المقالات

حينما تكون المرجعية الدينية حضارية

3012 21:05:00 2006-04-11

الحقيقة تقول: أن الذي يميز زعامة التشيع على طول التاريخ هو حضارية الفكر والممارسة والموقف, إذ ليس في فكر التشيع لأهل بيت رسول الله عليهم السلام ما يدعو إلى إبادة الإنسان وإقصاءه , لانتهاجهم النهج الحضاري السليم لأهل البيت الذين ما كانوا دمويين ولا عنيفين حتى مع ألد أعدائهم يوما قط . ( بقلم : الشيخ محمد سعيد المخزومي )

إن حضارية المرجعية الدينية والقيادة السياسية لأية أمة ومجتمع في الحياة يجب أن تمتاز بمزايا تخرج بدونها المرجعية الدينية والزعامة السياسية عن كونها حضارية.

والخروج عن الحضارية لا يعني إلا نقيضتها الجاهلية. ذلك أن الحضارية تعني حضور القيم الإنسانية والإرادة الربانية في حياة تلك الزعامة وهذه القيادة.

وكل قيادة تضع قيم الخير والحق والإنسانية تحت أقدامها لا تمثل إلا  نموذجا لإمامة الجور والفساد والتردي في الحياة. ذلك لأن الحياة موزعة على معسكرين أحدهما خير والآخر شر , وأن مرجعية معسكر الخير تمثل أئمة العدل والحق والحياة , بينما مرجعية المعسكر الآخر تمثل أئمة الجور والفساد والدمار , إذ لا ثالث بينهما على وجه الإطلاق .

 من هنا كانت في الحياة مرجعيتان ومعسكران أو مجتمعان , وما نراه في هذه الحياة على طولها وعرضها هو واحد من هذين اللونين , وما الصراع الدائر فيها إلا ما يدور في هذين المدارين .

كما تتجلى حضارية المرجعية والزعامة بحضارية الفكر الذي يحدوها , والممارسة العملية اليومية المرتكزة على ذلك الفكر والمنهجية المنبثقة منه , ثم أن حضارية الموقف عند الأزمة أية أزمة واجهت الأمة والمجتمع مرهون بحضارية الاعتقاد وارتكاز الفكر السليم عليها وبها . ولأننا نعيش الآن عراقا جديدا يتميز بالدم والضحايا والقرابين ابتدأ بالسجون المظلمة ومر بالمقابر الجماعية ووصل إلى شلالات الدم القائم على الهوية التي اضطلع بها سياسيو الهيمنة والابتزاز بتوظيفهم أئمة الجور ووعاظ السلاطين وأجراء الفتوى الدموية ,  فقد وجب علينا تسليط الضوء على قيمية المرجعيات وحضارية مواقفها , سواء كانت تلك المرجعيات دينية أم  سياسية,  خصوصا وأن العراق يعاني من مآس عظامٍ ودواهٍ جسام وجرائم يندى لها جبين الإنسان , ومواقف يشمئز منها الوجدان مع تباين غير منسجم في المباني الصانعة لمواقف تلك المرجعيات على اختلاف مشاربها وتنوع مآربها , وتعدد فهمها وعقائدها .

من هنا لابد للباحث الموضوعي من أن يضع الأمور مواضعها ويسمي المفردات بمسمياتها, ذلك الباحث النّزيه الذي لا يداهن عند ظهور الحقيقة ولا يتلعثم حين جلاء الحق, فلا يغالط ولا يساوم ولا يتردد أو ينافق, لأنه أمام قضية سيحاكمه الله والتاريخ والأجيال عند اتخاذه موقفا يتساهل فيه عن الحق ولو بمقدار قيد أنملة.

ولذا وجب الإذعان إلى تلك الحقيقة التي قد لا تروق لبعض الناس ولكني سوف أرفدها ببيان لا يمكن أن يلتبس الحق بعده على ذي لب وبصيرة ومحب للحق والحقيقة.

الحقيقة تقول: أن الذي يميز زعامة التشيع على طول التاريخ هو حضارية الفكر والممارسة والموقف, إذ ليس في فكر التشيع لأهل بيت رسول الله عليهم السلام ما يدعو إلى إبادة الإنسان وإقصاءه , لانتهاجهم النهج الحضاري السليم لأهل البيت الذين ما كانوا دمويين ولا عنيفين حتى مع ألد أعدائهم يوما قط .

كما لم تجد على طول التاريخ ما يشير إلى أن التشيع قد انتهج مناهج الذبح وانتهاك الحرمات وتأجيج الفتن وإثارة النعرات وكل ما يدور مدار الجهل والجاهلية والتعامل بوحشية مع الإنسان الآخر على الإطلاق .

