حبيب فياض
وفق نظرة متكاملة، لا مفر من القول بأن حملة مركزة تستهدف حزب الله في اكثر من اتجاه. الحملة هذه تخاض على جبهات عديدة وبأشكال مختلفة بهدف إرباك المقاومة وعزلها، تمهيدا للنيل منها. في هذا الخضم، يجد الحزب نفسه مضطرا الى المزاوجة بين استعداده لمعارك كبرى اعتاد عليها و أخرى صغيرة تشكل بمجموعها تمهيدات تكتيكية لمعركة استراتيجية حاسمة وقد تكون قريبة. واذا كان البعض يرى حزب المقاومة في وضع لا يحسد عليه، فهو يرى نفسه في وضع طبيعي من الاستهداف الذي لم يكن يوما بمنأى عنه. وهو ايضا يؤمن بنحو لا يقبل التردد بان النصر و«حسن العاقبة» هو ما ينتظره في نهاية المطاف، برغم اعترافه بخطورة المرحلة واستثنائية الظروف.
ووفق نظرة موضوعية، يمكن القول ايضا، ان الجهود التي بذلت للقضاء على «حزب الله»، على ضخامتها، لم تستطع إضعافه او إرباكه، بل هو من استطاع توظيف نتائج هذه الجهود وجعلها عنصر تفوق وضمها الى عناصر قوته (حرب تموز مثلا)، وذلك ضمن معادلة بسيطة تقوم على ان كل محاولة فاشلة للنيل منه تستحيل في رصيده الى قوة مضافة.
أزمة الآخرين في التعامل مع «حزب الله» انهم يعتبرونه رقما في معادلة. وفي احسن الأحوال رقما صعبا في معادلة صلبة. بينما الحزب في حقيقته خارج السياق المألوف للاحزاب والمقاومات. وهو ظاهرة فريدة أقرب الى كونها بنية متماسكة عصية على الانكسار. الكلام هذا لا يهدف الى تعظيم الحزب بمقدار ما هو محاولة توصيفية لفرادة الحزب وخصوصيته. والتوصيف هنا لا ينبع من فراغ، بل يستند الى رباعية يشكل كل ضلع منها النموذج في سياقه: قضية حائزة على العدالة والأحقية (المقاومة والاحتلال)، قيادة هي الذروة في «الكاريزما»، حاضنة شعبية هي اقصى ما يمكن في الاحتضان والتأييد، الى جانب امكانات لوجستية وعينية هائلة.
البعض يعتبر ثقة «حزب الله» بنفسه غطرسة وغرورا، فيما هو يرى في الامر طمأنينة نابعة من الجمع بين الغيب والواقع. هذا الغيب الذي لا محل له في قراءات الآخرين للحزب، هو عند «الحزب اللهيين» الاصل في كل صغيرة وكبيرة. اما الواقع فهو مشهود وحافل بنجاحات متنامية انطلاقا من امتلاكه لقدرات هائلة، ومن عمل دؤوب على مدار اللحظة توفيرا لعناصر النجاح ومقومات النصر.
العمل جار على قدم وساق من قبل أعداء الحزب لضربه واستهدافه. ورهانات الخصوم على إضعافه لا تنتهي. والحرب النفسية التي يتعرض لها لا تنقطع. والزج باسمه في كل صغيرة وكبيرة بات لازمة مصاحبة لكل حدث. ومحاولات النيل من اخلاقياته وقيمه متواصلة على الفضائيات المعادية له، فيما هو يعمل بصمت، ويمارس فضيلة الصبر، ويدرك ما يريد، ويشق طريقه بروية نحو اهدافه المركزية .
حاليا، يحاول خصوم «حزب الله» استهدافه عبر خطة ثلاثية الاضلاع: عزله سياسيا عبر منعه من المشاركة في الحكومة، تأجيج نار الفتنة بواسطة تصعيد الاحتقان المذهبي، واستهداف بيئته الحاضنة من خلال اعمال ارهابية. بالمقابل، أثبت حزب المقاومة انه يجيد التعامل بروية مع هذه الاستفزازات. فهو مطمئن ان لا حكومة من دونه، ولعل الطريقة التي انتهت بها الظاهرة «الاسيرية» خير دليل على قدرة الحزب على الترفع عن استفزازات الزواريب، فيما الذين يقفون خلف انفجار بئر العبد، يدركون ان مثل هذه الاعمال لن يكون لها اي تأثير على مواقفه، ولن تغير من الواقع في شيء، وستدفع الناس الى مزيد من الالتفاف حوله والتمسك بخياراته
20/5/13713
https://telegram.me/buratha