عادل الجبوري ||
قبل تسعة وثلاثين عاما، وبالتحديد في الساعة السادسة والربع من عصر السابع من شهر حزيران-يونيو من عام 1981، اخترقت ثمان طائرات اميركية الصنع من طراز(F 16) تابعة لسلاح الجو الاسرائيلي الاجواء العراقية، لتقصف المفاعل النووي العراقي حديث الانشاء جنوب شرق العاصمة بغداد، وتلحق به دمارا كبيرا تجاوزت نسبته الخمسين بالمائة.
اطلقت تل ابيب اسم (اوبرا) على عملية قصف المفاعل النووي العراقي، والتي جاءت بتوجيه وايعاز مباشر من رئيس الوزراء الاسرائيلي حينذاك مناحيم بيغن، تحت ذريعة منع العراق من صناعة اسلحة نووية يمكن ان تشكل تهديدا للكيان الصهيوني، الذي كان يمتلك في حينه ترسانة ضخمة من تلك الاسلحة، كان عنوانها العام مفاعل "ديمونا".
ويبدو ان صناع القرار في تل ابيب استغلوا جملة عوامل ليختاروا على ضوئها التوقيت المناسب، منها اتفاقية السلام التي كانوا قد توصلوا لها مع النظام المصري برئاسة انور السادات قبل اعوام قلائل من ذلك الوقت، وكذلك انشغال العراق بالحرب العدوانية التي شنها على الجمهورية الاسلامية الايرانية صيف عام 1980، مع ادراكهم ان اية ردود فعل دولية او اقليمية لن تتعد بيانات الادانة والاستنكار، وحتى قرار مجلس الامن الدولي المرقم 487، الذي صدر بعد اثنى عشر يوما من قصف المفاعل، لم يكن له اثر فعلي كبير، رغم انه اقر بأحقية العراق بالمطالبة بالتعويضات عن الخسائر البشرية والمادية التي لحقت به.
ولعله لم يكن غريبا في ذلك الحين، ان يكتفي نظام صدام الذي كان منشغلا بحربه العدوانية على الجمهورية الاسلامية الايرانية، ان يكتفي بأصدار بيان انشائي لم يقدم او يؤخر، حيث لم يكن الكيان الصهيوني يمثل بالنسبة له العدو الاول، واكثر من ذلك لم يكن مسموحا ولا مطلوبا منه ان يفتح جبهة معه، وحتى ان ذلك النظام لم يكلف نفسه التحرك الجاد سياسيا ودبلوماسيا على المحافل والاوساط والدولية لتحشيد الدعم والاسناد ضد ما قام به الكيان الصهيوني حينذاك، رغم انه كان بالامكان استثمار قرار مجلس الامن الدولي بصورة جيدة.
واذا كان القصف الاسرائيلي لمفاعل تموز في عام 1981، لم يأتي عليه بالكامل، فأن القصف الاميركي الذي رافق حرب تحرير الكويت في عام 1991، لم يبقي منه شيئا، حتى انه لم يعد هناك امل في اصلاحه واعاده تشغيله والاستفادة منه، خصوصا في ظل ظروف الحصار الاقتصادي والعقوبات، ناهيك عن السياسات الكارثية المدمرة لنظام صدام.
ويؤكد عالم الذرة العراقي وأحد اعضاء فريق البرنامج النووي العراقي منذ بدايات تأسيسه عام 1968، الدكتور كامل الباهلي، انه لو كتب للبرنامج النووي العراقي ان يستمر، لكان له الاثر الكبير جدا في تطوير القطاعات الصناعية والزراعية والصحية والخدمية في البلاد، ويؤكد ان خسائر العراق جراء تدمير المفاعل، قدرت بثلاثة مليارات دولار سنويا، ويرى الباهلي ان العراق يستحق تعويضات تقدر في الحد الادنى بثمانين مليار دولار.
ولعل المطالبة بالتعويضات المالية، تعد جزءا من التحرك على مختلف الصعد والمستويات من اجل استعادة الحقوق مهما مر عليها الزمن، فهناك، وفق القوانين الدولية، جرائم ترتكبها دول او كيانات او جماعات معينة ضد اخرى لاتسقط بالتقادم، ولابتبدل الانظمة والحكومات، ولا عبر الترضيات والتنازلات والمساومات، وجريمة قصف الكيان الصهيوني للمفاعل النووي العراقي قبل تسعة وثلاثين عاما، تعد من الجرائم التي من غير الممكن اسقاطها بتقادم السنين.
وللاسف فأنه حتى بعد الاطاحة بنظام صدام، لم يحظى ملف تدمير المفاعل النووي العراقي من قبل الكيان الصهيوني بالاهتمام المطلوب، ولم يسلط عليه الضوء من قبل الاوساط والمحافل السياسية ووسائل الاعلام بالقدر الكافي الذي يستحقه، وهنا فأنه تقع على عاتق الحكومة العراقية ومجلس النواب والقوى السياسية المختلفة مهمة العمل بجدية لطرح هذه القضية بقوة في شتى المحافل الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة حركة عدم الانحياز، وجامعة الدول العربية، في ذات الوقت ينبغي على وسائل الاعلام اعادة فتح ذلك الملف، وابراز الجوانب السياسية والقانونية والحقوقية والصحية والبيئية فيه، فضلا عن التأكيد على حقيقة ان ذلك العدوان لم يستهدف العراق فحسب، وانما استهدف الامتين العربية والاسلامية على وجه العموم، واكثر من ذلك يمكن ان يكون التحرك العراقي في هذا الاطار معززا لتحرك اقليمي ودولي اوسع واشمل للتعريف بجرائم الكيان الصهيوني في فلسطين واماكن اخرى، وكذلك، فأنه يمكن توظيف السجل الطويل لتل ابيب الحافل بشتى الجرائم والانتهاكات من اجل خلق وايجاد اجواء ومناخات مناسبة لطرح ضرب مفاعل تموز مرتين، الاولى من قبل تل ابيب والثانية من قبل واشنطن وتدميره، وما خلفه من اثار كارثية خطيرة، ناهيك عن انتهاك السيادة الوطنية وخرق القوانين والمواثيق الدولية بصورة فجة وصارخة.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha