأخيرة.
وفي إطار انتقادها له، كتبت الصحيفة «لنقف لحظة عند أسباب ارتكاب أردوغان الأخطاء المتتالية في ميدان تقسيم. لن نقارن أردوغان مع زعماء مثل مارغريت تاتشر وهلموت كول اللذين فقدا، مع امتداد فترة سلطتهما، القدرة على قراءة الأحداث بشكل صحيح. لكن أردوغان الذي خاض حروباً كبيرة مثل إنهاء نفوذ الجيش في السياسة، هو نفسه بعناده وعدم رغبته في التراجع يعمل ضد نفسه».
وانتهت صحيفة «زمان» إلى القول إن «مهرجان اسطنبول الذي حشد له من كل أنحاء تركيا يعطي الانطباع أن أردوغان يخوض آخر حروبه... إنه كالجنرالات الذين يعودون إلى خططهم القديمة لاستكمال النصر، لكن من دون أن يلاحظوا أن الشروط قد تغيرت».
إلى ذلك، شنّ الكاتب المعروف جنكيز تشاندار هجوماً لاذعاً ضد أردوغان، حيث كتب في صحيفة «راديكال» مقالا بعنوان «لماذا أنا ضد أردوغان؟». وقال فيه إنه في اللحظة التي أراد أردوغان أن يكون «فاتح حديقة جيزي»، وان يقوم بعرض عضلات عبر مهرجان اسطنبول ليقول «أنا الأقوى»، خسر كل شيء.
وأضاف تشاندار «خسر أردوغان فرصة أن يحفظ له التاريخ صورة صوت الذين لا صوت لهم، عندما مارس إرهاب البوليس، وعرّى الشبان في جادة الاستقلال، وكبّل أيادي الأطباء خلف ظهورهم»، موضحاً «لقد دعمنا أردوغان الضحية، ودعمناه ضد الوصاية العسكرية ومن أجل حل المشكلة الكردية والسير في الطريق الأوروبي». وتابع «لكن لهذه الأسباب أقف ضده بعدما تحول إلى ظالم ضد المحتجين، وأنا لا أحب الظلم».
وبحسب تشاندار فإن أردوغان «جلب البوليس من كل أنحاء تركيا ليحاصر اسطنبول، ويمنع الاحتجاجات، ولو صرخ ليل نهار فإن هذا الطريق، الذي يسلكه بهذه العقلية، لا يؤدي سوى إلى الفاشية. والفاشية ليست نظام وصاية عسكرية بل نظام مدني. يأتي بانتخابات ويربح بانتخابات، لكن لا علاقة له بالديموقراطية. يلقي أردوغان اللوم فقط على المؤامرة الخارجية مثل كل الدكتاتوريين. النتيجة الأولى للهزة التركية في الأسابيع الثلاثة الماضية أن رجب طيب أردوغان قد خسر».
ورأى تشاندار أن الرئيس التركي عبد الله غول قد أصاب بقوله «لقد بذلتم عشر سنوات لتغيير صورة تركيا وهدمتموها في أسبوع واحد». لكن الكاتب أيضاً يقول إنه من المفيد أن يوضح غول من يقصد بكلامه، وبالنسبة له فإن المقصود هو أردوغان نفسه.
ووفقاً للكاتب فإن تركيا أمام طريقين: إما إلى الفاشية أو إلى تركيا أكثر حرة. وذكّر بكلام لوزير خارجية ايطاليا إيما بونينو من انه يوجد اليوم «تركيتان»، وليس ممكناً لرئيس الحكومة أن يوحّدهما.
وفي برنامج تلفزيوني، قال الباحث المعروف أحمد اينسال إن احتمال دخول تركيا في مرحلة عدم استقرار سياسة طويلة قائم في ظل ذهنية التخويف والاستقطاب التي يتبعها أردوغان. وفي ظل عدم الاستقرار تتضاعف ميول الدولة إلى المزيد من العنف والقمع.
ومن جهتها، حذّرت عالمة الاجتماع نيلوفر غوله من أن ممارسات السلطة في قمع المتظاهرين وإنكار مطالبهم تعكس حقيقة سياساتها. وقالت إن «مشاهد السلطة الصماء والظالمة لا يمكن محوها بالحشود في المهرجانات ولا بصندوق الاقتراع ولا بالانتخابات».
6/5/13726
https://telegram.me/buratha