تتحسر زوجة أحد ضحايا النظام السابق في محافظة صلاح الدين، (مركزها تكريت، 170 كم شمال العاصمة بغداد)، من ازدواجية المعايير التي تطبقها الحكومة تجاههم لا بالمقارنة مع الضحايا من أنباء الجنوب وإقليم كردستان فحسب، بل وأيضاً بالواشي الذي كان السبب، ويستغربون من احتضان ذلك الواشي، ومحاولة "تلميعه" سياسياً بالرغم تاريخه "المثير للشبهات" والمعروف للجميع.
كانت الحيرة والحسرة ترتسم على محيا زوجة النقيب سطم غنام الجبوري، (أم ضرغام)، بمنزلها في قرية الزوية بقضاء الشرقاط (120 كلم شمال تكريت)، وهي تستذكر زوجها الذي اعدمه النظام السابق ورفاقه الـ16، بتهمة التآمر على رئيسه، وتقول "نفهم أن هناك عوامل معينة ذات جذور طائفية أو قومية ربما تحول دون انصاف زوجي وأقرانه على غرار ضحايا الانتفاضة الشعبانية في الجنوب وحلبجة في إقليم كردستان برغم أنهم سعوا لضرب رئيس النظام نفسه".
وتستدرك أم ضرغام "لكن غير المفهوم بل والمحير هو أن يتم احتضان من هو متهم بالوشاية بزوجي و16 من زملائه الذين سعوا لقلب نظام صدام إلى الأجهزة الأمنية السابقة والسعي لتلميعه ومحاولة فرضه على أهالي المحافظة الذين يعرفون تاريخه الأسود وكونه ملاحقاً من القضاء وفقاً للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب"، وتصمت برهة قبل أن تضيف والدموع تغمر عينيها "لا شك أنكم عرفتم المقصود بحديثي وهو مشعان الجبوري".
وكان النقيب سطم الجبوري، وهو من أهالي قرية الزوية بقضاء الشرقاط، ضمن الفوج الثالث من الحماية الخاصة برئيس النظام السابق صدام حسين، وحاول في أول عرض للجيش أقيم بعد انسحاب العراق من الكويت في العام 1991، إدخال دبابة محشوة بالأسلحة والقنابل ضمن رتل كتائب طابور العرض، وكان يخطط لقيام المجموعة التي يقودها داخل الدبابة بقصف المنصة التي سيكون فيها صدام لتحية المشاركين في العرض، لكن النظام المتبع في تدقيق القطع المشاركة كان من خطوط تفتيش عدة أدت إلى كشف الدبابة المتسللة وضبط الأشخاص المسؤولين عن الخرق.
مشعان كان مخبرا سريا لصدام
وتوضح أم ضرغام، "كنت أطبخ البصل لإطعام أولادي الأربعة بعد اعدام زوجي النقيب سطم غنام العام 1991 على إثر اكتشاف أمر تزعمه لمجموعة السادس من كانون التي خططت للإطاحة بالنظام السابق"، وتستدرك "لكن وشاية من مخبر سري كشفت الأمر واعتقل المخططون وصدرت بحقهم أحكاماً مختلفة منها السجن المؤبد من دون أن نحصل على الدعم وإعادة الحقوق من النظام الحالي الذي لم يبد أي اهتمام بنا".
وتذكر أم ضرغام، "لم نحصل من النظام الحالي على أكثر من راتب تقاعدي يصل كل شهرين بواقع 320 ألف دينار أحاول جمعه كي أجري عملية جراحية لعيني"، وتستطرد "سمعت بتكريمي بتكليف الحج لكني لم اتسلم أي شيء مثل جماعة الشعبانية".
