اعتبر نـــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان تكرار عقد او عدم القدرة على عقد ما يسمى بالمؤتمرات الوطنية بين الكتل السياسية، دليل صارخ على عمق الخلافات بين هذه الكتل، على خلاف ما يدعيه المتحدثون باسمها، والا لامكن حلها بمؤتمر او مؤتمرين، او لامكن عقد المؤتمر المرتقب بسهولة ويسر، داعيا الى عدم التعامل مع المشاكل بطريقة تبويس اللحى او الطبطبة على الظهر، فان مثل هذه السياسة تفاقم الازمات ولا تساهم في بناء البلد، فضلا عن انها تعرقل تقدم عملية بناء الدولة العراقية.
واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث في ستوديو النشرة الخبرية الرئيسية لقناة (العراقية) مساء يوم (3 نيسان 2012) المنصرم في العاصمة العراقية بغداد: كما ان التنمية والتقدم والتطور بحاجة الى خطط استراتيجية، كذلك فان حل الخلافات والمشاكل بحاجة الى خطط استراتيجية تعتمد الالتزام بالعهود والوعود المقطوعة اولا وعدم النكوص والتمرد على ما يتم الاتفاق عليه، ولذلك قيل ان السياسة، من بعض وجوهها، هي فن ادارة الازمات من اجل ان لا تنفجر، واحتوائها من اجل ان لا تتحول الى عائق في طريق التنمية والبناء.
ان المشكلة لا تكمن في وجود الخلافات بين الفرقاء، فالعالم يعج اليوم بالخلافات وانظمة الحكم، حتى في البلاد الديمقراطية، تمتلئ بالخلافات بين الفرقاء، وانما في طريقة معالجتها وادارتها، فبينما يحرص الزعماء (المسؤولون) على ايجاد الحلول المناسبة لخلافاتهم في اطار الصالح العام واستراتيجية الامن القومي للبلد، لا يعير الزعماء (غير المسؤولين) اية اهمية لذلك، وربما يعملون على تاجيج حدة الخلافات للتصيد بالماء العكر، حتى اذا جاء ذلك على حساب الصالح العام، وهو ما نراه اليوم في العراق.
لقد ثبت بالقطع واليقين بان مشاكل الكتل السياسية الحاكمة في بغداد هي مشاكل حقيقية، وليست عابرة او ثانوية ولذلك فاننا اليوم امام ازمات متتالية ومتكررة، وبرايي فان من المستحيل التوصل الى حلول حقيقية قبل اعتراف الجميع بهذه المشاكل من اجل التخطيط الاستراتيجي لحلها، اما ان يخرج علينا السياسيون بعد كل لقاء ثنائي او اجتماع (وطني) عام ليخبرونا بانهم حلوا (95%) من المشاكل العالقة ثم نكتشف بعدها بان اس المشكلة في الـ (5%) المتبقية التي تحرص كل الاطراف المجتمعة على ترحيلها الى المستقبل المجهول، وهكذا، فهذا يدل على ان الجميع لا يرغب في حل المشكلة الحقيقية، والتي اساسها الخلاف في الرؤية بشان القضايا الاستراتيجية التي تخص البلد فهي ليست مشاكل عابرة او طارئة وانما هي مشاكل تتعلق برؤية الاطراف بشان بناء الدولة والموارد الطبيعية والنظام الاداري والعلاقات الخارجية واصل النظام الديمقراطي وغير ذلك من الخلافات الاستراتيجية التي تخص الرؤية، ولذلك فان شخصنة الخلافات امر لا يعود بالنفع ابدا، بل انه يحجم الخلافات وهي كبيرة ويهمش الحلول وهي ترقيعية.
لماذا لا نسمع بالحقائق ولا نطلع على الوثائق السرية الا عندما تشتد الازمات بين الفرقاء السياسيين؟ ان نشر الغسيل وقت الازمات ادانة لمن يبادر الى ذلك، وهو دليل على عدم جدية الطرف في حل الخلافات وانما البحث في تشديد الازمة وتفاقمها لحاجة في نفسه يريد قضاها بالازمات، الامر الذي يدمر العملية السياسية ويعرقل تقدم البلاد وتنميتها، فالتستر على الحقائق والوثائق ادانة ضد من يتستر عليها.
ان الراي العام في العراق يتمنى ان يسمع، ولو لمرة واحدة، من الفرقاء وهم يتحدثون عن خلافاتهم لحظة فض الاجتماع وليس فيما بعد، ليعرف حجمها وحقيقتها وما اتفق عليه الفرقاء من خطوات ملموسة لحلها، اما سياسة التضليل التي يمارسها الجميع مع الراي العام فلا تزيد العلاقة بينهم وبين الشارع العراقي الا سوءا وتدهورا، وهي تزيد من الشكوك القائمة بين الطرفين بشكل مضطرد، ما يقلل، وقد يلغي، مصداقية الفرقاء عند الشارع العراقي، ان عاجلا ام آجلا.