ثم أن حضارية الموقف عادة ما تتجلى في الفكر النابع من صميم الاعتقاد الذي يتميز بانتهاج منهج خدمة الإنسانية الذي يتجلى في سيرة الرسول صَلَّى الله عَلَيةِ وَآلِهِ وَسَلَّمَِّ والمستنّة بسنّته التي أصّلَ معالمها أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

من هنا فإن الزعامة الشيعية الربانية  تتميز بمعالجة الأمور بدقة وحزم متناهيين إلى الدرجة التي تتكشف حضارية الموقف عندها في إصابتها كبد الحقيقة دون الذهاب بعيدا عن جوهر الأمور ولبابها والاهتمام بحواشي الأحداث وخرابها.

ثم أن إصابة كبد الحقيقة تُعرف بالمواقف الحضارية الشاملة من خلال الإحاطة بكل لوازم القضية بالشكل الذي لا يفوت عليها شيء من ملحقات القضية وتوابعها, فلا تعادي الصديق ولا تصاحب العدو , كما لا تتآخى مع الظالم ولا تظلم الأخ ولا تتساهل مع الغاشم ولا تتوانى في الدماء, بل تضع كلا موضعه الذي وضع به نفسه.

وأن كل معالجة لا تصيب كبد الحقيقة في معالجة الكوارث التي تصيب الإنسانية لهي معالجة تكون ابعد ما يمكن عن الحضارية لأنها معالجة تنبع من رؤية الجاهل بالحقيقة وغير العارف بما تلتبس به الأمور  لأن ( العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.

بينما معالجة العالم المتغافل عن الأخذ بها وبحوازم الأمور تكون معالجة نابعة من مصاديق زلات العالم وكوارث الموقف الملتبس عليه , لكون زلة العالم مؤدية إلى إهلاك العالّم بأسره, وقد حدد رسول الله صَلَّى الله عَلَيةِ وَآلِهِ وَسَلَّمَِّ  أن ( زلة  العالم كإنكسار السفينة تغرق ويغرق معها غيرها ) حتى تُخرج تلك الزلةُ ذلك العالِمَ عن جادة الطريق السوي فيعبث المفسدون بالحياة فتكون (زلة العلم تفسد العوالم ) كما هو في نص أمير المؤمنين عليه السلام .

وبالمعالجة الناقصة والبحث عن أنصاف الحلول تستفحل الكوارث المدمرة فتكون ( زلة العالم كبيرة الجناية) على حد تعبير مؤصّل نهج الحياة أمير المؤمنين عليه السلام .

وحتى نبين معنى حضارية الموقف والفكر والممارسة عند المرجعية الدينية, مقابل جاهلية الموقف والفكر والممارسة عند التي تقف في الند منها عند هبوب العواصف الكارثية بالمجتمع يلزمنا الإشارة إلى قضيتين أساسيتين على وجه المثال لا الحصر لكي يعرف العالم الأمور كما هي دون لبس أو خلط. .

فالقضية الأولى ما اقترفها أهل السنة بمرجعياتهم الدينية والسياسية, بحق شيعة أهل البيت عليم السلام في أفغانستان بموازاة الموقف الحضاري للمرجعية الدينية الربانية فيها, والقضية الثانية ما اقترفها أهل السنة في سامراء العراق بحق الشيعة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وموقف المرجعية فيها. 

القضية الأولى: مجازر أفغانستان

والحديث عن هذه القضية يستدعي البحث في موقفين أساسيين:

الموقف الأول: وحشية الفكر الطائفي

حيث ذكر المؤرخون في الشأن الأفغاني: (( أن في عام 1880 للميلاد وبعد أن وجدت بريطانيا نفسها مجبرة على الانسحاب من أفغانستان عمدت إلى تنصيب عميل لها على البلاد، يكون مطيعاً لها ومنفّذاً لأوامرها ورغباتها وأهدافها.

وكان الخيار البريطاني المناسب هو (عبد الرحمن خان) الذي كان معروفاً بقسوة القلب وانعدام العاطفة والرحمة، كما كان أنانياً مستبدا,ً وعنيداً حقوداً، وكان يحتقر شعبه ويشعر بعقدة الحقارة والضعف أمام الإنجليز، كما كان معروفاً بحقده وكراهيته وعدائه لجميع القوميات الأفغانية والقبائل عدا قبيلته، وكان حقده وعداءه للمسلمين الشيعة الهزارة أشد وأكثر.

