توقّف سياسيّون باهتمام عند اللهجة الهادئة التي تعاطى بها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه الرمضاني الأوّل الذي ألقاه مساء أمس في إفطار «هيئة دعم المقاومة» في مجمّع «شاهد» على طريق المطار في ضاحية بيروت الجنوبية.
وتساءل هؤلاء السياسيون عمّا إذا كان خطاب نصرالله هو إعلان عن بدء مرحلة جديدة من الحوار بين الاطراف اللبنانية المتخاصمة؟ أم أنّه تعبير عن وجود مناخ دولي وإقليمي ومحلي جديد يتشكّل بعيداً من الاضواء بين حزب الله ـ حركة “أمل” من جهة وبين تيار “المستقبل” من جهة أُخرى، وهو مناخ تردّد أنّ رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط ليس بعيداً عن التحضير له على قاعدةٍ اعتمدها بنفسه، وهي التفريق بين الخلاف حول الموقف من سوريا وبين الإتفاق على معالجة الملفات الداخلية اللبنانية.
ويعزّز أصحاب وجهة النظر هذه رأيهم بجملة مؤشّرات داخلية وخارجية، أبرزها الموقف الفرنسي الذي ابلغه الرئيس فرنسوا هولاند الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بأنّه يشجّع تأليف حكومة لا تستثني أياً من المكوّنات اللبنانية، وهو موقف واكب قرار الاتحاد الاوروبي بعدم إدراج “حزب الله” على لائحة الارهاب، ناهيك عن موقف الاتحاد نفسه من الدعوة الى مقاطعة الاستيطان الاسرائيلي برموزه ومنتجاته، وهو ما أثار حنق اسرائيل التي تواجه، على ما يبدو، ضغطاً اميركياً للعودة الى مفاوضات مع الفلسطينيين يشترك فيها الاردن على قاعدة الدولتين وعودة الاراضي المحتلة عام 1967 الى الفلسطينيين.
ومن المؤشرات التي تصبّ في الاتجاه ذاته، ما تردّد عن تملّص فرنسي ـ ايطالي من تسليح المعارضة السورية، وعن تغيير صارخ في موقف الحكومة البريطانية من هذا التسليح، علماً أنّ الموقفين البريطاني والفرنسي كانا حتى الأمس يضغطان في اتجاه دعم عسكري للمعارضة.
وفي الإطار ذاته يقرأ بعض المحلّلين الاستراتيجيين باهتمام ما يتسرّب من اخبار عن زيارة سيقوم بها الرئيس الايراني المنتخب حسن روحاني الى المملكة العربية السعودية وإمكانية حصول تفاهم سعودي ـ ايراني ينعكس على كلّ جبهات التوتر، بما فيها لبنان، بعدما بات الطرفان مقتنعان بأنّ المضيّ في سياسة الاحتقان والتحريض المعتمدة حالياً سيكون له انعكاسات سلبية ومدمّرة على المنطقة بأسرها.
ولا يستبعد هؤلاء المحللون ان يكون الحديث عن لقاء بين قيادة حزب الله والرئيس سعد الحريري نفسه أمراً غير مستبعد في ظلّ قلق من فقدان تيار “المستقبل” شارعه لمصلحة التيارات المتشدّدة، وشعور لديه باستحالة العودة الى السلطة في ظلّ “فيتو” حركة “أمل” وحزب الله عليه. كذلك لا يستبعد المحللون ان يكون هذا الامر قد نوقش فعلاً في لقاء السيّد نصرالله والنائب ميشال عون الذي تسرّبت أخباره بلا إعلان رسمي، خصوصاً في ظلّ ما يقال عن “تشدد” الرئيس المكلف تمام سلام في مشاوراته مع فريق 8 آذار، فبعض اركان هذا الفريق يقول: “إذا كان سلام ملتزماً الى هذا الحد موقف “المستقبل”، فلماذا لا يكون التفاهم مع الأصل المعترض بدلاً من التفاهم معه كونه لم يستطع إثبات استقلاليته”.
وإلى ذلك يرى سياسيون أنّ إيعاز رئيس الجمهورية الى وزير الخارجية عدنان منصور الإبلاغ الى الاوروبيين اعتراضه على إدراج حزب الله على لائحة الارهاب، هو بمثابة إشارة ايجابية تعبّر عن مناخ جديد يسود البلاد.
ولكنّ كلّ هذه المؤشّرات لا تمنع من اعتبار خطاب نصرالله بمثابة مَدّ يد للفريق الآخر في ظلّ الحديث عن حوار حول كل القضايا، وتذكير للخصم والحليف بمخاطر التهديدات الاسرائيلية، خصوصاً أنّ نصرالله يمدّ يده في ظل متغيرات ميدانية وسياسية ايجابية تسود المنطقة، ولا سيّما في سوريا حيث يتدرّج النزاع من نزاع بين النظام والمعارضة الى نزاع بين اطراف المعارضة نفسها، لا بل يعتبر البعض انّ استقبال وليّ العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز لوفد الائتلاف السوري المعارض الخارج من النفوذ القطري والعائد الى الحضن السعودي، نوع من دفع هذا الإئتلاف على سكّة حلّ سياسي في سوريا ليس بعيداً من “جنيف ـ 2″.
وفي التطورات السياسية أيضاً والتي تأتي لمصلحة تيار المقاومة هو سقوط الرئيس المصري محمد مرسي بعد اسبوعين فقط من مشاركته في مهرجان ضمّ غلاة المتشددين الاسلاميين الذي لم ينحصر خلاله الكلام بالهجوم على النظام السوري، بل تعدّاه الى الهجوم على حزب الله وايران والشيعة عموما.
فإيجابية نصرالله إذن، هي ايجابية الواثق من نفسه المرتاح الى تنامي دور الجيش في ضبط الامن واستئصال البؤر المتشدّدة هنا وهناك، ما أشاع مناخاً هادئاً في شوارع عدة سيطر عليها الغلاة في الاسابيع الماضية، وجاءت صلاة الجمعة هذا الاسبوع الاكثر هدوءاً، خصوصاً في طرابلس
فهل سيشهد لبنان تطورات سريعة تنعكس على الوضع الحكومي وعلى انعقاد طاولة الحوار الوطني، فيخرج البلد من استحقاقات التوتّر إلى رحاب التهدئة؟
12/5/13721
https://telegram.me/buratha