الشمال السوري يعيد صياغة الخريطة السياسية والاصطفافات، بدءا من الحدث «القاعدي والكردي».
فعلى صعيد «القاعدة»، وإعادة الاستقطاب الذي يحدثه داخل «الجيش الحر» والجيش النظامي، تشير معلومات تلقتها الأمم المتحدة من ديبلوماسيين لا يزالون يعملون في سوريا، أن التطور السريع لتنظيم «القاعدة» وهيمنته على المزيد من الأرض والقرار السياسي للمعارضة السورية، دفع بالعشرات من الكتائب المقاتلة إلى إعادة النظر بمواقفها من الحرب الجارية ضد النظام السوري.
ويقول ديبلوماسي أممي، على صلة بالجماعات المقاتلة في سوريا، إن أكثر من مئة كتيبة من كتائب «الجيش الحر»، يعمل بعضها في مناطق الغوطة في ريف دمشق، بشكل خاص، قد تقدم على الانقلاب على الجماعات الإسلامية و«جبهة النصرة» والجماعات «الجهادية» الأخرى التي تستقدم مقاتلين أجانب، وتنضم إلى الجيش السوري.
وقال الديبلوماسي إن هذه الكتائب التي بدأت تصطدم بـ«جبهة النصرة»، عبّرت في اتصالات جرت معها عن احتمال انضمامها إلى الجيش السوري النظامي، للتصدي لخطر الجماعات الإسلامية، التي بدأت بالاصطدام بها في أكثر من منطقة.
وكانت أربع كتائب في حوران، تعمل بإمرة «المجلس العسكري» الذي يقوده العقيد احمد النعمة، قد حاولت في حزيران الماضي إيجاد وساطة مع الجيش النظامي، وعبر اللواء رستم غزالة، للاتفاق على هدنة في المنطقة الجنوبية، وحلول محلية تستند إلى وقف إطلاق النار، والتعهد بالكف عن قصف القرى، وإطلاق المعتقلين، ولكن الوساطات لا تزال تراوح مكانها.
وعلى الصعيد الكردي، أحدث الإعلان عن إدارة ذاتية مقبلة في المنطقة إعادة اصطفاف للمرة الأولى في سوريا، يقترب من حرب أهلية كردية ــ عربية ــ «قاعدية»، تدعمها تركيا و«الائتلاف الوطني السوري» المعارض.
وتعرض «الجيش الحر» في منطقة تل ابيض إلى انشقاق الوحدات الكردية عن صفوفه. واشتد الاستقطاب الكردي ــ العربي ــ «القاعدي» من جهة ثانية بانضمام لواء «جبهة الأكراد» التابع لـ«الجيش الحر» إلى صفوف مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية، الذين يقودهم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، فيما تشكلت جبهة واحدة لقتال الأكراد في المنطقة، تضم «اللواء 313»، و«الفرقة 11» من «الجيش الحر»، وبعض كتائب «المجلس العسكري» في الرقة، ومجموعات من «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، و«جبهة النصرة»، و«غرباء الشام»، و«أحرار الشام» الذين يسيطرون على الرقة، و«لواء التوحيد»، وإحدى «كتائب الفاروق» التي قدمت من حمص للقتال ضد الأكراد.
ودخل الأتراك على خط المعارك في الساعات الأخيرة، في منطقة تل ابيض. وقال قائد ميداني كردي لـ«السفير» إن طائرات تركية من دون طيار كانت تحلق في سماء المعركة، كما أن قذائف مدفعية جاءت من الجانب التركي سقطت بالقرب من المواقع الكردية في تل ابيض خلال المعارك مع «النصرة».
وكانت قيادة الأركان التركية قد استنفرت الفرقة الثانية من الجيش، والقاعدة الجوية في ديار بكر، ووضعتها تحت التدبير الأحمر. وأصدرت تعليمات لمقاتلاتها بالتحليق في المنطقة، وللطائرات من دون طيار بمراقبة ما يجري، وبإطلاق النار إذا ما تعرضت إلى أي مضايقة. ويقول الأكراد إن مئات من مقاتلي الجماعات السلفية بدأوا بالوصول مجددا بالقطارات من تركيا، وقد نزلوا في محطة رأس العين في الجانب التركي. واستولى الأكراد على رتل قادم من الرقة باتجاه تل ابيض، يضم ثلاث عربات رباعية الدفع مزودة برشاشات «دوشكا».
