الأمّية متفشّية في العراق، وخصوصًا بين النساء. لكن العراقيات مُقبلات اليوم على طلب العلم ومحو الأمّية، بسبب الانفتاح الاجتماعي والإعلامي، ويوافقهن أزواجهن شرط أن لا يكون العلم سببًا لإهمالهن شؤون منازلهن.
تتزايد أعداد النساء العراقيات اللواتي يرغبن في تعلّم القراءة والكتابة بمبادرات شخصية، فيتعلمن في المنازل أو يقصدن مراكز محو الأمّية.
وبسبب الانفتاح المجتمعي، وازدياد أهمّية القراءة والكتابة، وشروط المهن، التي تتطلب من الشخص المتقدم إليها إجادته فكّ الحرف، زاد الوعي والاهتمام بضرورة الالتحاق بالمدارس والمراكز التعليمية. ويتوقع التربوي قيس المعموري في بابل أن تنخفض نسبة الأمّية بين النساء في العراق خلال السنوات المقبلة، حيث يعاني ربعهن من الأمّية حاليًا.
رغبة في التعلم
إذا كانت الظاهرة تتركز في المدن، فإن النساء الريفيات يُبدين أيضًا رغبة كبيرة في التعلم، بحسب المعموري، الذي يُرجع بعضًا من أسباب ذلك إلى الانفتاح الثقافي للقرية على المدينة، “إذ لا تخلو البيوت في القرى والأرياف في الوقت الحاضر من وسائل الاتصال والإعلام، مثل الإذاعة والتلفزيون والصحف ووسائل الدعاية الورقية المجانية، التي بدأت تصل إلى كل البيوت”.
ويفيد تقرير للأمم المتحدة، صدر في نهاية العام 2012، أن نحو 70 بالمئة من نساء العراق في المناطق الحضرية يتابعن التعليم، وتنخفض النسبة إلى 30 بالمئة في الأرياف. كما يشير التقرير إلى أن ربع نساء العراق أمّيات لا يعرفن القراءة والكتابة.
تشعر أم حسن من بابل، التي تركت المدرسة مبكرًا وهي بعد في الصف الثاني الابتدائي، بالندم، لأنها أمّية، ولم تستطع وقتها إكمال دراستها، مؤكدة أنها ستتقن القراءة والكتابة في ستة أشهر. وتعترف بأن نيل الحقوق وكسب احترام المجتمع يكون بالتعليم، فتبلغ حماستها إلى ترك أطفالها عند ابنتها الكبرى، لتتاح لها متابعة الدروس وإنجاز الواجبات المدرسية البيتية.
تعلمهن وتتعلم منهن
قررت وزارة التربية العراقية في الأسبوع الماضي منح 3500 درجة وظيفية لمعلمين متطوّعين للعمل مجانًا في مراكز تعليم الأمّيين المنتشرة في محافظات العراق، بحسب داود سلمان عذاب، المدير العام في الهيئة الوطنية العليا لمحو الأمّية.
تقول المعلمة ابتهاج حنون، التي تعطي الدروس لخمس نساء في منزلها كمتطوّعة، إن المرأة العراقية العصرية بدت واعية اليوم بسبب وسائل الإعلام، وهي تتابع الأفلام والأخبار، وتجد نفسها معنية بمعارك الحقوق والأزمات السياسية والحرية، فتلجأ إلى التعلم وفكّ الحرف. تتابع: “هذا سرّ نجاح النساء في التعلم، لأنهن يشعرن بأن هناك حاجة إلى ذلك”.
تحضر إلى الفصل الدراسي، الذي تديره حنون، ثلاثون امرأة في شهر واحد، يواظبن بشكل شخصي في البيوت، بعدما تعلمن المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة.
تقول: أخطو الآن خطوات جيدة، لأن أولادي يساعدونني في البيت، وأشعر اليوم وأنا أعلِّم النساء القراءة والكتابة باحترام الناس أكثر، كما إن جرأتي ازدادت”.
