المشهد العربي مثالي لإسرائيل: الكلّ يصارع الكلّ. لذلك هي تتأهّب لاتفاق مع الفلسطينيين، تريده أن يكون «خاتمة أحزانها»، خصوصاً في «حق العودة».
تفيد معلومات من مصادر فلسطينية واسعة الاطّلاع أنّ جون كيري، الذي زار المنطقة خمس مرّات منذ تعيينه وزيراً للخارجية الأميركية، يقترب من التوصّل إلى اتفاق مبدئي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وهذا الاتفاق يرتدي طابعاً تاريخياً على غرار اتفاق أوسلو.
ويحلّ الاتفاق عقدة "حقّ العودة". وهو يقضي بالسماح لبعض العائلات بجمع الشمل في الضفّة ورفح وغزّة، وأمّا البقية فلها أن تختار إمّا التعويض وإمّا الهجرة.
ووفقاً للاتفاق، ستكون للقدس الشرقية إدارة مشتركة دولية - فلسطينية - إسرائيلية لعشر سنوات. وستعترف السلطة الفلسطينية، في المقابل، بحقّ الإسرائيليين في اختيار هويتهم.
وستناقش مسألة تبادل الأراضي، ولا سيّما في الضفّة والقدس، في لجان التفاوض. وهذا البند يبقى خلافيّاً على رغم إقرار المبدأ، وينطوي على تنازلات فلسطينية مهمّة. وطالب وفد الجامعة العربية الذي التقى كيري بإيضاحات حول القدس وإدارتها، وتحفَّظ عن هذا البند، ولكنّه لم يتحفّظ عن مبادئ التعويض على "حقّ العودة".
وفي المعلومات أنّ كيري طرح على الخليجيين الفكرة الإسرائيلية بمنح الجنسية لكلّ فلسطيني مقيم في الخليج منذ أكثر من عشر سنوات.
ويُفترض أن يؤمّن كيري تغطية عربية للاتفاق الذي يقال إنّ التبديل الذي حصل في قطر يتعلق به أيضاً. فهذه الدولة ستتولّى مع السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت تمويل صندوق "حق العودة".
والإعلان عن نجاح كيري سيكون من خلال معاودة المفاوضات المباشرة، وهي بقيت تتعثّر بسبب عدم قدرة إسرائيل على فرض شروطها. وهي اليوم على قاب قوسين أو أدنى من ذلك، إذ ستتمّ مناقشة التفاصيل التنفيذية للاتفاق الذي يمتدّ تنفيذه إلى عشر سنوات.
وتفيد المعلومات أنّ الرئيس محمود عباس سيدعو إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفّة بعد إطلاق الجانب العلني من الاتفاق. وهكذا يمتصّ جزءاً من الاعتراضات عليه. ولن تعلن بنود الاتفاق كاملة للإعلام إلّا بعد بدء المفاوضات وانسحاب عباس من المسؤولية، أو على الأقلّ بدء انشغال الفلسطينيين بمعارك انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة.
ويتردّد أنّ عباس سيتخلّى عن الرئاسة وسيكون حَكَم بلعاوي هو الأرجح لخلافته. وهذا الرجل كان وزيراً للداخلية في أوّل حكومة ترأّسها أبو مازن في عهد الرئيس ياسر عرفات. ويرئس فريقَ الاتصال الفلسطيني المباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ياسر عبد ربه أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سابقاً. وهو لا ينتمي إلى حركة "فتح"، بل هو انشقّ سابقاً عن "الجبهة الديمقراطية". ولكنّه، أميركيّاً، يُعتبر الأقرب إلى أبو مازن.
وفي انتظار عودة عضو اللجنة نبيل شعث من موسكو، حيث حظي بالموافقة المبدئية على الاتفاق، يجتمع عباس منذ أسبوعين مع قيادات "فتح" إفرادياً، ويتجنّب الاجتماعات المفتوحة تمهيداً لدعوة المجلس المركزي للحركة والمجلس الوطني إلى الإجتماع بعد الفطر مباشرة.
كما أنّ الملك الأردني عبدالله الثاني استدعى إلى عمان نحو 50 شخصية فلسطينية من الضفّة والقدس للتشاور ولدعم الاتفاق. وأبلغ الملك قيادات أردنية من أصل فلسطيني بقرب التوصّل إلى اتّفاق تاريخي في شأن القضية الفلسطينية.
وفي المعلومات أنّ كوادر "فتح" في الضفّة منقسمون بين فريق مؤيّد بلا تحفّظ لأيّ قرار يتّخذه أبو مازن، وآخر يتكتّل حول زوجة مروان البرغوثي التي تقوم بدور سياسي، وقد تطلق مواقف إعتراضية.
وخلال زيارة أبو مازن الأخيرة لبيروت، ولقائه قيادات فتحاوية، سُئل عن موقف "حماس"، فأجاب: إنّ كيري ونتانياهو طمأناه إلى موافقتها الضمنية على المشروع، من دون إعلان رسمي.
ومن هنا، فإنّ زيارة ابو مازن لم تهدف أساساً إلى منع تورّط "فتح" في الصراع اللبناني، كما سُرِّب، خصوصاً أن لا سلطة لأبو مازن على الفئات المتورّطة. والهدف هو وضع قيادات "فتح" و"اللجان الشعبية" والمسؤولين اللبنانيين في الأجواء. ومن نتائج الزيارة إعادة تفعيل نظام الضمان الفلسطيني والتقاعد وأُسر الشهداء، مع الإعلان عن وعود حكومية لبنانية بتسهيل إعادة بناء بعض المخيّمات وتوسيعها لأسباب إنسانية.
ورشح أنّ أجواء الزيارة لم تكن ودّية فلسطينياً. فمن المعروف أنّ أبو مازن حاول منذ إخراج عباس زكي من لبنان عزل أنصار عرفات عن بعض المراكز المهمة، ولكنّه فشل. وبين هؤلاء مسؤول سابق عن أمن أبو عمار، يقيم في لبنان بعيداً عن الأضواء منذ عشر سنوات. ومعلوم أنّ السفير الفلسطيني الحالي لدى لبنان أشرف دبّور كان عضواً في الفريق الأمني لهذا المسؤول.
ولكن، في تقدير المطّلعين، لن يَلقى المشروع مقاومة من غالبية الفلسطينيين في لبنان وسائر الشتات. فمعظمهم متعَب جدّاً ويبحث عن مخارج. فيما يبرز الذين لا يريدون سوى المال والحصول على جنسية. وأمّا الشعارات القديمة فقد أكلها الزمن بالنسبة إلى هؤلاء، ولم تعد تعني لهم شيئاً
4/5/13720
https://telegram.me/buratha