يستوقف المرء في سوق البياع ببغداد عشرات الاطفال الذين يعملون هناك بمهن مختلفة، فهناك من يبيع اكياس النايلون ومن يدفع عربة صغيرة يستخدمها لنقل اغراض المتسوقين، وكذا من يعمل حمالًا أو أولئك الذي يبيعون قناني الماء في تقاطعات الساحات العامة تحت لهيب الشمس الحارقة، وغيرهم ممن يمسحون زجاج السيارات مقابل مبلغ بسيط.
واغلب هؤلاء تلاميذ حركتهم العطلة الصيفية فنزلوا إلى الشارع للعمل والبحث عن منفعة لعائلته، وحين تسأل أي واحد منهم عن دراسته يقول لك انها العطلة وانه في الدراسة الابتدائية، وأن اهله بحاجة اليه لكي يساعدهم في متطلبات الحياة الصعبة، وعن هواياته وألعابه لا تجد منه ردًا غير ابتسامة غامضة كأنه لا يعرف معنى كلمة هواية او العاب، اما الذين يجمعون القمامة ويبحثون فيها عن اشياء مفيدة فهم مثل بقية اقرانهم الذين يعينون اهاليهم في هذه العطلة.
تلاميذ العوز
تحدث الصغير احد شاكر (8 أعوام) لـ"أيلاف"عن عمله، فقال: "آتي إلى سوق البياع في وقت مبكر واظل إلى العصر، أبيع اكياس النايلون واستفيد منها لأساعد اهلي، فأبي يعمل كاسبًا وما يحصل عليه لا يكفينا لذلك انزل إلى السوق لأعمل يوميًا في السوق، وما احصل عليه اعطيه لامي او تطلب مني شراء ما نحتاج اليه من السوق".
وأضاف: "يعجبني أن العب مع اصدقائي او أن استغل العطلة في اشياء مفيدة، لكني لا استطيع لأن أهلي بحاجة إلى عملي". اما كرار ابراهيم (12 عامًا)، فقال: "انا طالب في الصف الخامس الابتدائي، اريد أن اساعد عائلتي خلال العطلة الصيفية لان أبي مريض، فتعلمت من اصدقائي جمع قناني المشروبات الغارية الفارغة من الشوارع والبيوت، لنبيعها لشخص كبير، فنحصل على مبلغ افضل مما نحن جالسون في البيت فقط".
وقال "اتمنى لو كان أهلي اغنياء، وأن ارتاح في العطلة والعب مع اصدقائي، او اسبح في المسابح، لكن هذا حالنا ورضينا به". اما الطفل اموري سعدون فقال: "انا في الصف الخامس الابتدائي، وما أن تنتهي الدراسة حتى يقول ابي ولي لاخي الاكبر اذهبا للعمل، فنأتي إلى السوق نحمل اغراض الناس وننقلها من داخل السوق إلى خارجه، فيعطونا مبلغًا بسيطًا من المال، وفي النهاية نجمع الفلوس ونذهب إلى بيتنا عصرًا بعد أن تقل حركة السوق والحمد لله".
وأضاف: "اتمنى أن البس ملابس جميلة، ونظيفة وان تكون عندي العاب اتسلى بها خلال العطلة، وان اتناول الاكلة التي اشتهيها، فأنا اتعب من ساعات العمل والحمالة، أحيانًا في وقت الظهيرة أنام في زاوية في السوق".
أحلام مظلومة
من جانبه، قال المواطن فواز الشمري: "أنا لا اخفي حزني حينما ارى هؤلاء الاطفال يجمعون القمامة او يبحثون فيها عن شيء ما او حتى حين اراهم في الاسواق والشوارع يعملون، فالطامة الكبرى والالم والحسرة أن العراق اغنى بلد في العالم، لكن شعبه افقر شعب، واطفاله يعانون ويتعبون، فلو كانت اسرهم تمتلك قدرة معيشية جيدة لما شاهدناهم يدورون في الشوارع لجمع القمامة، وللاسف كل الحكومات التي مرت على العراق لم تحترم الشعب، ولم تقدر الناس حق تقدير فانشغلت عنهم بمصالحها الخاصة، والا ما كنا شاهدنا هؤلاء الصغار يعملون بدلًا من أن يجلسوا في بيوتهم معززين مكرمين".
أما المواطن فاضل شريف، فقال: "نأسف أن يعيش اطفال العراق على جمع قناني المشروبات الغازية وعلى البحث في المزابل عما يقتاتون به، ومن المؤسف أن يزداد عدد الأطفال الذين يُحرمون من طفولتهم، لا لذنب سوى إلا لكونهم فقراء العراق، الغني بأمواله وثرواته التي تُنهب بلا حسيب ولا رقيب".
وأبدى الكاتب ستار محسن علي انزعاجه من عدم رعاية الطفولة، فقال: "من خلال مشاهداتي ومتابعتي للاطفال، هناك مهن تخصص أطفالنا فيها، منها بيع قناني المياه وجمع القمامة، وجدت أن مهنة جمع العلب المعدنية رغم صعوبتها وخطورتها تحقق احلام هذه الشريحة المظلومة، في ظل الاهمال المتعمد، علمًا أن المجتمعات المتمدنة تضع ميزانيات هائلة لرعاية الطفولة".
ليست مهتمة
اما المشرف التربوي عبد الكريم عبد الجبار فقال: "الحالة ليست جديدة، وبالطبع هي ليست ظاهرة، فمنذ اكثر من ربع قرن والتلاميذ لا يعرفون معنى العطلة الصيفية ولا يذوقون لها طعمًا، وازدادت الاوضاع سوءًا إبان التسعينيات حين كان الحصار الاقتصادي الجائر يفكك المجتمع العراقي، وكنا نشاهد آلاف التلاميذ يتسربون من المدارس من اجل العمل او البحث في المزابل او حتى ممارسة الاستجداء بسبب الظروف المعيشة الصعبة".
وأضاف: "لا استغرب بقاء الحال واستمرار التلاميذ في عدم الاستفادة من العطلة الصيفية للراحة وممارسة الالعاب والهوايات، لأن الاوضاع لم تتغير، وما اشبه اليوم بالبارحة، فالمعيشة الصعبة للكثير من الأسر تدفع بذويهم لزجهم في الشوارع والاسواق بحثًا عن عمل، وهذا مؤذ لهؤلاء التلاميذ الذين ارثي لحالهم، من المؤسف أن نرى هذا في بلد ميزانيته تعد اكبر ميزانية في العالم وثرواته لا عد لها ولا حصر، ولا بد من التحذير من أن تواجد هؤلاء الصغار في الشوارع والاسواق يؤدي إلى افراز حالات خطيرة في المجتمع، ولا يمكنني مناشدة الحكومة لعمل شيء لصالح هؤلاء الاطفال، لأنها ليست مهتمة".
4/5/13725
https://telegram.me/buratha