وعندما استولى (عبد الرحمن) على مدينة هراة دمّر أكثر من خمسين مدرسة ومسجداً وحسينية. كما هدم (مصلّى هراة) الذي كان يعتبر نموذجاً رائعاً وفريداً من نوعه في الفن المعماري في آسيا الوسطى، وتراثاً إسلامياً وحضارياً متميزاً في أفغانستان.

فقد طلب (عبد الرحمن) من علماء البلاط إصدار فتوى لتكفير المسلمين الشيعة في منطقة (هزارة)، باعتبارهم متمردين وخارجين على السلطان العادل!

فاستجاب عدد من علماء السوء ووعاظ السلاطين لطلب (عبد الرحمن) وأصدروا فتوى لتكفير المسلمين الشيعة!! ويذكر أن عبد الرحمن كان قد حصل على فتوى التكفير هذه من علماء نجد والحجاز ـ كما يفعلون اليوم مع الشعب العراقي المظلوم ـ واعتمد «علماء» الأفغان على ذلك ))وهنا رأينا أن نورد (قسما من) الترجمة العربية لنص الفتوى, مؤكدين في هذا حدثين أساسيين أحدهما تكفير علماء أهل السنة وقضاتهم لشيعة أهل البيت عليهم السلام والحدث الثاني التنفيذ الوحشي للسياسيين الطائفيين السنة لتلك الفتاوى .

الحدث الأول: علماء الإفتاء الطائفي يكفرون شيعة أهل البيت

وللتأكيد على أن مفجر الحروب الطائفية هم وعاظ السلاطين ورجال الفتوى المأجورين علينا أن نعرض الفتوى التاريخية لرجال الإفتاء المأجورين والقضاء السني في كابل والمعتمدة على فتاوى علماء التكفير الوهابي في بلاد الحجاز وهذا قسم من تلك الفتوى :

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى على المسلمين واتباع المذهب الحنفي الحنيف، ان الأمير عبد الرحمن خان حفظه الله المنان، من شرور البدعة والطغيان، قام بتأديب الهزارة  لبغاة الأشرار، ....

وثبت لدى محكمة الشريعة النبوية العليا وبدون أدنى شك رفض وكفر وارتداد الهزارة، وبناءً على هذا نحكم نحن في محكمة الشريعة النبوية العليا في كابل بكفر وارتداد الهزارة ووجوب قتلهم قبل التوبة وبعدها. إننا واعتباراً من اليوم نعتبر الهزارة مرتدين وبغاة، ومفسدين في الأرض، وإن قتلهم، وتمزيق صفوفهم، وهدم بيوتهم، وسبي نسائهم، هو عين الجهاد، وقوام للدين، ونصرة للإسلام والمسلمين، إن أمر الأمير العادل عبد الرحمن خان بوجوب محاربة الهزارة البغاة فرض واجب على كل من يمكنه القيام بذلك، وان من قتل أحداً من الهزارة أو قتل دون ذلك يعتبر شهيداً ومجاهداً وغازياً وناصراً للدين الحنيف ورسول الإسلام. كما ان قتلى الهزارة مخلدون في النار والجحيم.

إننا نقدم هذا الحكم الشرعي الى الأمير العادل عبد الرحمن خان ونرجو من جلالته ومقامه الكريم، ابلاغ هذا الحكم الى كافة المسلمين في أفغانستان، ليعلم جميع المسلمين الأفغان بكفر وارتداد الهزارة، ووجوب القضاء عليهم في كل مكان.

التوقيع:

المولوي مير فضل الله                                  مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي مير محمد                                     مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي مير نظام الدين                               مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي عبد الملك                                     مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي عمر عمران                                    مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي مير سيد ظاهر                               مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي عبد الحميد                                    مستشار محكمة الشريعة النبوية في كابل

المولوي محمد اسلام                                  مستشار محكمة الشريعة النبوية في باميان  ) .

الحدث الثاني: بعض جرائم التنفيذ السياسي للطائفين بحق الشيعة

فقد ذكر مؤرخوا الواقع السياسي الأفغاني انه: ((وبعد سيطرة (عبد الرحمن) على المناطق الشيعية (هزارستان) بادرت مرتزقته الأشرار الى ارتكاب مجازر واسعة وجرائم فظيعة في مختلف المناطق، ولم يتركوا جريمة الا وارتكبوها.

لقد كانت التعليمات الصادرة للجنود واضحة وهي القضاء الكامل على الهزارة. وقد استخدمت مرتزقة عبد الرحمن ابشع الأساليب في القتل والتعذيب والتنكيل، وكانت تقوم بحرق القرى وهدم المساجد وحرق المزارع والأشجار وإبادة المواشي، كما أنها كانت تمنع الناس من دفن الموتى والقتلى حتى إن أغلب الجثث كانت تتفسخ وسط البيوت. .

وقد انتشرت نتيجة ذلك مختلف الأوبئة والأمراض حتى أن بعض الجنود أصيبوا بأمراض خطيرة انتشرت في المنطقة. ومن أساليبهم الوحشية:

·        قطع أطراف المعتقل، وتركه ينْزف حتى الموت.

·        ومنها تسليط الكلاب المتوحشة على المعتقل وهو مقيد لتنهش الكلاب لحمه حتى الموت.

·         ولعل من ابشع جرائمهم وأفظعها ذبح الأطفال والرضع أمام عيون أمهاتهم .

·        واغتصاب الفتيات المسلمات .

·        والاعتداء على النساء بحضور أرحامهن.

·    ومنها تجريد الطاعنين في السن من النساء والرجال من ثيابهم وشدّ وثاقهم وتركهم في العراء دون طعام وشراب حتى الموت .

وكان جنود (عبد الرحمن) يتلذذون بقتل الأطفال ويعتبرونه لعبة مسلية لهم ومثيرة, حيث :

·    كانوا يرمون الأطفال إلى الأعلى ثم يتلقونهم بسيوفهم ورماحهم ويقطعونهم إرباً إربا  . أما عن معاملتهم مع الأسرى الذين يقاتلونهم ، فحدث ولا حرج، حيث :

·        كانوا يقطعون انف الأسير وأذنيه.

·        ويدخلون سيخاً حديدياً ساخناً في عينيه.

·        بعد ذلك كانوا يقطعون يديه ورجليه ويستمرون في طعنه وضربه بالسيوف والخناجر حتى الموت  )) .

·        ((وكان لدى كل واحد من الضباط عدد من الكلاب المدربة على أكل لحوم البشر والفتك بالإنسان خلال لحظات.

·        وكان يقدم الى الكلاب في كلّ وجبة أسير شيعي مقيد لتفتك به الكلاب وتأكل من لحمه, وكان في أغلب الأحيان :

·    يعلّقون الأسير في غصن شجرة ويبقرون بطنه ويخرجون أحشاءه، ثم يتركون الكلاب المتوحشة تأكل من أحشائه ولحمه.

 

وبعد عام كامل من القتل الوحشي والتصفية الجسدية:

·    اصدر (عبد الرحمن) أمراً بوقف قتل الهزارة، وأجاز بيع وشراء أسرى الهزارة، بشرط أن يدفع كل من يبتاع شيعياً (10%) أي عُشر ثمنه للدولة.

·    بعد هذا الأمر الجائر، زادت معاناة ومأساة المسلمين الشيعة، وكان الجنود ومرتزقة النظام يغتصبون الفتيات ونساء الهزارة الشيعة. وعندما كان أحد من ذوي وأقارب تلك الفتيات يقدم شكوى الى أمراء الجيش، كان الجنود يدعون بأنهم ابتاعوها من شخص آخر .

وكان الناس يفضلون الموت على الحياة والعيش الذليل وعلى هذا كانوا يقدمون على الانتحار للتخلص من الأسر، ومن الوقائع التي تذكر :

·    أن مرتزقة (عبد الرحمن) اعتقلت (400) امرأة شيعية في منطقة (داية) بولاية غزنة وكان من المقرر نقلهن الى العاصمة لعرضهن في أسواق النخاسة، وعندما وصلن فوق جسر على نهر (جاغوري) رمين بأنفسهن في النهر وغرقن في أمواجه.

·    كما يذكر أن (40) فتاة من منطقة (اورزگان) هربن الى الجبال من مرتزقة (عبد الرحمن) وعندما شعرن بأنهن أمام طريق مسدود صعدن الى قمة صخرة عالية رمين بأنفسهن في وادي سحيق، دفعة واحدة فتقطعت أوصالهن. وكانت كبيرة الفتيات تسمى (شيرين) وقد صار اسمها رمزاً ونشيداً في هزارستان.

·    وبعد ان اصدر (عبد الرحمن) مرسوماً بجواز بيع وشراء المسلمين الشيعة، خفت المجازر الوحشية. ونشطت أسواق النخاسة في كابول وقندهار وغزنة وهرات والمدن الأخرى.

·        وكان الأسرى من النساء والرجال والأطفال يؤخذون الى كابل والمدن ليباعوا في محلات خاصة.

