فرضت جملة من التعقيدات المستجدة نفسها على مسار الحل السياسي في سورية، والذي كلما لاحت بوادر حتى يختفي تحت تأثير النيران في ساحات القتال،
وتراجعت في الوقت الحاضر فرص التوصل إلى اتفاقات أو تكوين إطار سياسي للتسوية، وإن كانت التحضيرات أوحت بوجود تقدُّم على مستوى الرؤى والأفكار بين الروس والأميركيين، تجلى ربما في لقاء دول الثماني الذي عُقد الأسبوع المنصرم في أحد منتجعات ايرلندا، وسطع فيها الحضور الروسي بقوة، من خلال العديد من المعطيات.
ومما لا شك فيه أن إنجازات الجيش السوري في ميدان المعارك في أكثر من منطقة، ومعادلة “القصير”، فرضت على الغربيين إعادة النظر بإدارة الملف السوري، من دون أن يعني ذلك صرف النظر نهائياً عن التسوية.
وقد جاءت المواقف “الحامية” من واشنطن ولندن وباريس، برفع حظر السلاح النوعي عن المسلحين الذين يقاتلون الدولة السورية، بالتزامن مع اجتماع بين وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس ومدير الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، وما نتج عنه من مقررات أهمها تزويد السعودية لهؤلاء المقاتلين بصواريخ مضادة للطائرات.
يأتي ذلك كله كرد فعل على التغيير الحاصل في موازين القوى لمصلحة الدولة السورية، ولمحور المقاومة، عبّر عنها فابيوس صراحة بقوله: “إذا لم تحصل إعادة توازن للقوى على الأرض، فلن يكون هناك مؤتمر في جنيف”.. هذه المواقف أتت عشية انعقاد مؤتمر دول الثماني بهدف الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفريقه السياسي الصلب، وفرض تقديم تنازلات معينة في الملف السوري، ووقف اندفاعة الجيش السوري في حلب وغيرها، في وقت يعمل المسؤولون الغربيون جاهدين من أجل رفع معنويات المسلحين وقادتهم، وتقديم إغراءات مالية ولوجستية خوفاً من حصول انهيارات متوقعة في صفوفهم، فإذا ما حصل الانهيار الدراماتيكي، على أي شيء سيفاوضون في المؤتمر الدولي في جنيف؟
أمام هذه الصورة برزت في ايرلندا قوة المفاوض الروسي ومتانة أوراقه التفاوضية، حيث دخل بوتين حاملاً معه التقدم الواسع للجيش السوري في كل محاور القتال، خصوصاً بعد استعادة القصير، مقابل هزائم بالجملة وتقهقر كيد المسلحين، والأهم تقديمه للعالم صورة “آكلي لحوم البشر”، وهذه مؤثرة جداً في الغرب، كما أكد بوتين تماسك وصمود الدولة السورية بكل مؤسساستها، والدلالات الاستراتيجية لنتائج القصير، وتداعياتها على المحور المعادي برمته.
في المحصلة، يمكن استنتاجات المعطيات الآتية كملخص لنتائج قمة ايرلندا فيما خص الشأن السوري، أهمها الخروج بإجماع على ضرورة إنهاء تنظيم “القاعدة” في سورية، وحث دمشق على التعهد بتدمير وتشتيت “القاعدة” وتجفيف منابعها، لأن أوروبا والغرب عموماً يعلمون أن المجموعات التكفيرية لا أمان ولا مهادنة معها، ومشروعها يتعارض مع الجميع.
الأمر الآخر هو عدم تكرار تجربة العراق، واعتبار مؤسسات الدولة ضمانة لبقائها، حتى ولو سقط النظام، رغم علمهم أن هذا النظام بإمكانياته الذاتية العسكرية قادر على إلحاق الهزيمة وتدمير المجموعات التكفيرية، ولهذا فقد اتفق الجميع على إبقاء “جنيف-2″ هدفاً يعملون على تحقيقه، ولو بعد حين، وكان لافتاً أن البيان الختامي للقمة لم يتطرّق إلى تنحي الرئيس الأسد، وهي معزوفة دامت سنتين، ولا إلى مشاركة “حزب الله” في القتال إلى جانب الجيش السوري في القصير، وكان اللافت أيضاً ما وجّهه الرئيس السوري عبر صحيفة ألمانية من كلام مباشر ورسائل بالجملة، بأن ما يحصل في سورية من إشعال النيران سيمتد إلى من أشعلها، وأن وصول السلاح إلى التكفيريين يعني تصويبه نحو أوروبا، وهذا ما سيحصل.
إذاً، لا بد من تقدير صياغة الموقف الغربي الذي يقول إن قرارات تسليح المعارضة المسلحة هدفه السعي لاستعادة التوازن غداة معركة القصير وبدء عاصفة الشمال في حلب، والحصول ضمناً على توافق دولي نحو التسوية، وإن كان الغرب يحاول تعزيز أوراقه التفاوضية، مستفيداً من فسحة الوقت في الصيف الحالي، مقابل تقدّم المنطق الروسي، الذي استفاد بشكل كبير من مجموعة عوامل استراتيجية ميدانية، ومنها ضعف المحور الآخر الذي تتآكله الخلافات في كل المجالات، مع العلم أن كل المحور المعادي لسورية يعرف بالدليل الحسي والوقائع أن كل ما يجري على الأرض يُثبت أن ميزان القوى مال بقوة إلى محور المقاومة، ولا عودة إلى الوراء إطلاقاً.
18/5/13629تح: علي عبدد سلمان
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha