فتحت الولايات المتحدة بازار انتقال السلطة في ممالك ومشيخات الخليج العربي النفطية عبر عملية انتقال الحكم في قطر، وتسليم حمد بن خليفة آل ثاني السلطة لابنه الأوسط تميم ، في عمل نسقته واشنطن ، وأخرجته تحت عنوان انتقال السلطات للجيل الشاب ، مثيرة بذلك حفيظة حليفها الخليجي والعربي والإسلامي الأهم المملكة العربية السعودية التي تعيش منذ فترة طويلة صراعا صامتا وخفيا على السلطة، عززه موت أبناء عبد العزيز آل سعود واحدا تلو الآخر، وتدخل الإرادة الإلهية في ترتيب الوفيات. فقد مات اثنان من اولياء العهد قبل الملك الحالي، ما وضع مشروع هيئة البيعة الذي وضعه عبدالله بن عبد العزيز في مهب الريح. ولم تنفذ أي من بنود هذا المشروع ، خصوصا في عملية تعيين نايف ومن بعده سلمان في منصب ولي العهد.
بالنسبة للولايات المتحدة التجربة في انتقال الحكم نُفذت في قطر، والسعودية هي بيت القصيد في سعي واشنطن الحثيث ان لا تصل رياح التغيير العربي الى أبواب مملكة آل سعود النفطية، وما يمكن ان ينتج عن هذه الرياح من خسائر كبيرة للولايات المتحدة على كافة الصعد، خاصة في ظل الصراع القوي بين أجنحة العائلة الحاكمة على السيطرة على مراكز القوى دخل المملكة. وبدأت نذر الخطر تدق لدى واشنطن بعد ان اتخذت صراعات العائلة السعودية منحى خطيرا عبر عملية العسكرة التي ينتهجها اطراف الصراع في العائلة ، ومحاولة عبد الله بن عبد العزيز السيطرة على الجيش الذي كان في عهدة آل سلطان حتى وقت قريب، عندما تم عزل خالد بن سلطان من منصب نائب وزير الدفاع ، ما وضع الجيش بيد وزير الدفاع سلمان بن عبد العزيز الذي يدير الوزارة عبر ابنه محمد ، في وقت يسيطر عبد الله عبر ابنه متعب على الحرس الوطني ، الجسم العسكري الكبير الموازي للجيش في السعودية.
عملية انتقال السلطات الى الجيل الثاني التي افتتحتها الولايات المتحدة الأمريكية في قطر يبدو أن ملك السعودية تلقفها بسرية تامة لتسليم ابنه متعب زمام الملك بدلا من عمومته المتبقين على قيد الحياة في حال وفاة الملك، وينتهج عبدالله بن عبد العزيز في مسعاه هذا خطين:
ا- الدفع بابنه متعب لبناء علاقات دولية
ب- السيطرة على الجيش السعودي وضمه للحرس الوطني
في مسعاه لتحقيق هذين الهدفين قام الملك عبدالله بخطوة أولى مؤخرا، وأصدر مرسوما ملكيا بتاريخ 28 أيار/مايو الماضي رفع بموجبه متعب لمرتبة وزير ، جاعلا من الحرس الوطني وزارة قائمة بذاتها، كما تمت ترقية متعب عسكريا الى رتبة لواء ، وبدأ على أثرها العمل على تنفيذ الشرط رقم واحد وبناء علاقات دولية. وكانت اولى إطلالات متعب الدولية زيارة رسمية قام بها الى العاصمة الفرنسية باريس منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي حيث التقى وزير الدفاع الفرنسي (جان إيف لودريان) يوم 18 حزيران/يونيو ، ومن ثم التقى الرئيس الفرنسي (فرانسوا هولند) يوم 19 حزيران/يونيو، وهو يُحضِّر لزيارتين رسميتين على الصعيد الدولي بعد باريس، الأولى الى لندن والثانية الى واشنطن ، وكلاهما حددتا في الخريف المقبل.
في الشق الثاني من الخطة ، أي الشق العسكري وهو الأكثر أهمية في صراع النفوذ والخلافة ، ما لم يعلن من زيارة فرنسا هو الوفد الذي رافق متعب بن عبدالله حيث كان الى جانبه مسؤولان من شركة (قيصر العالمية)، وهي شركة فرنسية صغيرة تعمل في مجال الاستشارة العسكرية لدى الحرس الوطني السعودي ، بما في ذلك عملية النصح في مجال شراء معدات عسكرية من مختلف الأنواع، أما المسؤولان فهما صاحبا الشركة الأخوان ( جيم فرانسيولي) و (جورج فرانسيولي) اللذان رافقا متعب في زيارة قام بها للمعرض الدولي السنوي للطيران الذي يقام سنويا في مطار بورجيه العسكري في ضاحية باريسية. وبحسب المعلومات المؤكدة ينوي متعب شراء طائرات حربية لصالح الحرس الوطني الذي هو بالأساس قوة برية. وكان سلطان بن عبد العزيز الذي تولى وزارة الدفاع في السعودية طيلة نصف قرن منع شقيقه عبدالله الملك الحالي والذي أسس الحرس الوطني من شراء طائرات حربية للحرس الوطني طيلة حياته. وبحسب مصادر عسكرية فرنسية ، قرر عبدالله بن عبد العزيز توسيع قوة الحرس الوطني عبر شراء طائرات حربية له ، وهو ينوي دمج الجيش والحرس الوطني ، ووضع ابنه متعب على رأس المجموعة في حال وفاة وزير الدفاع سلمان بن عبد العزيز الذي يعاني من بداية مرض (الزايمر).
ولا يبدو ان عبدالله ومتعب قلقان من عودة نفوذ بندر بن سلطان الذي لا يمكنه تولي سدة الملك كون والدته من أصل أفريقي. ويتولى بندر حاليا السياسة السرية للمملكة عبر إشرافه على ملفات عديدة أهمها الملف السوري ، وهو يتولى منصب رئيس مجلس الأمن القومي ومنصب رئيس المخابرات الخارجية، وكان بندر قام بثلاث زيارات سرية خلال الأسبوع من 3 الى 10 حزيران/يونيوالى كل من واشنطن باريس ولندن لحثهم على تسليح المعارضة السورية ، في سعي منه لإسقاط الرئيس بشار الأسد ، ما يعزز نفوذه في أوساط العائلة الحاكمة في عملية توزيع المغانم .
تبقى عقبة وحيدة وكبرى في وجه متعب متمثلة بابن عمه محمد بن نايف الذي خلف والده في منصب وزير الداخلية في شهر أيلول/سبتمبر الماضي. محمد الذي كان سعد الحريري نعته بالسفاح امام لجنة التحقيق الدولية في عملية اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري ، يتمتع بعلاقات دولية كبيرة خصوصا مع أجهزة المخابرات العالمية ، وهو كان استقبل بشكل رسمي في البيت الأبيض نهاية العام الماضي ومن ثم في لندن بداية العام الحالي، وبعدها في باريس خلال الأسبوع الأخير من شهر أيار/ مايو الماضي قبل متعب، بوقت طويل، ويسيطر محمد بن نايف على وزارة الداخلية التي تحوي قوات عسكرية نظامية على رأسها قوة (فهود نايف) التي نفذت عملية غزو البحرين منذ عامين
11/5/13707
https://telegram.me/buratha