لم تخل مدينة أو بلدة في الجغرافيا السوريّة من ألم الحرب والموت, وأصبحت رائحة الدم تطغى على كل رائحة، واللغة المحكية أصبحت لغة السلاح، الذي لم يقتصر على البنادق والصواريخ بل وصل إلى سلاح الحصار.نبل والزهراء البلدتان اللتان تعيشان حربا باردة تنتهج سياسة "الموت جوعاً"، تقعان شمال غرب مدينة حلب بموقع استراتيجي يبعد مسافة حوالي 20 كيلو مترا عن مركز المحافظة، ويبلغ عدد سكانهما أكثر من 65 ألف نسمة، وازدادت الكثافة بعد نزوح العديد من اقارب الأهالي المقيمين في حلب.تتعرض المدينتان لحصار خانق من قبل المجموعات المسلحة منذ أكثر من سنة وكل ذنبهما أنهما لم تنخرطا في مؤامرة الارهاب التي تدمر سوريا منذ سنتين. إنهما مدينتان مسالمتان لا يدافع عنهما أحد سوى أبنائهما فالحصار المطبق عليهما يمنع مدهما بأي معونة كانت، وتعيش المدينتان هذه الأيام دون كهرباء او اتصالات أو مواد أولية من محروقات ومواد تموينية، وشتاء المنطقة قاسٍ كصيفها.اخذ الحصار اشكالا مختلفة كان اهمها قطع الطريق وإغلاقه تماماً بالسواتر الترابية، وخطف كل من يحاول الخروج من المدينتين، انتشار القناصة حولهما، منع دخول أي سيارة، ومنع دخول المواد الغذائية، ودخول كافة المواد الطبية، ولا يمكن أن نغفل التعرض لكل طائرة تحاول انزال حمولة من الغذاء والدواء ومحاولة اسقاطها.منذ بداية الحصار بلغ عدد شهداء المدينتين أكثر من 150 مدنياً، استشهد اغلبهم خلال القصف الصاروخي وقذائف الهاون التي تتعرض لهما المدينتان باستمرار، والتي لم تبق منزلاً إلا وختمت بأثرها عليه.
وما يساعد في ارتفاع نسبة الشهداء و الجرحى، هو الاكتظاظ السكاني الذي تشهده المدينتان المحاصرتان، ما يجعل من عملية القصف عليهما معاناة كبيرة جدا، فاعداد الشهداء والمصابين تكون كبيرة في كل مكان.اما القنص فهو حالة يومية على أطراف المدينتين، وخصوصاً من طرف قرية ماير المتاخمة لهما، والتي تعتبر مركزاً كبيراً للمجموعات المسلحة وتحديداً جبهة النصرة.وتزيد الاصابات بمرض الليشمانيا بوضوح في اكثر احياء المدينتين، اللتين تعاني من نقص حاد بخدمات التنظيف وشح المياه بشكل عام، لا يساوي هذا الازدياد إلا صرخات الاستغاثة لتوفير رغيف الخبز, وهو الصوت الأعلى، والهم الأكبر، بعد أن اضطر الاهالي لسد رمق اطفالهم الى أن يطعموهم حتى ورق الاشجار.واختطاف النساء له حكاية خاصة، المسلحون قاموا باختطاف عشر نساء من أهالي نبل والزهراء وذلك في مدينة عفرين بريف حلب اثناء محاولتهن العودة للمدينة من خلال عفرين، هو نموذج واحد من بين عشرات قصص الاختطاف التي تعرض لها ابناء المدينتين، حيث بلغ عدد المخطوفين حتى الآن أكثر من 200 مخطوف.الكهرباء أصبحت سلعة مفقودة, كل هذا الكلام يمكن الاستغناء عنه في ظل الأزمة الجديدة التي لا يمكن السكوت عنها، إنها انقطاع مياه الشرب، كون مصدر المياه في المدينتين هو المياه الجوفية، والتي هي بدورها بحاجة للاستخراج بواسطة المضخات، ومن البديهيّ مع عدم وجود الكهرباء أن الماء ستبقى راقدةً في آبارها بسلام.التعليم لم يسلم من حصار المجموعات المسلحة، في محاولة ممنهجة لمنع اطفال القرية من الحصول على نصيبهم منه، فبعد استهداف المروحية التي كانت تقل المدرسين واسئلة الامتحانات القادمة من حلب، تبين للجميع أن المسألة لا تقتصر على حرب باردة، والموت جوعاً، بل حرمان هذا الجيل في تلك المدينتين من حقهم في التعليم، الذي تكفله كل الشرائع الدولية، في حالات الحروب وغيرها، لكن عن أي شرائع نتحدث، فقبل ايام ورغم جهود الدولة السورية في ايصال المعونات الغذائية والدوائية لكل المناطق المنكوبة، كان هناك نداء دولي، لايصال المساعدات إلى بعض الاحياء في مدينة حمص، وتعاطت الدولة السورية بايجابية مع النداء، وعندما طالبت روسيا بادراج مدينتي نبل والزهراء، وقعت جميع تلك الدول في فخ التناقض من جديد، حين رفضت ادراج تلك المدينتين، بهذا الاجراء الانساني. ورغم كل ذلك يوميا هناك محاولات من قبل جبهة النصرة لاقتحام البلدتين حيث يدافع ابناؤهما وبكل بسالة عن اهلهما ويحمون منازلهما.إن صمود اهالي مدينتي نبل والزهراء، يرسم خطوطا جديدة في حكايا الحرب على سورية، التي لم تستثن أحدا، ويندى لها جبين الانسانية.