اذا كانت الكتل السياسية تعتقد باهمية اطلاع الراي العام على الخلافات المتفاقمة فيما بينها، ليكون هو الحكم، ويكون جزء من الحل، فان عليها ان تطلعه على التفاصيل اولا باول، ليواكب، الراي العام، تفاصيل الخلاف وتطوره فيكون بذلك قادرا على الحكم وربما المساهمة في حلها، اما ان يمارس الفرقاء سياسة التدليس والخداع والكذب والتضليل لتفاجئ الراي العام بالاسرار والوثائق السرية وقت اشتداد الازمة، فهذا ما يزيد من شكوك الراي العام بنوايا الفرقاء، الذي قد ياخذ الوثيقة السرية على محمل الجد اذا اطلع عليها في الوقت المناسب،
اما اذا اطلع عليها وقد اشتداد الازمة فان ذلك يقلل من مصداقيتها ويزيد من شكوكه بالنوايا والاهداف، فهو بمثل هذه الحالة يعتبر نشر الغسيل هدفه تصفية الحسابات وليس لتنويره واطلاعه على الحقائق من اجل ان يحكم بين الفرقاء.
ان تحدث المسؤول عن مشاكله في الوقت المناسب وبكل وضوح وشفافية وبالحقائق والارقام، يعد رقيبا ذاتيا عليه يساعده في تحقيق النجاح والانجاز الانسب، فمعرفة الراي العام بالحقائق تدفع بالمسؤول الى ان يصدق الحديث عندما يتحدث عن خططه ومشاريعه، لانه سيتذكر، اذا ما حاول ان يكذب او يبالغ او يضلل، بانه يتحدث لمواطن يعرف الحقيقة كاملة، وبذلك يكون قد صنع لنفسه رقيبا ذاتيا يجنبه التورط بالمشاكل، ويحثه على النجاح والانجاز بكل وضوح وشفافية، ما يساعد الراي العام على تفهم مشاكل المسؤول وربما اعذاره اذا اخطا او فشل.
اما المسؤول الذي يتستر على الحقائق بانتظار نشر الغسيل ضد الاخر متى ما اراد ذلك عندما تشتد الازمة السياسية فيما بينهما، فانما يدين نفسه قبل ان يدين خصمه، لان التستر على الحقيقة تضليل يجب ان يحاسب عليه المسؤول الذي يوظفه لتصفية حساباته مع الخصم، فالى متى يظل الفرقاء في العراق يتحدثون بلغة الرموز للراي العام فلا يفصحون عن الحقائق الا وقت اشتداد الازمات؟.
هل يتصورون بان مثل هذا الاسلوب سيزيد من مصداقيتهم لدى الراي العام؟ ام ان ذلك سيدين المسؤول الذي يلجا الى مثل هذا الاسلوب الابتزازي قبل ان يدين خصمه؟ لماذا لا يسمع الراي العام، بعد كل اجتماع يضمهم، الا لغة الاطراء والمديح التي يستخدمها الجميع، وكانهم (سمنة على عسل) على حد قول المثل المشهور، حتى اذا مرت ايام على ذلك الاجتماع اذا بالراي العام يطلع على الوثائق السرية التي يسعى كل طرف لكشفها امامه ومن على الشاشة الصغيرة؟ فاين كانت هذه الوثائق لحظة انتهاء الاجتماع (الوطني)؟.
اذا كان الفرقاء جادون في حل خلافاتهم فان عليهم ان يبحثوا في صلب المواضيع وليس على هوامشها، كما ان عليهم ان يبداوا النقاش في كل اجتماع من حيث انتهوا في الاجتماع السابق، اما اللف والدوران واجتناب الخوض في صلب الموضوع، او السعي لحل الخلافات المتفاقمة بالاتصالات الهاتفية، فان كل ذلك لا يساهم في ايجاد اي حل ابدا، بل على العكس فان ذلك يفاقم المشاكل ويعقدها، وكل ذلك لا يخدم البلد ويعرقل عملية البناء والتنمية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان العراقيين شبعوا كلاما معسولا عن الاتفاق المزعوم بين الفرقاء بعد كل اجتماع، وهم اليوم ينتظرون ان يسمعوا منهم كلاما حقيقيا يلامس الواقع بكل تفاصيله ليساهم في حل العقد بعد ان فشل المسؤولون في حلها على الرغم من مرور قرابة 10 اعوام على سقوط الصنم في بغداد وانطلاق العملية السياسية الجديدة في البلاد.
ان العراقيين لا يريدون ان يسمعوا تصريحات اعلامية او كلام للاستهلاك المحلي او للمزايدات السياسية او للدعاية الانتخابية، وانما يريدون ان يسمعوا حديث الحقائق ولغة الارقام والوقائع، ليميزوا الخبيث من الطيب من المسؤولين والمناهج على حد سواء.
العراقيون يرفضون، من الان فصاعدا، ان يتاجر المسؤولون بالوثائق السرية وقت اشتداد الازمات للتقرب من الراي العام، فالاصل عندهم هو الشك في النوايا حتى يثبت العكس، بعد ان تكررت الحالات.
https://telegram.me/buratha