التقارير

المشكلة الكردية في تركيا: مؤشرات سلبية تهدد «عملية الحل»


 

تواجه مساعي حل المشكلة الكردية في تركيا تحديات كبيرة وخطيرة قد تنعكس سلبا عليها، وتهددها بالانهيار الشامل.

ولعل الإشارات حول ذلك باتت أكثر من أن تحصى، ولا تخص طرفا معينا، بل كلا الطرفين. فمن الطرف الحكومي، لا يثق رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان بالخطوات التي أعلن «حزب العمال الكردستاني» انه أنجزها، وفي مقدمتها الانسحاب الكامل لمقاتلي «الكردستاني» من تركيا إلى شمال العراق.

وفي وقت يعلن زعماء «حزب السلام والديموقراطية» الكردي الممثل في البرلمان التركي أن الانسحاب بات شبه كامل والكرة الآن في ملعب الحكومة، خرج اردوغان يقول إن نسبة الانسحاب لم تتعد الخمسة عشر في المئة فقط. بل أكثر من ذلك ترى الأوساط الحكومية أن نسبة الشباب الذين «يصعدون» إلى الجبال (وهو تعبير عن الشبان الذين يلتحقون بـ«الكردستاني» في جبال تركيا) ازدادت كثيرا عما قبل، رغم انه يفترض العكس وهو أن «ينزل» الشباب من الجبال بعد بدء عملية الحل.

وتذكر صحيفة «حرييت» ان الحوادث العنفية التي كان «حزب العمال الكردستاني» طرفا فيها، وتشمل قطع طرق وخطف أشخاص وقتلا أحيانا، باتت أكثر من 72 حادثة، وهو رقم كبير منذ بدء إعلان الحزب وقف اطلاق النار وبدء الانسحاب مطلع أيار الماضي.

وجاء مطلب «الكردستاني» بعدم إقامة الحكومة مخافر في بعض مناطق جنوب شرق تركيا مؤشرا على «النيات السيئة» للحزب كما تقول الصحيفة.

إلى ذلك، فإن تدشين مقبرة خاصة بـ«حزب العمال الكردستاني» في تظاهرة كبيرة، اعتبرها البعض استعراضا استفزازيا. وخلال «انتفاضة تقسيم» في اسطنبول شارك أعضاء من «الكردستاني» في جانب منها، ورفعوا صورا لزعيمه عبد الله أوجلان.

وترى صحيفة «يني شفق»، المؤيدة لأردوغان، أن «حزب العمال الكردستاني» يشهد حالة تمرد على أوجلان لمنع السير قدما في عملية الحل، ويرأس هذا التمرد مراد قره يلان، لذلك أُبعد من رئاسة الهيئة القيادية ليحل بدلا منه جميل باييك الأكثر ميلا للحل.

لكن هذه المؤشرات السلبية، يشار إليها من جانب الطرف الحكومي، بينما الطرف الآخر، الكردي، يقدم رواية مختلفة. ويرى «الكردستاني» ومعه «حزب السلام والديموقراطية» أن إرادة الحل عند الحكومة لم تتبلور بعد، وان الطرف الكردي أكمل عملية الانسحاب التي تشكل المرحلة الأولى من عملية الحل، وبدأت المرحلة الثانية التي يتوجب على الحكومة أن تبادر إليها، وهي تقديم رزمة من التعديلات الدستورية التي تمنح الأكراد ما يطالبون به من اعتراف بالهوية والتعليم باللغة الكردية وإطلاق سراح أوجلان وآلاف المعتقلين. لكن الحكومة لم تفعل شيئا حتى الآن. ويجد الأكراد أنفسهم في حرج. إذ ان وعود اردوغان لهم تفيدهم، لكنهم يخشون تراجع رئيس الحكومة عنها، وللمفارقة فإنهم يدفعون اردوغان دفعا للقيام بما يترتب عليه، ولا يريدون ضياع هذه الفرصة رغم أنها لا تزال في دائرة الوعود، وربما الأوهام.

في ظل هذه المناخات لا يبدو أن اردوغان في وارد الإقدام على تعديلات قد يشتم منها أنها تنازلات تحت الضغط، وفي الوقت نفسه لا يريد الأكراد الاستمرار في تقديم تنازلات دون أي مقابل.

ولعل الضعف الذي بات عليه اردوغان بعد «انتفاضة تقسيم» قد يكون عاملا أساسيا في عدم رغبته في الالتزام بوعوده، إذ يتعذر عليه المضي في صفقة منفردة مع الأكراد في ظل معارضة حزب «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» للتعديلات الدستورية. كذلك، فإن تراجع حظوظ تعديل الدستور لإقامة نظام رئاسي جعلت اردوغان يبدي فتورا إزاء الحل مع الأكراد، خصوصا أن الانتقال إلى نظام رئاسي وكسب أصوات النظام للأكراد في البرلمان كان من اسباب انفتاحه اللفظي عليهم.

ولعل التباين بين اردوغان والأكراد حول ملف الأكراد السوريين يخفف من اندفاعة الحل في تركيا، حيث ان موقف اردوغان المعارض بشدة لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا المؤيد لأوجلان، يجعل الأكراد في تركيا يشككون بنيات رئيس الحكومة، ويقولون له انه لا يمكن أن يقف مع الحل في تركيا في وقت يحارب الأكراد في سوريا على كل الأصعدة.

وربما كانت المعركة للسيطرة على مدينة رأس العين على الحدود التركية مباشرة، بين القوات التابعة لـ«حزب الاتحاد الوطني» الكردي وبين «جبهة النصرة» التي تدعمها تركيا احد ابرز المؤشرات على التباين العميق بين الطرفين التركي والكردي. ومع تمكن المقاتلين الأكراد من السيطرة الكاملة على المدينة فإن جانبا كبيرا من الحدود مع تركيا سيكون تحت إشراف الأكراد المعارضين لتركيا، وهو ما سيترك أثرا سلبيا على عملية الحل في الداخل التركي، وسيضيف هزيمة جديدة لأردوغان، ما يزيد من عدم رغبته في تلبية المطالب الكردية.

في نظرة إلى تعليقات وأخبار الصحف الموالية لأردوغان في تركيا، فإن الذرائع للتراجع عن الوعود التي قطعها اردوغان للأكراد أو على الأقل لأوجلان تحتل مكانا بارزا، ما يشي بأنه سيجد أكثر من ذريعة للتخلي عن عملية الحل، التي لم يكن في الأساس قد باشر بها إلا لحسابات داخلية رئاسية وإقليمية، لا يبدو أنها ستتحقق، بل إن بعض الشائعات تقول إن اردوغان قد يتخلى عن رئاسة الجمهورية ليبقى فيها عبد الله غول، بينما سيعدّل النظام الداخلي لـ«حزب العدالة والتنمية» ليستمر رئيسا للحكومة في العام 2015، ما ينفي الحاجة لتعديل الدستور وبالتالي للأصوات الأكراد. فهل نشهد قريبا النعي الرسمي لما يسمى «عملية الحل» للمسألة الكردية في تركيا؟.

39/5/13723

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك