يكد أكراد سوريا يكشفون عن نيتهم إقامة إدارة ذاتية لمناطقهم، حتى ارتفع منسوب الاحتقان مع المسلحين الباقين، خصوصاً «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة»، وتفجرت اشتباكات ضارية بينهما، في بلدة تل ابيض في محافظة الحسكة، على الحدود مع تركيا، بعد أيام من طرد المسلحين لعناصر «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية» من بلدة رأس العين. ومع تجديد المسلحين هجماتهم على مطارات حلب، تعرضوا إلى ضربة قوية في ريف دمشق، مع مقتل حوالي49 مسلحاً في كمين محكم للجيش السوري في منطقة عدرا.
وفي حين حذر «البنتاغون» الأميركي من أن المتشددين سيسيطرون على الجماعات الأخرى إذا لم يتم كبح جماحهم، اعترف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن الرئيس بشار الأسد أصبح أكثر قوة. وأعلن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، الذي التقى رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض احمد الجربا في القاهرة، أن مصر ستعيد تقييم العلاقات مع دمشق، مؤكداً أنه «لا نية للجهاد في سوريا».
الاختبار الكردي الضروري، للمحيط الإقليمي والدولي لإقامة إدارة ذاتية في الشمال السوري، يتقدم، والمشاورات لاستطلاع حقيقة المشروع أيضاً. ذلك أن حيز الاهتمام بمشروع «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، تحويل الهياكل التي أقامها في المناطق الكردية، من هياكل حزبية وشعبية إلى مؤسسات إدارة ذاتية، توسع في اليومين الأخيرين ليشمل موسكو وواشنطن.
والتقى السبت الماضي في باريس، مساعد لروبرت فورد، المشرف الأميركي على الملف السوري، احد قادة «الاتحاد الديموقراطي» الكردي، وطلب منه إبلاغ زعيم الحزب صالح مسلم محمد، موقفاً ثلاثياً: تركي و«ائتلافي سوري» معارض وأميركي، يناهض أي مشروع يفضي إلى قيام كيان كردي مستقل في الشمال السوري.
ومن الواضح أن الأميركيين يبدون اهتماماً بمصير «الائتلاف» السوري، أكثر من اهتمامهم، حالياً بمشروع الإدارة الذاتية الكردية، الذي خرجت نواته إلى النور منذ عام وأكثر. لكن الاستنفار الأميركي ينم عن تقدير بحتمية اصطدام مشروع الإدارة الذاتية الكردية، سياسياً، بمشروع الهيئة التنفيذية لـ«الائتلاف» الباحث أيضاً عن حكم الشمال وجزء كبير من المنطقة نفسها التي ستقام عليها الإدارة الذاتية. ذلك أن «الائتلاف»، وقبله «المجلس الوطني»، لم يستطع ضم فصيل كردي يعول عليه في تمثيل الأكراد. وليس سراً، أن الأتراك حرّموا عليه التعامل مع «الاتحاد الديموقراطي»، القوة الرئيسة في المناطق الكردية، لارتباطه بـ«حزب العمال الكردستاني».
وغني عن القول إن المشروع الكردي يقف على الأرض نفسها التي يعتزم «الائتلاف» ومشروع ميشال كيلو «الحكومي» مد سلطته عليها، بمعية «الجيش الحر». والفرق بين مشروع كيلو «الائتلافي لحكومة مؤقتة»، وصالح مسلم محمد، زعيم «الاتحاد الديموقراطي»، أن الثاني لم يتوقف منذ عام ونصف العام عن بناء مؤسسات سلطة «المجلس الشعبي لغرب كردستان» المنتخب، وإنشاء هياكل خدمية ومحلية، وعسكرية لحمايتها وحماية المرافق الأساسية والتجمعات السكانية، من دون الاعتماد على أي قوة خارجية، أو طلبها، وبالاستناد إلى قوة شعبية مسلحة من الداخل الكردي.
وقال المسؤول الكردي إن المبعوث الأميركي نقل لنا أن «الائتلاف ابلغنا بأنكم تعملون على إنشاء دولة وحكومة وبرلمان منتخب. وقال إنكم تتسرعون في التقدم نحو خطوة مصيرية من دون معرفة كل المواقف، ولن تجدوا أحداً يقف إلى جانبكم، لا نحن ولا تركيا». واتهم المسؤول الأميركي الأكراد بأنهم يلجأون إلى القول بأنهم يقاتلون «جبهة النصرة» فيما هم يقاتلون وحدات من «الجيش الحر». كما اتهم قيادة «الاتحاد الديموقراطي» بأنها تهادن الجيش السوري وتتصل بالنظام السوري.
ورد المسؤول الكردي انه لا اتصالات مع النظام السوري من جانب «الاتحاد الديموقراطي»، وأن القوات الكردية لا تهادن الجيش السوري لكنها تتجنب الاشتباك معه في الشمال، كما تفعل وحدات من «الجيش الحر» نفسه، في معارك لا طائل منها، كما أن «الجيش الحر» لا يمثل أكثر من 10 في المئة من القوى المسلحة التي يغلب عليها الاتجاه «القاعدي» أو «الجهادي» الإسلامي.
