شهدت العلاقات المصرية التركية توتراً متصاعداً يتجاوز التصريحات الدبلوماسية، وذلك منذ التغيير الأخير في مصر الذي أزاح الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين، بعد المظاهرات المليونية الغير مسبوقة التي خرجت للمطالبة برحيله.
حظيت مصر مكانة بالغة الأهمية في السياسة الخارجية التركية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، إذ تعد مصر بما تحوزه من وضعية جيوسياسية وجيوثقافية وجيواقتصادية بالنسبة لتركية بوابتها الرئيسية لكل من الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، إذ بذلت الخارجية التركية جهوداً عديدة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك من أجل توطيد العلاقات بين البلدين، وتعزيزها في مختلف المجالات بغية إقامة تحالف استراتيجي في المنطقة، بيد أن طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية وارتباطها بالمصلحة الإسرائيلية كانت تقف عائقاً وحجرة عثرة أمام تطور العلاقات المصرية التركية.
جاء رد الفعل التركي على خارطة الطريق التي أعلنها الجيش المصري في الثالث من يوليو 2013 والتي أطاحت بالرئيس مرسي، كأحدث حلقة في سلسلة التوترات بين البلدين، والأعنف والأكثر حدة دولياً وإقليمياً، وهو ما قوبل باستياء مصري خاصة على المستوى الرسمي.
حيث أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على ما تم في مصر معتبراً إياه " انقلاب عسكري" كامل الأركان، يمثل اعتداء على الديمقراطية وإرادة الشعب المصري، مشدداً على عدم اعترافه بالنظام القائم حالياً في مصر، وأن الرئيس الشرعي لمصر هو محمد مرسي، وجاء هذا من خلال رد أردوغان على المكالمة الهاتفية التي تلقاها من البرادعي.
حيث اعتبرت السياسة الخارجية المصرية أن تصريحات تركيا غير مناسبة، وتعتبر تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي المصري، وبصفة التهديد أكدت، يجب على تركية احترام إرادة الشعب المصري الذي خرج في 30 يونيو وعلى أنقرة أن تعلم وتنتبه وهي تتكلم أنها تتكلم عن دولة كبيرة، ولها تاريخ ولن تقبل تدخلها في شؤونها الداخلية، ويأتي هذا الموقف الرافض للإجراءات التي أدت في النهاية للإطاحة بمرسي الى الترابط الفكري بين نظامي أردوغان ومرسي، ومخاوف أنقرة من تأثير الحالة المصرية على الأوضاع السائدة في تركيا، لذا دعمت تركيا كل حركات الإسلام السياسي في المنطقة، كأنها كانت تعتبر الأحزاب الإسلامية جزءاً من المشروع التركي للسيطرة على الشرق الأوسط.
حاولت تركيا الاستفادة من أوضاع مصر خلال حكم مرسي من أجل إقامة تحالف استراتيجي معها، ايماناً منها بقدرات مصر على استعادة المكانة الاستراتيجية المصرية وتفعيل قدراتها الكاملة، ذلك أن تركيا تدرك أن مصر قاطرة الدول العربية على كافة المستويات وإنه بنهضتها ينهض الشرق الأوسط.
مع سقوط جماعة الاخوان في مصر تلقت السياسة الخارجية التي تنتهجها تركيا لتصوير نفسها نموذجاً في العالمين العربي والإسلامي انتكاسة كبيرة، كون سقوطهم كسر جناح القادة المنتمين لتيار الإسلام السياسي في أنقرة، وبذلك فقدت الحليف الاستراتيجي الأكثر أهمية في العالم العربي مما جعلها واحدة من أكبر الخاسرين من الموجة الثورية في مصر، نظراً لأنها تتخوف من صعود السلفيين الذين يتجاهلون تركيا وينظرون إليها على إنها دولة علمانية، لذلك يعارضون النموذج التركي، كما أن الرؤية السلفية لا تتفق مع حزب أردوغان، وبالتالي أصبحت خسائر تركية متعددة الجوانب، فبعد أن ازداد انخراط تركيا في شؤون الشرق الأوسط بفضل استخدامها القوة اللينة في مواقف مختلفة منها الجدل العلني بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي بيريز في دافوسوالأسوأ من هذا كله فإن العلاقات التركية مع كل من سورية والعراق أخذت في التدهور والانهيار، بعد أن كانت تركيا تتبنى رؤية جديدة في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط التي ترتكز على توظيف عمقها الثقافي والتاريخي والسياسي لدى دول وشعوب المنطقة من أجل بناء شرق أوسط جديد قوي يمثل محور قوة جديدة بين التكتلات العالمية.
وبالمقابل فإن الدول الإقليمية المؤيدة للنظام القائم حالياً في مصر وعلى رأسها دول الخليج والتي تقدم مساعدات مالية بقيمة 12 مليار دولار للقاهرة، وتدعم خيار الشعب المصري في اختيار ممثله في الحكم سيضعف الموقف التركي وذلك بممارستها ضغوط اقتصادية على أنقرة.
وتجدر الإشارة هنا الى أن العامل الاقتصادي يمثل محوراً أساسياً في سياسة تركية الخارجية، فمع توجه تركية نحو المزيد من العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول العالم العربي خلال السنوات الأخيرة تدفقت رؤوس الأموال التركية نحو العديد من الدول العربية والإسلامية ولا سيما مصر، وباندلاع الثورات العربية ووقوف تركية الى جانب هذه الثورات ضد أنظمتها فقدت تركية الكثير من استثماراتها وتعرض رجال الأعمال والمستثمرين لخسائر واضحة جراء وقوفهم الى جانب سياسة تركية نحو الانفتاح على العالم العربي.
وفي وقت سابق وصف وزير الخارجية التركي داوود أوغلو خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الاذربيجاني، مصر" بأنها دولة حليفة ومهمة لتركية “، حيث قدمت تركية إليها دعماً مالياً يبلغ 2 مليار دولار في صورة قروض وأنها تملك استثمارات تدعم توظيف 50 ألف شخص في البلاد.
أمام هذه التطورات التي تشهدها العلاقات المصرية التركية من تدهور تظل مرهونة بعوامل متعددة، فإذا تعاملت القاهرة مع هذا الوضع باعتباره خلافاً دبلوماسياً وسياسياً والمطالبة باحترام قواعد ومرتكزات العلاقات والمواثيق الدولية والتحذير من تطبيق سياسة مبدأ المعاملة بالمثل، كل هذا سيؤدي الى احتواء الموقف وعودة العلاقات السياسية فيما بينهما كون هذا الوضع ليس من مصلحة الطرفين.
إن مستقبل العلاقات المصرية التركية هو إعادة وتمتين وبناء العلاقات فيما بينهما وإنجاحها نحو التنسيق والتعاون، وهذا مرتبط بخصوصية العلاقات وتميزها بين الطرفين، وحرص كل منهما على استمرارية العمل، وأن لغة المصالح هي التي ستحسم في النهاية الأزمة القائمة بينهما.
33/5/13723
https://telegram.me/buratha