حالة من هستيريا التصريحات المتناقضة أصابت واشنطن في ردات فعلها على ما جرى في مصر، عدم انسجام ، ضياع، ضعف في التنسيق، فشل في التقديرات، وعدم قدرة على التأثير بمجريات الأحداث، هكذا كانت واشنطن بالأمس خلال أحداث مصر.
محاولات لدعم مرسي و هدايته إلى سبل للخلاص، يليها إشادة بالديمقراطية وخيارات الشعوب، تهديد للجيش بقطع المساعدات، ثم رفض للتعليق على ما قد يقوم به الجيش، سفيرها في تل ابيب يبدي قلقاً من قرار الجيش المصري وأوباما يدعو لانتخابات مبكرة وحكومة مدنية، خيبة أمل من مرسي، التزاماً بالمسار الديمقراطي، هكذا كانت فوضى التصريحات، محاولات للحاق بشارع مصري يكتب تاريخ مصر الجديد ومعها المنطقة بسرعة أفقدت واشنطن في 4 ايام ما بنته من ثقة وآمال على الإخوان في سنوات طويلة، وصفتها سفيرتها في القاهرة بعلاقات الـ 20 سنة تعاون.
ما الذي أصاب واشنطن بالأمس؟ هي حالة فوضى وارباك ناتجة عن تسارع الأحداث في مصر؟ أم أنها فقدان للسيطرة على أرض مصر؟
هناك من اعتبر أن ما قامت به واشنطن هو محاولة للعب على الحبال وسط رؤية ضبابية للوضع المصري والهدف منها ضمان وجودها في أي سيناريو قادم، غازلت الاخوان، هددت الجيش، ثم عادت لتغازل الشارع و "مسار الديمقراطية"، وعملت على تمييع ما وصفها لما قام به الجيش معتبرة أنها لم تتأكد من أنه كان انقلاباً، وطبعا كل ذلك، لحفظ ماء الوجه بعد سلسلة تصاريح تتوعد "مصر" وجيشها في حال القيام بانقلاب عسكري.
لقراءة أوضح، وعلى قاعدة "خذوا أسرارهم من صغارهم" سنحاول أن نستشف مصلحة واشنطن، مخاوفها، وموقفها عبر "صغيرتها" في منطقتنا.
حيث نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريراً يحمل عنوان "اسرائيل ستشتاق لأيام مرسي" شرحت فيه أربعة أسباب تجعل "اسرائيل" نادمة على رحيل الرئيس المخلوع، التزامه باتفاقيات كامب ديفيد وعمله على كبح جماح حماس ونشاطه ضد الخلايا المسلحة في سيناء، إضافة إلى عدائه المتجذر لإيران، تشكل مجتمعة أسباباً وجيهة ستجعل "اسرائيل" تفتقده وتشتاق لأيام حكمه.
صحيفة يديعوت احرونوت من جهتها، قالت، أن سقوط مرسي أحدث قلقاً لدى القيادة في تل أبيب، لأن مرسي كان يسيطر على العناصر المعادية "لإسرائيل".
وتعليقاً على مجريات التطورات الأخيرة في مصر، تفاوتت التقديرات ما بين مرحب ومتخوف، وأبرزت الصحف الاسرائيلية تحذيرات من انفلات يعزز نشاط المجموعات المتشددة على الحدود، فيما أظهر البعض اطمئناناً لرحيل من صنفوه في صف الحركات الجهادية، ومنهم من أمل بقاؤه لفترة أطول، فيما رحب البعض الآخر بالتحالف العلماني العسكري، ليشكل المشهد الإعلامي مرأة، تعكس تماماً حالة الضياع الأميركية المفترضة!.
أما على صعيد السلطة الرابعة الأميركية، وبعد ان فشلت السلطات الأخرى في اعتماد خطاب موحد حول أحداث "مصر"، فقد قامت الصحافة الأميركية بدور المتطرف، حيث دعت الواشنطن بوست أوباما إلى رفض الانقلاب في مصر، وتحدثت النيويورك تايمز عن ثقة مبالغ فيها بقادة الجيوش في الشرق الأوسط أوقعت واشنطن في مأزق "مصر"، وكان تصدي الصحف الأميركية فاقعاً بشكل مستغرب، فتلك تدعوا إلى خطوات سريعة لتدارك الأمر في مصر قبل انفلاتها من القبضة الأميركية وأخرى تفند التناقض وتستغرب التعارض في المواقف.
اذن هي "المشكلة" نفسها، انعكست في مرآة الصحافة الأميركية والاسرائيلية تشتتاً في المواقف والرؤية، ولكن هل الموضوع بهذه البساطة، لتترك أميركا دولة كمصر تفلت من قبضتها؟ وهل من دولة أخرى دخلت على خط الأزمة المصرية دون المرور على "الكوبري" الأميركي؟ ما معنى أن يصرح بوتين بأن من يسعى لدعم الاخوان في مصر أو الوقوف بوجه الحركة الشعبية في مصر فإنه يقف في وجه روسيا؟ هل هي إعادة خلط لأوراق المنطقة والنفوذ فيها؟ أم أن الضعف والتوتر الأميركي الظاهر ما هو إلا لعبة جديدة لتشديد القبضة على مصر من بعيد على طريقة "حبل الكاوبوي" القديمة، ومن خلف الكواليس؟
بعيداً عن التهليلات والتبريكات العربية لعزل مرسي أو الاتهامات للجيش بالانقلاب ومواجهة الشرعية، فإن المشهد لا يزال ضبابياً، وبانتظار الأيام القادمة التي ستكشف حقيقة التحالفات والتسويات الكبيرة التي قد لا تقل عن التظاهرات التي شهدتها مصر ضخامة، بانتظار كل ذلك .. حمى الله مصر من هؤلاء كلهم.
https://telegram.me/buratha