ويخوض الأكراد ضد تحالف «الحر» و«القاعدة» و«الجهاديين» قتالا حاسما حول منطقة تل ابيض الإستراتيجية، في حرب بدأت تمتد إلى معابر أخرى مع العراق وممرات إستراتيجية تحدد مستقبل الشمال السوري بين الإدارة الذاتية الكردية، والإمارة الإسلامية، فيما يبدو أمر «الحكومة المؤقتة» وهيئة «الائتلاف» التنفيذية، من دون بندقية او سند حقيقي يعتد به للدفاع عن ارض تقف عليها يوما ما.
ونجحت القوات الكردية بطرد «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» من بلدة رأس العين الحدودية، والاستيلاء على معبرها مع تركيا. ويشكل تل ابيض رأس ممر عربي يقف عند الحدود التركية بطول 120 كيلومترا، وينتهي عند مدينة الرقة. ويبلغ عرض الممر ـ الجيب 20 كيلومترا، يغلب فيها الحضور السكاني العربي، ويعد بطنها الرخوة، الذي يشق منطقة أكثر كثافة من الأكراد، ويقسم المنطقة الكردية نصفين، واحدة تتجه شرقا نحو رأس العين وأخرى غربا نحو كوباني، احد اكبر التجمعات الكردية في الشمال السوري.
وتتمسك «النصرة» والجماعات «الجهادية» بالممر الكردي لحسابات تركية وذاتية. فتركيا، سيسهل على القوات التركية التدخل في منطقة لا ينتشر فيها مقاتلو «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، في قلب منطقة الإدارة الذاتية الكردية المقبلة إذا ما تطورت نحو كيان يهدد المصالح التركية. كما أن الممر يشهد عمليات تهريب نفط حقول الورد والتيم من دير الزور والرقة التي استولت «النصرة» وعشائر العقيدات والبو حسن عليها، باتجاه تركيا. كما يشكل الممر نحو تل ابيض فتركيا، معبرا لتجارة الحشيش التي ازدهرت زراعتها، بحماية بعض الكتائب المقاتلة، والتي تريد الحفاظ على عائدات الجمارك في المعبر أيضا. والاهم أن المعبر لا يزال يشكل الممر الأساسي لشحنات الأسلحة و«الجهاديين» نحو الرقة والشرق السوري.
وقال قائد ميداني كردي لـ«السفير» إن القوات الكردية تقترب من معبر تل كوجر ـ ربيعة على الحدود العراقية ـ السورية، وهو معبر تسيطر عليه «جبهة النصرة» منذ ثمانية أشهر. وتقف القوات الكردية على بعد سبعة كيلومترات من المعبر، بعد ان دخلت القرى القريبة منه في ابو خزف وابو فرح، وتنتظر قرارا سياسيا، لاستعادته، وإقفال احد معبرين أساسيين سوريين مع العراق، تسيطر عليهما «النصرة»، هما ربيعة والبوكمال.
واستعاد الأكراد من المقاتلين الإسلاميين أمس، ثلاث من خمس قرى تشكل حزاما كرديا كبيرا حول مدينة تل ابيض، التي يدور القتال حولها. ويقول مسؤول كردي إن المقاتلين الأكراد اسروا اكثر من 30 مقاتلا من «النصرة» و«الدولة الإسلامية» في المعارك حول اليابسة وعلي آغا وفندر والسكري وتل اخضر، وأن أميرين من «الدولة الإسلامية» في عداد الأسرى.
واتسعت المعارك على جبهة امتدت 70 كيلومترا إلى الغرب نحو كوباني، لا سيما في تل حلف. وبدأت الجماعات «الجهادية» تحريضا عنصريا ودينيا ضد الأكراد في الشمال السوري، واستنهاض حرب أهلية دينية وعنصرية ضدهم. ويقول مسؤول كردي ان أئمة الجوامع التي تسيطر عليها هذه الجماعات بدأت بالحث على قتلهم وإهدار دم الأكراد وإعلان نسائهم وأملاكهم حلالا للمقاتلين الذين يشاركون في المعارك.
وحذرت «جبهة النصرة»، في بيان، من أنها ستستهدف انطلاقا من اليوم أي آلية تمر على الطريق العام الذي يصل حلب بالمناطق الأخرى، بحجة أن القوات السورية تستخدمه لنقل الإمدادات. واعتبرت أن القوات السورية «فتحت الطريق للمدنيين والآليات بينما تستخدمه، في الواقع، لنقل الإمدادات العسكرية»، محذرة من أن «المجاهدين فخخوا الطريق
20/5/13724
https://telegram.me/buratha