ونفى المسؤول الكردي وجود أي نية للانفصال، وأبلغ الأميركي أن الإدارة الذاتية، هي إدارة مؤقتة تعمل إلى حين انتهاء الأزمة السورية، وتقرير علاقة الأقاليم مجدداً مع المركز. وشرح أن هيئة توافقية من الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، تمثل العرب والسريان والأرمن والأكراد، تعمل على تحضير قانون انتخابي، على أن تجري الانتخابات خلال ستة أشهر، تنبثق عنها إدارة تمثل كل المكونات السكانية.
وأبلغ المسؤول الكردي المبعوث الأميركي أن «أصدقاء سوريا» لم يشملوا بالمساعدات المناطق التي يسيطر عليها الأكراد «فيما تنفقون الملايين على المناطق التي تتبع للائتلاف، ونحن نقوم بإدارة هذه المناطق من دون أن نحصل على أي مساعدة من الخارج». وقال المسؤول الكردي إن «الأميركيين والأتراك لم يتحركوا، إلا بعد أن تقدمت قواتنا للإمساك بمعبر رأس العين، فيما لم يكن وجود القاعدة والنصرة على المعبر يثير مخاوف تركيا».
وأما الموقف الروسي من الإدارة الذاتية الكردية المقترحة، فيدعو إلى التفاهم مع النظام والمعارضة مسبقاً، وقد نقله الأسبوع الماضي نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى قياديين أكراد التقاهم في موسكو. وقال مسؤول كردي حضر اللقاء لـ«السفير» إن بوغدانوف أبلغ الأكراد أن موسكو تؤيد حقوقهم، غير انه نصحهم بعدم الإقدام على أي خطوة من دون التفاهم مع بقية الأطراف، من معارضة ونظام، وذكرهم بأنهم «في كل الأحوال في حالة حكم ذاتي».
أما إقليمياً، ففضلا عن الفيتو التركي البديهي، تواجه الإدارة الذاتية الكردية السورية شروطاً كردية عراقية أكثر مما تواجه من صعوبات وعقبات مع «الائتلافيين» و«القاعدة»، أو في مواجهة النظام السوري الذي لم يتحرك حتى الآن. ويحاول «رئيس» إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني فرض صفقة على «الاتحاد الديموقراطي»، لمنعه من الانفراد بالإدارة الذاتية، والإمساك بأوراق سياسية وعسكرية لدى الشقيق الصغير الطامح للسير على خطى شقيقه وجاره نحو الاستقلال عن المركز، من دون الانفصال عنه. إذ يقول مسؤولون في «مجلس غربي كردستان» إن استطلاعات للرأي منحت أكثر من 70 في المئة من أصوات الناخبين لـ«الاتحاد الديموقراطي». لكن الكيان الإداري الذاتي السوري الكردي، ليكون قادراً على الحياة اقتصادياً في ظل الحصار التركي سيحتاج للمرور عبر منطقة البرزاني في كردستان العراق، فيما لو طالت الأزمة السورية، وهي مرشحة لذلك.
وكان البرزاني قد بسط ظله على الأشقاء الأكراد منذ الشتاء الماضي، عندما رعى اتفاق أربيل إنشاء «الهيئة الكردية العليا»، وتقاسم إدارة الشمال الكردي السوري مناصفة بين «الاتحاد الديموقراطي» وبقية الأحزاب الكردية، فيما كان «الاتحاد» يكاد ينفرد بإدارة المنطقة. ويشترط البرزاني لتسهيل إنشاء الإدارة الذاتية ودعم المناصب الحكومية فيها مناصفة بين «الاتحاد الديموقراطي» وبين الأحزاب القريبة منه، لا سيما «الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا» (البارتي) الذي يقوده حليفه عبد الحكيم بشار. ويقف البرزاني خلف مطلب حلفائه تكوين قوة مسلحة مستقلة عن القوة المسلحة الخاضعة للهيئة الكردية العليا، كما يدعم مطلبهم بتقاسم واردات النفط، وعائدات الجمارك على معبر «سيمالكا» مع كردستان العراق.
وأبعد من شروط البرزاني ومحاولات استتباع الشقيق السوري الأصغر، ترتبط الإدارة الذاتية الكردية بأسئلة النفط السوري، ومدى قابلية الكيان للحياة اقتصادياً. فبموازاة مشروع الإدارة الذاتية، لم تتضح بعد مصائر الحقول النفطية الكبيرة في الرميلان والسويدية وكراتشوك وجبسة، التي تشكل قاعدة النشاط الاقتصادي في الإدارة الذاتية، في زمن الحرب، وستحدد طرق تسويق إنتاجها طبيعة الصفقة التي ستعقد حول الإدارة الذاتية، ومستقبل العلاقة مع المركز الدمشقي. فحقل الرميلان الذي ينتج ما يقارب 130 ألف برميل يومياً، توقف عن الضخ نحو بانياس منذ شهرين، بعد أن عملت «جبهة النصرة» على تحويل أنابيبه. ويدور القتال حول حقول السويدية التي تنتج 120 ألف برميل يومياً، بين وحدات «الحماية الشعبية الكردية» فيما يسيطر الجيش السوري على حقول جبسة التي تحاصرها «النصرة».
ويقول مسؤول كردي إننا ننتظر ونراقب التطورات لنقرر مصير النفط، وسنعمل على تحصيل حصة المنطقة لتطويرها لتكون بمستوى المناطق السورية الأخرى، ونحن نحميها حالياً من النهب والسلب، ومن مصير مماثل لحق بحقول في دير الزور التي تعرضت للتخريب، على أن تذهب الحصة الباقية للمناطق السورية.
1/5/13722
https://telegram.me/buratha