وكانت انشط المراكز هي العاصمة كابل، حيث كان (عبد الرحمن) بنفسه يشرف على البيع. وقد حددت الحكومة أسعاراً للأسرى كالتالي:

1.     ثمن الفتاة الباكر: 10 روبيات.

2.     ثمن الفتاة الشابة: 5 روبيات.

3.     ثمن الشاب البالغ: 15 روبية.

4.     ثمن الصبي دون الخامسة عشر: 5 روبيات.

5.     أما الأطفال وغيرهم فقد كان يتم بيعهم دون التقيد بسعر معين....

6.  وقد ورد في الوثائق الحكومية الافغانية «بأن القاضي (ملا خواجه محمد) قاضي المحكمة الشرعية في (ارزگان) بعث الى الامير عبد الرحمن خان مبلغ 1940 روبية من الضرائب المأخوذة عن بيع (1293) امرأة وطفل شيعي في ارزگان».

7.     وفي مدينة قندهار تم بيع (666، 46) بين امرأة وفتاة وشاب وطفل....)).

 

وبعد هذه الأرقام فأي دين هذا وأي إسلام  وأي شريعة نبوية يكون هؤلاء المفسدون حكامها وقضاته وأئمتها حيث كانت التواقيع تصدر باسم ( المولوي فلان مستشار محكمة الشريعة النبوية في مدينة كذا) .

ثم أي دين هذا الذي يُتعامل به مع المسلمين هذا التعامل الذي يحرم التعامل به مع أي إنسان, فضلا عن المسلم والمؤمن لا لذنب اقترفه سوى محبة أهل البيت وموالاة النبي في أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, وأمر القرآن بمحبتهم وطاعتهم ؟!؟.

الموقف الثاني: حضارية موقف المرجعية الدينية للتشيع في قضية أفغانستان

على اثر هذه الجرائم الطائفية المزرية والكوارث الإنسانية النكراء التي اُقترفت باسم الدين والشريعة الإسلامية وتحت عنوان السنة النبوية المطهرة عن هكذا ثقافة أموية ومآرب جاهلية دموية: ((تناهى الخبر إلى الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب (كفاية الأصول) وهو أحد تلامذة مرجع الشيعة الأكبر في العالم على الإطلاق آنذاك المجدد الشيرازي الكبير, فأخبر أستاذه عن الأوضاع المأساوية للشيعة في أفغانستان فبعث رسالة شديدة اللهجة إلى الملك الإيراني (ناصر الدين شاه)، وأمره أن يطلب من بريطانيا الإيعاز إلى (الملك الأفغاني) عبد الرحمن بوقف مجازر المسلمين الشيعة، وهدده في حال استمرار المجازر فانه سيتخذ قرارات الحاسمة في هذا الشان.

فابلغ (ناصر الدين شاه) رسالة مرجع الشيعة آنذاك الإمام الشيرازي إلى الإنجليز الذين طلبوا من عميلهم عبد الرحمن وقف المجازر فورا . وبناء على أوامر الإنجليز أوقف (عبد الرحمن) مسلسل إبادة المسلمين الشيعة وأمر بانسحاب قوات الجيش من هزارستان  )).

وبهذه  الإرادة الربانية والهيمنة الحكيمة للمرجعية على الموقف استطاع الإمام الشيرازي إيقاف الإبادة والتنكيل الطائفي الذي كان يعاني منه الشيعة في أفغانستان من دون اللجوء إلى إشعال حرب طائفية وهو القادر على تعبئة العالم الشيعي من الهند وباكستان وأفغانستان إلى إيران والعراق والحجاز والبحرين والكويت وعمان وبلاد الشام حتى أقاصي أفريقيا, ولكنه آثر الحكمة الكاشفة عن حضارية الفكر الشيعي وعظمة الروح الإنسانية التي يتمتع به علماء التشيع , ومرجعيته الربانية .

هذه قضية شاهدة على جرائم الطائفيين الذين يقتلون شيعة  أهل البيت عليهم السلام باسم الدين والشرع والشريعة والسنة النبوية مع الموقف الحضاري الحاسم للمرجعية الدينية الشيعية, وهناك قضية أخرى سنأتي على ذكرها آنفا.

 

·    القضية الثاني: قتل الطائفيين نجل الإمام الأكبر للشيعة

 ومن خلال القضية الثانية هذه نريد بيان موقف الطائفيين من أهل السنة تجاه الشيعة في العراق وبيان حضارية التشيع تجاه ظالميهم الطائفيين الدمويين, وذلك من خلال بيان موقفين تاريخيين رئيسين:

 الموقف الأول: وحشية الفكر الطائفي

وحينما ننسب هذا الفكر الطائفي بالوحشية لا تعني به إلا ما كانت الوقائع التاريخية التي ذكرناها سالفا كشاهد عن بعض قضايا افغانستان, وما قضايا عراق اليوم عنا ببعيد .؟

إن الزعيم الشيعي الكبير الذي عالج الموقف الافغاني بتلك الحكمة والعبقرية الكاشفة عن عظمة الدين الذي يحمل رسالته, وحضارية الموقف الذي يتبناه, قد نقل مقر اقامته من النجف الاشرف إلى سامراء المشرفة بشرف الامامين الذين طالت يد الطائفية المقينة قدسية حرمها الطاهر وهدمته هذا الهدم الوحشي الطائفي الشنيع .

وبعد أن استقر بالمرجع الأعلى للشيعة المقام في تلك الأرض المشرفة حدث هناك حدث رهيب طال النجل الاكبر للمرجع الذي تدين بطاعته كافة ملايين الشيعة في ارجاء الارض، حيث تجاوز شخص من أهل سامراء (من أهل السنة) على ولده الأكبر الذي كان يمكن ان يخلفه في أمور الزعامة الدينية, وضربه ضربة فارق الدنيا على اثرها بعد أيام، وكادت ان تقع فتنة لا تحمد عقباها، فعالجها الامام الشيرازي بحكمة وتسامح مع القاتل وعفا عنه وعمن كان وراءه.

علما انه حدث كبير كان لابد أن يجر اشعال فتنة طائفية كبيرة لا تبقي ولا تذر.

 الموقف الثاني: حضارية موقف المرجعية الدينية للتشيع

وبعد هذا الحدث الخطير لابد من ذكر حضارية الموقف الكبير للمرجعية الدينية الشيعية العليا في العالم.

يحدثنا المؤرخون عن تاريخ العراق السياسي الحديث: (ان احدا العوام في سامراء كان مندفعا ضد الإمام الشيرازي بدافع طائفي فاعتدى على أحد اولادة وهو الابن الاكبر للسيد محمد حسن الحسيني الشيرازي وضربه على رأسه فمات بعد أيام، وهنا لم يحرك مرجع الشيعة ساكنا مطلقا .فالتفت اعداء الإسلام وبالذات البريطانيون إلى هذه القضبة فارادوا استغلالها لإحداث شر بالعراق, فقصدوا الإمام المجدد إلى سامراء طالبين منه الاحتجاج على هذا التصرف المشين ضد مقامه العالي، عارضين عليه خدماتهم للاخذ بالثار. 

فردهم الإمام الشيرازي بقوة قائلا لهم: (ارجو ان تفهموا جيدا أن لا دخل لكم ببلادنا مطلقا وما هذه القضية إلا حادث بسيط بين اخوين )، فرجع هؤلاء بخفي حنين يجرون أذيال الخييبة والفشل، ووصل الأمر الى الباب العالي في اسطنبول فسرَّ الخليفة (العثماني) بهذا الموقف المشرف، وامر الوالي ببغداد ان يمثل بين يدي السيد الإمام المجدد ليقدم له الشكر على موقفه والاعتذار على الحادث. ويتذكر المعمرون من أهالي سامراء مواقف الامام الشيرازي  الطيبة)..

ومن هذا الموقف يتبين مدى الموقف النبيل لقيادة الشيعة وزعامة التشيع تجاه أهل السنة الذين دأبوا على اضطهادهم على طول التاريخ، الأمر الذي يدل على غياب النَفَسِ الطائفي وإنعدام الروح الانتقامية فيهم تجاه مضطهديهم من أهل السنة.

وأما ما يجري اليوم في العراق بعد سقوط دولة المشروع القومي الطائفي  فيه, ومجيء حكومات انتخبها الشعب بمحض ارادته رغم المخاطر والتهديد, وبعد اشراك السياسيين الشيعة اخوانهم السنة المعتدلين في العملية السياسية, تجد العالم يلاحظ المجازر اليومية بالمفخخات وقطع الطرق على المسافرين الشيعة وذبحهم نساءا ورجالا واطفالا, واغتصاب النساء بعد اختطافهن إلى بساتين كانت قد أعدت مأوى للقتلة, وقبل يوم من كتابة هذه السطور نقلت وسائل الاعلام العراقية عدد الضحايا من المدنيين بعد سقوط دولة القومية الطائفية السنية كانت ربع مليون ضحية , كما انه قد وصل قبل أثناء كتابتي لهذا المقال الخبر المأساوي التالي وتناقلته وسائل الاعلام:

