بقلم : د.رغداء مارديني
في مشهدٍ جديد، وبلاعبين منفِّذين جدد، وانطلاقاً من أن السياسة الأمريكية البراغماتية تُبعد الحلفاء، والعبيد، والمؤتمرين بأمرها، مهما بلغ شأنهم متى شاءت، وكيفما أرادت، جاء انقلاب الـ«CIA» الأبيض على منظومة محميّتهم في قطر.
فالفشل العميق والمخزي في تحقيق الاختراق الاستراتيجي الذي عملت عليه مشيخة قطر خلال السنوات الماضية، والذي كان مطلوباً تنفيذه بدقة للحصول على النتائج المخطّط لها على الساحة السورية، أجبر الولايات المتحدة على القيام بسلسلة تغييرات تكتيكية استعداداً لتنفيذ السيناريوهات القادمة.. ومن هنا، جاءت ضرورة التغيير في الأدوات، واستبدالها بوجوه وأدوات جديدة، وهذا يعني فيما يعنيه:
أولاً: تغيير الوجوه في المنظومة الحاكمة في قطر، بإبعاد حمد بن خليفة عن الواجهة السياسية، وكذلك حمد بن جاسم، الديناصور الاقتصادي السياسي «الإخواني» الذي ابتلع الحمد الأول، وكلاهما، وبكل التبذير المالي المدفوع، لم يستطيعا الوصول إلى المبتغى من هدف الانقضاض على سورية، بل على العكس، شوّها صورة أمريكا «المشوَّهة أصلاً» في المنطقة، وجعلاها الراعي الحصري للإرهاب الدولي علناً، وهو أمر طالما حاربت أمريكا من أجل ألا تظهر في واجهته، منذ أن غزت العراق، وسعت لتغيير ما التصق بها من رعايتها له، من خلال إرسالها مندوبين إعلاميين يعملون على تحسين صورتها، كان منهم الإعلامية كارين هيوز وغيرها.. فماذا ستفعل اليوم، وقد جعلها هؤلاء بقلّة درايتهم، الراعي الأول للإرهاب العالمي.. ومن ذلك، افتتاح «سفارة» لطالبان في الدوحة العاملة تحت إمرتهم، طبعاً، حتى ولو أظهروا عكس ذلك في الإعلام؟!!
ثانياً: إن الانقلاب الأبيض كانت له أسبابه، لإبعاد الحمدين، إذ لابدّ من طيّ الخلاف بين قطر والسعودية حول الدور المتنازع عليه في الملف السوري، وهو ما ترجم في إخراج الملف من يد قطر قبل «الانقلاب الأبيض» وتحويله «للهزّاز» السعودي الذي سارع إلى إطلاق التصريحات النارية «المرتجفة طلقاتها» التي تنمّ عن العبودية الكاملة للـ «CIA» تجاه سورية، ودعم الإرهاب التكفيري الدموي الوهابي الذي يقومون بإرساله بشتى الطرق والسبل ومختلف الأشكال إلى سورية، وذلك من أجل إبراز الدور السعودي وتسهيله من دون معوقات قطرية، بما يدخل الموضوع في إطار دور المنافسة على لعب الأدوار في المنطقة.
ثالثاً: إن هذا يأتي رغبةً من أمريكا في إبقاء الخليج مستقراً «حالياً على الأقل»، وهو محاولة منها لوضع قيادات شابة موالية لها، وبخاصة إذا عرفنا أنه حتى ترحيل حمد، الراعي الرسمي والداعم الأساس للحركات الأصولية المتشدّدة، هو مطلب خليجي من وراء الستار. وإذا انطلقنا من التساؤل الذي ساقه بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأسبق في البيت الأبيض، من أن الاستخبارات الأمريكية في عهد الجنرال بترايوس بذلت جهوداً واسعة النطاق لمساعدة القطريين والسعوديين بربطهم بطريقة أو بأخرى بالأتراك وذلك في إطار المحاولات الرامية لتدمير سورية، من قبل اثنين من الأنظمة الاستبدادية المعروفة في الشرق الأوسط، فهل كان ذلك موقفاً استراتيجياً؟ وهل الرهانات اليوم باتت أكبر، والوضع لا يمكن التنبؤ به؟
وفي الإجابة: «إن ما يجري في سورية ـ على حدّ قول بريجنسكي ـ هو جزء من الاستراتيجية الأمريكية التي بدأت مع احتلال العراق لإنشاء تأثير ـ دومينو ـ في الشرق الأوسط، والإطاحة بنظام تلو الآخر، مع تلاقي وجهات النظر الأمريكية مع اليمين الإسرائيلي، في أن الآفاق الاستراتيجية لـ«إسرائيل» ستتحقق بشكل أفضل إذا ما تمت زعزعة استقرار جميع الدول المحيطة بها».
وفي إجابتنا أيضاً فإن هذا فصل من فصول تغيير المشاهد والوجوه التي ستتلاحق فعلاً كأحجار الدومينو، من أردوغان الذي وصفته الصحف التركية بأنه أصبح في نظر الأمريكان كـ «البطة العرجاء» التي لم تعد تفيد ولا تجدي، ومثله مرسي الإخواني الذي لم يستطع ترجمة ما تريده أمريكا، على الرغم من كل جهوده، لذلك كانت محاولتها اقتلاعه «بإدخال الجيش المصري على الساحة» قبل أن يقتلعه الشعب، لأن اقتلاع الشعب له يخيفها جداً، وهو الأمر الذي لا ترغب به أبداً.. في الوقت الذي جعلت من استقالة رشيد عمار الذي قاد الانقلاب في تونس، جزءاً أيضاً من صورة شاملة متكاملة سعت إليها فيما ذكرته سابقاً، من سلسلة التغييرات التكتيكية استعداداً لتكوين مشهد إقليمي آخر: إما في اتجاه الحلّ السياسي، وإما في اتجاه التصعيد الإرهابي الدولي الذي لا يمكن التنبؤ بمآله مستقبلاً.
وسورية، في كلا الأمرين، على موعدٍ، لمواجهة المشروع الصهيو ـ أمريكي الممتد من المحيط إلى الخليج.
17/5/13709
https://telegram.me/buratha