وتؤكد زوجة النقيب سطم غنام الجبوري، وهي تقلب الأوراق التحقيقية التي صدرت بموجبها أوامر قبض بحق السياسي مشعان الجبوري، "أطلب من رئيس الحكومة نوري المالكي، حقي وأن يحقق مع مشعان لمعرفة حقيقة دوره بقضية إعدام زوجي"، وتتابع "أسمع من الناس أنه قدم تقريراً كشف المحاولة الانقلابية لكنني ربة بيت بسيطة لا حول لي ولا قوة ولم تكن لدي حتى هوية أحوال مدنية تتيح لي إمكانية التنقل والتقصي لأن النظام السابق حرمني حتى من تلك الهوية دون أن يلتفت النظام الحالي لأمثالي من عوائل الضحايا".
وبحسب كتاب وزارة الداخلية (محكومين/ ذي العدد3255 بتاريخ الرابع من شباط 2009) الذي صدر للرد على مخاطبة المحكمة الجنائية العراقية العليا بالعدد 1135 في (الـ21 من كانون الأول 2008)، المتضمن صدور أمر القبض والتحري على المتهين مشعان ركاض ضامن عليوي الجبوري، وهيثم سليمان المجيد، وحسن خليل ذياب، في حين يقول الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي، بكتابه 4797 في (الرابع من تشرين الثاني 2010)، إنه بناءً على ما جاء بكتاب مجلس القضاء الاعلى 8828 في 5/8/2008، يجب تعميم امر القبض بحق مشعان ركاض ضامن الجبوري.
يتيم ومنبوذ
ضرغام (33سنة) الذي يعمل موظفاً في دائرة صحة صلاح الدين، هو الابن الأكبر للنقيب سطم الجبوري، يقول ، "كنت أعيش يتيماً وفقيراً ومنبوذاً من قبل أهل القرية الذين كانوا يخافون التقرب مني بسبب تهمة والدي".
ويضيف ضرغام كان ذلك "مفهوماً زمن النام السابق لكن غير المعقول يتمثل بتصرفات النظام الحالي الذي يلتزم المتهم بالوشاية وكشف المحاولة الانقلابية ضد رئيس النظام السابق، وهو مشعان الجبوري، ويهمل الضحايا".
وكان مشعان الجبوري عاد إلى العراق خلال شهر آذار المالكي بترتيب من عزت الشابندر كبير مفاوضي رئيس الحكومة نوري المالكي لكي يشارك في الانتخابات المحلية في صلاح الدين على رأس قائمة (جبهة الانصاف) التي يتزعمها، وعلى الرغم من أن المفوضية كانت صادقت عليه وعلى كيانه مطلع العام الحالي لعدم وجود أي موانع قانونية او قضائية ضده، فإنها عادت واعلنت في 12/ 4/ 2013 منعه وكيانه من المشاركة في الانتخابات وأوضح المتحدث الرسمي باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، صفاء الموسوي، في حديث إلى (المدى برس)،امس الأحد إن المفوضية استندت إلى قرار قضائي باستبعاد رئيس جبهة الإنصاف مشعان الجبوري عن الانتخابات لوجود قيد جنائي بحقه.
ويطالب ضرغام، من "رئيس الحكومة نوري المالكي انصاف أهالي المحافظة من الذي نصب نفسه رئيساً لجبهة الانصاف"، ويتساءل "كيف دخل مشعان العراق وترك حراً طليقاً برغم صدور مذكرات اعتقال بحقه، ولماذا لا تطلق الحكومة سراح المعتقلين الأبرياء الذي يقلعون في السجون منذ سنوات حتى من دون محاكمة، ولو كان والدي وزملاؤه من ضحايا الانتفاضة الشعبانية هل كان المالكي يتجرأ على حمايته، أم أنها ازدواجية بالمعايير وكيل بمكيالين".
ويتابع "حقاً أن الموضوع يثير الاستغراب من تصرف الحكومة الخاضع للمصالح الشخصية والحزبية الضيقة على حساب حقوق الضحايا ودماء أهلنا وتضحياتهم"، ويستطرد "ويريدوننا بعد ذلك كله أن نصدق شعاراتهم ونزوعهم للعدالة والقانون".
ويؤكد ضرغام، أن "قيادة عمليات دجلة اعتقلت أحد الأشخاص بتهمة الوشاية على عدد من مجموعة 6 كانون قبل يومين في محافظة كركوك ويدعى أحمد فرحان روضان، لكن الحكومة تحمي مشعان الجبوري الذي قدمنا بحقه شكوى منذ العام 2009 وصدرت ضده أوامر قبض وبدلاً من تنفيذها ووضعه بالسجن ومحاكمته يحاول المالكي تنصيبه زعيماً علينا".
لماذا يا حكومة
من جانبه، يستغرب الشيخ حسين علي حسين، شقيق النقيب مضحي الذي اعدم مع سطم في المجموعة نفسها، من "تصرف رئيس الحكومة وازدواجيه تعامله في قضية مشعان الجبوري".
ويقول حسين لقد "وجهنا اتهاماً إلى مشعان بتقديم تقارير إلى نظام صدام بحق ابنائنا الذين كانوا يخططون لقلب الحكم وصدرت أوامر قبض بحقه لكن اللعب السياسي جعله يفلت من الاعتقال والمحاكمة".
ويضيف حسين "بعد دخول مشعان إلى العراق سنة 2003 أرسل وساطات عشائرية إلينا سنة 2005 لتسوية القضية لكننا رفضنا وطالبناه بالخضوع للتحقيق القضائي ليثبت براءته لكن الموضوع تم تسويفه وغادر مشعان ولم يعد إلا بحماية المالكي".
ويؤكد أن "مشعان لم يدخل قرية الزوية التي هي مسقط رأسه"، ويبين أنه "هرب من العراق عام 1991، على أساس أنه معارض وكانت امه تزوره بشكل اعتيادي خارج البلد كما أن عائلته تعيش بظروف طبيعية، وليس كما كنا نعاني ويراقبونا ويعتقلونا بين الحين والآخر".
ويذكر حسين، أن "مشعان كان يدير شركة تجارية في الأردن اسمها الصقر بمشاركة أولاد صدام ولا نعرف ما هو وجه المعارضة التي مارسها ضد النظام السابق"، ويستطرد أن "درع شقيق مشعان أعدم من قبل النظام السابق بسبب خلافات مالية وليس سياسية غير أن مشعان يتاجر بأسماء ابنائنا الذين اعدموا على اعتبار أنه كان معهم وهذا غير صحيح".
ويدعو الشيخ حسين علي حسين، القضاء العراقي إلى "انصاف عوائل ضحايا مشعان ومن اعتقلوا بالقضية نفسها وسجنوا عدة سنوات وهم أكثر من 20 شخصا من أهالي قضاء الشرقاط".
دموع الأطفال
ويحرص مهند وهو الابن الأكبر للنقيب مضحي، على زيارة قبر والده في مقبرة قرية الزوية مصطحبا ابنه الصغير الذي أطلق عليه اسم جده نفسه ويحدثه عن سبب إعدامه.
ويقول مهند، ، إن "طفلي يبكي على جده الذي حرمت انا من رعايته فلقد أعدم عندما كان عمري 13 سنة فقط"، ويضيف "كانت حياتنا أشبه بالجحيم لاسيما أنني كنت مجبراً على ترديد اسم صدام قاتل أبي في المدرسة لأن المناهج تفرض ذلك كما يطلبون مني إلقاء قصائد تمجد الحزب فقررت ترك الدراسة لكي لا اتعامل مع قاتلي أبي".
ويسرد معاناته في مرحلة الدراسة قائلاً "كان الجميع في القرية ينظرون إلينا باحتقار وكنت ملاحقا بشكل دائم وكأنهم يقولون هذا ابن الخائن"، ويستدرك "تابعت حياتي بمرارة حتى بعد ترك الدراسة فلم يكن بمقدوره الحصول على فرصة عمل".
ويذكر مهند "كنت اعتقد أن حكومة ما بعد التغيير ستقدم لي المساعدة والاحتضان لكننا لم نحصل منها إلا على الإهمال والجفاء"، ويواصل "لم يقتصر الأمر على ذلك بل زادت الحكومة الطين بلة عندما احتضنت من شارك في مقتل أبي وهو مشعان الجبوري".