المدرسة لا الزواج
لكن الباحثة والناشطة النسوية رحيمة الأسدي تؤكد أن الكثير من النساء يواجهن غضب الرجال، الذين لا يحبّذون غالبًا إصرار المرأة على التعلّم، “فهم مقتنعون بأن مكان المرأة هو البيت، وبالتالي لا ضرورة لتتعلم فكّ الحرف”.
تقول الأسدي إن بعض الأزواج يرى أن تعلّم المرأة سيجعلها أكثر قوة وانفتاحًا، وهذا ما يشجِّعهم على القبول بذلك، “ولهذه الأسباب لا يمكن إرجاع تفشّي نسبة الأمّية بين النساء إلى قلة الرغبة، بل إلى الأسباب القاهرة، التي تحول دون تعلّم المرأة، ولا أستبعد في المستقبل تفضيل نساء العراق المدرسة على الزواج، إذا ما ظلت الحماسة على ما هي عليه الآن”.
في الأرياف، صار تفضيل المدرسة خيارًا واسع الانتشار. فقد رفضت أم حسان من منطقة الشوملي الريفية جنوب بابل تزويج ابنتيها إلى حين إكمال دراستهن. وتؤكد أم حسان أنها قررت اختيار طريق العلم لتأمين مستقبل ابنتيها، على رغم الضغوط التي تتعرّض لها من قبل العائلة لتزويجهن.
نصف مليون أمّي
يقول يحيى السفاح، الناطق الرسمي باسم هيئة محو الأمّية، إن مجموع الملتحقين بمراكز محو الأمّية في الوقت الحاضر يبلغ نحو 500 ألف أمّي، فيما يبلغ عدد مراكز محو الأمّية 3600 مركزًا في البلاد.
ويعاني العراق نقصًا كبيرًا في أعداد المدارس لكل المراحل الدراسية، وهذا يفسّر الاكتظاظ الكبير في أعداد الطلاب داخل الفصول الدراسية.
في قرية تابعة للشوملي، تعيش أم ياسين مع أطفالها الثلاثة، الذين يتابعون دروسهم في مدرسة بعيدة عنهم، لكنها تسعى إلى جانب نحو عشر نساء إلى تعلم القراءة والكتابة من دون جدوى، بسبب عدم توافر الإمكانيات. تقول: “لديّ محاولات أولية في فكّ الحرف، تعلمتها من أولادي، لكن ذلك لا يكفي، فلا بد من معلمة تمنحنا فرصة التعلم الحقيقي”. وتؤكد أنها تحسد النساء اللواتي يلتحقن بدورات محو الأمّية وتعلم المهارات في المدن.
لكن أم رسول، على النقيض من ذلك، حيث تؤكد أن زوجها يشجّعها على محو أمّيتها، بل طرح عليها فكرة الاستمرار في الدراسة ونيل الشهادة الابتدائية. وتتابع: “بناتي ذكيات، وشاطرات، درجاتهن عالية في المدرسة، وكلي أمل بأن يدخلن الجامعات”.
رأي العشيرة
من جانبه، يشير ماجد شاكر، الوجه الاجتماعي ورئيس فخذ عشيرة الكلابيين، إلى أن شيوخ العشائر يؤيّدون تعليم المرأة، بعكس ما يتصوّره البعض، شرط إطاعتها أوامر زوجها وعدم إهمالها شؤون بيتها.
وسعى شاكر، بالتعاون مع أبناء عشيرته ومعلمين متطوعين، إلى بناء هيكل بسيط بمثابة قاعة لمتابعة الأمّيين لدروس القراءة والكتابة ثلاث مرات في الأسبوع، لكنه يعترف بأن الأمر متعذر على النساء لمتابعة الدروس في هذا المكان.
وفي الوقت نفسه، فإن رجل الدين أحمد الوائلي، يؤكد أن الإسلام حثّ على التعليم، بشرط أن تكون فعاليات التعليم ضمن ما يحلّله الشرع والدين. يتابع: “إذا استطاعت المرأة التوفيق بين شؤون منزلها ومتابعتها للدروس، فإن الأمر لا غبار عليه”.
34/5/13714
https://telegram.me/buratha