اتخذت الانتفاضة الشعبية ضد حكومة رجب طيب أردوغان طابعاً جديداً بعد القمع الذي مارسته الشرطة التركية ضد المعتصمين في ساحة "تقسيم" باسطنبول.
وعلى عكس الاعتقاد الذي ساد بأن فض اعتصام تقسيم سيؤدي إلى أنها الانتفاضة، فإنه سرع في إدخال تركيا في أزمة شاملة، مفتوحة ومديدة، بسبب عمق الأزمة، وتشبث أردوغان بالسلطة ورفضه الإقرار بفشله في الحكم والتسبب بالأزمات لبلاده، نتيجة توريطها في الحرب العدوانية ضد سورية والتحول إلى رأس حربة في هذه الحرب، فالازدهار الاقتصادي انقلب إلى جمود وتراجع في معدلات النمو بنسبة تجاوزت الـ7 % نتيجة توتير العلاقات مع دول جوار تركيا، لا سيما سورية بوابة تركيا إلى العالم العربي.
فيما الاستقرار الأمني حل مكانه الاضطراب بسبب تحويل المناطق التركية القريبة من الحدود مع سورية إلى قاعدة للجماعات الإرهابية الآتية من كل أنحاء العالم للتدريب والتسلل إلى داخل سورية.
أما الاستقرار الاجتماعي، فقد انفرط عقده بعد أن أوغل أردوغان في ارتكاب حماقة التحريض على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية في سورية، لتفتيت نسيجها الاجتماعي وتقسيم سورية، والذي يماثل النسيج الاجتماعي التركي.
وهكذا سقطت كل إنجازات الحقبة الأردوغانية دفعة واحدة، بفعل مغامرات أردوغان ورهاناته الفاشلة على إسقاط سورية للحصول على لقب السلطان العثماني، حالماً باستعادة أمجاد العثمانية الغابرة، فانقلب الحلم كابوساً يلاحق اردوغان وحزبه، حيث بات اليوم مسؤولاً أمام إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن توريطها بالوعود المتكررة بقرب إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد من ناحية، ومسؤولاً عن إغراق الشعب التركي بالأزمات والإطاحة باستقراره الداخلي وتهديد وحدته الوطنية من ناحية أخرى، ونتيجة لذلك أصبح أردوغان عبئاً على تركيا وشعبها، وعلى السياسة الأميركية في المنطقة، التي تريد استبداله بوجه جديد من حزبه قادراً على لعب دور ينسجم مع المرحلة المقبلة، التي لا تتطلب رؤوساً حامية غير عقلانية كأردوغان، إنما تتطلب شخصية تجيد البراغماتية والتعامل مع الوقائع الجديدة الناشئة عن فشل الحرب الأميركية "الإسرائيلية" ضد سورية، وتستدعي السير بالتسوية السياسية والتسليم بالتعامل مع الرئيس بشار الأسد.
غير أن إزاحة أردوغان تحتاج إلى معركة، كون تركيا بلداً كبيراً فيه تعددية سياسية ومعارضة قوية، مقابل حزب حاكم بقيادة أردوغان ما يزال رغم تراجع شعبية يتمتع بنفوذ قوي، ويملك السلطة ويريد استخدامها لتثبيت حكمه.
انطلاقاً من ذلك، فإن كل المؤشرات ترجح أن تدخل تركيا في أزمة مديدة ومفتوحة ريثما يحترق أردوغان، ويحصل تحول كبير في قاعدته الشعبية والحزبية المناصرة له، والتي يتوقع أن تتصدع مع كل يوم يمارس فيه أردوغان سياسته الرعناء في الحكم، ويوغل في ممارسة سلطة القمع ضد القسم الأكبر من شعبه.
لكن هذا الواقع التركي المأزوم والمضطرب تمخض عن العديد من النتائج:
أولاً: سقوط ما سمي "حكم الإسلام المعتدل" الأميركي الهوى، الذي كان يراهن عليه بأن يشكل نموذجاً يحتذى في الوطن العربي، قادراً على تجديد شعبية الأنظمة الحاكمة لمواصلة السياسات التي تخدم المشروع الأميركي الغربي الصهيوني في المنطقة.
ثانياً: انكشاف ديمقراطية أردوغان المزيفة وسقوط مزاعمه في دعم الديمقراطية والإصلاح في سورية، وازدواجية المعايير التي يعتمدها، فهو يصف الإرهابيين في سورية بأنهم مناضلون من أجل الحرية، فيما يتهم شعبه المنتفض ضد سياساته الرعناء بالرعاع وقطاعي الطرق والإرهابيين.
ثالثاً: شل دور أردوغان كرأس حربه في العدوان على سورية وتبدل أولوياته لتصبح مركزة على كيفية مجابهة الانتفاضة الشعبية ضده والسعي إلى حماية حكمه ووجوده في السلطة.
وقد أدى ذلك إلى حدوث خلل كبير في إدارة الحرب ضد سورية، دفع واشنطن إلى المسارعة لتجاوزه عبر استحضار ورقتها الاحتياطية، وهي حكم "الإخوان المسلمين" في مصر، لملء الفراغ وتولي دور القيادة بدلاً من تركيا أردوغان، وهو ما تمثل في النقلة النوعية في خطاب مرسي المعادي لسورية وقطع العلاقات معها، وتحريضه المذهبي وإشهار عدائه ضد المقاومة، الأمر الذي أدى إلى حرق "الإخوان" وكشف حقيقتهم في كونهم جاءوا إلى الحكم بالتفاهم مع أميركا لخدمة مخططها الاستعماري في المنطقة.
حسين عطوي/ الثبات
30|5|13602
https://telegram.me/buratha