ويطالب مهند رئيس الحكومة نوري المالكي بضرورة "إعادة حساباته وعدم تجاهل تضحياتنا"، ويشدد "كيف للحكومة ورئيسها تجاهل تضحياتنا وقد عبدنا طريقهم بالدماء والمعاناة وليس بالخطابات والتنقل بين فنادق الخمس نجوم وعبر شاشات التلفاز كما هو حال غالبية سياسيي اليوم".
ويلفت مهند إلى أنه يقيم علاقات وطيدة مع أبناء باقي المعدومين مع والده، ويوضح مهند، "نلتقي دائما معهم خصوصا بعد سقوط النظام السابق ونتبادل معهم الهموم وكيف نسترد الحقوق ممن كانوا سببا في إعدام الاباء والأخوة والأقارب غير أن الواقع يصدمنا كثيراً عندما نشاهد الحكومة الحالية تتعامل مع الموضوع بهذه الطريقة غير المنصفة".
وكان القضاء العراقي اصدر احكاما بحق الجبوري لمدة 15 سنة تتعلق بالفساد الاداري اثر اتهامه بالاستيلاء على مبالغ إطعام أفواج حماية المنشآت النفطية التابعة لوزارة الدفاع منذ خلال عامي 2004و2005، وتأسيسه شركة وهمية للأطعمة.
وقرر مجلس النواب العراقي إلغاء عضوية الجبوري في الدورة الاولى لمجلس النواب العراقي في شهر ايلول من العام 2007 بسبب عرض قناته الزوراء التي اسسها في عام 2005 لمشاهد تظهر العمليات العسكرية التي تقوم بها الجماعات المسلحة ضد القوات الامريكية والعراقية وتمجيدها للرئيس السابق صدام حسين.
وبعد مغادرة الجبوري للعراق في العام 2006 اسس قناة الرأي واستمرت القناة في نهج قناة الملغاة الزوراء المساند للجماعات المسلحة في العراق وتأييدها فيما بعد للتظاهرات في العراق قبل ان تقوم في عام 2011 بمساندة نظام العقيد معمر القذافي قبل سقوطه واتهامه للثوار الليبيين بالعملاء، وفي شهر كانون الاول من العام نفسه قررت الحكومة السورية اغلاق القناة بشكل نهائي، ليخرج بعدها الجبوري بمواقف مؤيدة للحكومة العراقية خصوصا في رفضها لتشكيل الاقاليم خصوصا في محافظة صلاح الدين من خلال تأسيس قناة جديدة باسم الشعب تؤيد كل توجهات الحكومة العراقية.
وكشف في (الثاني من نيسان 2013) عن وجود مذكرة اعتقال دولية صادرة من الانتربول بحق النائب السابق مشعان الجبوري كونه متهم بعدة قضايا من قبل الحكومة العراقية خلال السنوات الماضية".
وكان مشعان الجبوري كشف في تصريحات صحفية في (الثامن من نيسان 2013 الحالي) خلال أول زيارة له الى محافظة صلاح الدين لإقامة مهرجان خاص للترويج الانتخابي لقائمته (الانصاف) أن مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من الشرطة الدولية (الانتربول) "سترفع قريبا"، وأكد أن القضاء العراقي برأ ساحته من جميع القضايا المرفوعة بحقه، فيما رجح أن تكون الانتخابات المحلية المقبلة خطوة على الطريق الصحيح لتحسين الأوضاع في البلاد.
وكان الجبوري أعلن في (الـ31 من آذار 2013) في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة بغداد عن إسقاط كافة التهم الموجهة اليه والاحكام الصدرة غيابيا بحقه، وأكد ترشيح نفسه لانتخابات مجالس المحافظات في صلاح الدين، مبديا تأييده لانفصال الكرد عن العراق وتشكيل حكومة غالبية سياسية في البلاد.
https://telegram.me/buratha