(ان اكثر من مئة جثة بعضها مقطوعة الرؤوس ومكبلة اليدين لأطفال ونساء ورجال وصلت إلى المحافظة ( كربلاء) عصر اليوم (المؤرخ في 4/3/2006 ) ، وتم دفنها في مقبرة وادي السلام وسط بكاء وعويل حشد من المواطنين الذين ذهلوا لهذا المشهد المروع وخاصة بعد مشاهدتها في مغتسل الوادي, وقد منعت سلطات المحافظة تصوير الجثث، ودفنت الجثث واهيل عليها التراب دون أية شواخص تعرف بهوية أصحابها .ولكن مسؤولين في الشرطة قالوا أن صورا لعدد من الجثث التقطت ليتعرف عليها ذووا الضحايا.

وتكتمت السلطات على مصدر هذه الجثث إلا أن توقعات تشير إلى أن هذه الجثث هي لمواطنين شيعة ذبحوا على يد الإرهابيين ، ولم يعرف تحديدا المكان أو البلدة التي ذبح بها هؤلاء الضحايا على يد الوهابيين والبعثيين)  .

ومع أن جرائم الطائفيين كبيرة وتعلن أن مطالبها في اعادة نظام الإرهاب الطائفي والمقابر الجماعية إلى الحكم وتسميتهم علنا هذا اليوم بالبعثيين والمقاومين لكونهم المتمرسين الافضل في ابادة الشعب, يجد المنصف المبصر بعينين ثنتين أن المرجعيات الشيعية لا تجيز قتل السنة, وتحرم دمائهم وتأمر بحفظ ارواحهم وممتلكاتهم ومساجدهم. بينما المرجعيات السنية تشجب بالكلام المغلف وتخطب بالخطاب المعوّم, ومع هذا وذاك فأين الثريا من الثرى, فهل وعى الناس يا هل ترى ؟  .

وبعد تسليط الضوء على حضارية المرجعية الدينية الشيعية وإنسانيتها ورساليتها الحقيقية يجب التنبيه إلى  أبرز الدروس المهمة في  القاضايا السالف ذكرها.   

الدروس والمواقف الكاشفة عن حضارية الفكر والممارسة

الدرس الأول: مما يؤسف له أن أهل السنة في أفغانستان فضلا عن غيرها قد اعتبروا شيعة أهل بيت رسول الله أكثر من خوارج, حتى تعاملوا معه الشيعة أكثر مما يُتعامل مع الخوارج عن الإسلام, حيث كان تعامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معهم بكامل الإنسانية فاستتابهم وطلب منهم العودة لخروجهم على إمام المسلمين ومحاربتهم أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين الذي استخلفه فيهم وأجمعت عليه الأمة ما لم تجمع على أحد من قبله قط .

وبعد أن استتابهم وتاب من تاب منهم, وأعلن منهم من أعلن حربه على الإسلام وتمرده على أمير المؤمنين عليه السلام, فقتل أمير المؤمنين عليه السلام المتمردين المحاربين ولم يسبي نسائهم أو يستبحها ولم ينهب لهم مالا ولم يضع السيف في رقاب صغارهم ولا كبارهم ولم يحرق عليهم بيوتهم, ولم يأمر باغتصاب فتياتهم , بينما فعل أهل السنة تحت قيادة وتوجيه علماؤهم وفتوى أئمتهم وتنفيذ سياسييهم كل ذلك واكثر مع شيعة أهل بيت رسول الله في أفغانستان كما ذكرنا سابقا.

الدرس الثاني:  ثم تعدى الأمر حتى عمد أهل السنة في أفغانستان إلى شيعة أهل البيت عليهم السلام إلى استرقاق اطفالهم وبناتهم ونسائهم وبيعها في سوق النخاسين كما يصنع تجار العبيد في الغرب خلال القرون المظلمة وسيادة الفكر المظلم والعقيدة السوداء, وهذا عمل لا يتصل بالإسلام لا من بعيد ولا من قريب على الإطلاق, بل هو من صميم فعل الجاهلية القديمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجاهلية القديمة ما عملت على استرقاق المسلمين من أصحاب رسول الله حينما عمل على تغيير جاهليتهم الرعناء إلى حاضرة الإسلام البيضاء .

الدرس الثالث: ما كان قد عمله أهل السنة بشيعة أهل البيت عليهم السلام لم يكن بفعل جهلاء لا  يعقلون شيئا, بل كان بفعل أئمة وعلماء وأصحاب فتوى وقضاة ورجال حكم وسياسة ومرتبطين بالنظام الدولي العالمي في أفغانستان آنذاك.

الدرس الرابع: حددت المرجعية الدينية ذات البعد والإرادة الحضارية موطن المشكلة التي كانت تتمثل في رجال حكم مأجورين وسياسيين متعطشين للسلطة ولو كان على حساب إبادة الإنسانية, كما شخّصت تلك المرجعية الشيعية الذين يقفون ورائهم من صناع السياسة الدولية وأخطبوط النظام العالمي الذي كان يعمل على تحريكهم, فوجهت خطابها إليهم محذرة إياهم مغبة توغلهم في دماء شيعة أهل البيت عليهم السلام وإلا فسوف تتخذ المرجعية الموقف الحازم تجاه كارثة الفتك بشيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم, وفعلا توقفت تلك المجازر بفضل الموقف الحاسم للمرجعية الدينية من موقعها ومركزها العراق وبالتحديد من سامراء التي تشرفت بوجود الإمامين الهادي والعسكري عليهما الصلاة والسلام.

وذلك يوم رأت المرجعية الدينية في الأمر أن شلالات من دماء المسلمين الشيعة تسيل على منحر رغبات الطائفيين من الحكام السياسيين وأئمة الفتوى الدينيين على حد سواء, وشاهدت أعراض نسائهم تهتك, ورقاب أبناءهم وبناتهم تحز بحد السيف ليس إلا لأنهم موالون لأهل البيت عليهم السلام فاضطلعت تلكم المرجعية الدينية بمسؤولياتها الحضارية وشمّرت عن ساعديها وأوقفت تلك المجازر التي لم ينس التاريخ نسبتها إلى وعاظ السلاطين الطائفيين وتلبية لإرادة السياسيين الطامعين بالحكم والتسلط على الرقاب.

الدرس الخامس:  ومع ذلك كله فان المرجعية الحضارية ذاتها  يوم رأت أن الاعتداء كان شخصيا ونال من شخص المرجعية العليا وطال نجل مرجع الشيعة الأكبر في كل العالم يوم اقترفت فئة جاهلة مغرضة من أهل السنة جريمة قتله,  سامحت تلك المرجعية كل الجناة وعفت عنهم خصوصا وأنها قد شخّصت أن عيون الطامحين بالبلاد كانوا يرومون إذكاء نار الطائفية يوم عرضوا خدماتهم للانتقام من القاتلين والفاعلين ومن يلوذ بهم فقال لهم المرجع المفجوع بولده الأكبر: (أرجو ان تفهموا جيدا أن لا دخل لكم ببلادنا مطلقا وما هذه القضية إلا حادث بسيط بين أخوين) فعاد ممثلوا السفارات الأجنبية خائبين, ومع ذلك كله لم يحفظ  سنة العراق وخصوصا أهل سامراء هذا الموقف الحضاري الكبير ولا هذا الجميل العظيم من الزعيم الشيعي العظيم .

علما أن هذه المرجعية التي عفت عن دمها الخاص بها في سامراء ولم تعف عن دماء المسلمين في أفغانستان هي التي عرفها التاريخ والسياسيين والسياسة الدولية بأنها المرجعية القوية التي طردت الإنكليز من إيران بفتوى ذات سطر واحد سماها التاريخ بثورة التبغ, وهي المرجعية التي هددت عرش شاه إيران وشاه أفغانستان والإدارة البريطانية يوم وجهت رسالتها الشديدة اللهجة واضعة الجميع أمام واحد من خيارين لا ثالث لهما : إما أن يوقفوا نزيف الدم ويرفعوا السيف والحيف عن الشيعة في أفغانستان أو أن تتصدى المرجعية إلى  كل من الحكومة الإيرانية والأفغانية وسيدتهم البريطانية على حد سواء. 

فنجد هذه المرجعية قد عفت هنا وسامحت, ووقفت هناك وتشددت. وفي كلا الحالين نجحت وأفلحت .

الدرس السادس: إن مثل هذه الكلمات التاريخية والمواقف التسامحية التي يملكها الشيعة ومرجعيتهم الحضارية يجب ان تكتب بماء الذهب في قلوب إخوانهم في الدين من أهل السنة وليحفظوا المواقف النبيلة للشيعة المضطََهَدين من قبلهم والضحايا التاريخيين للطائفية السياسية التي اضطلع بها أهل السنة في عراق المآسي الدموية والمجازر الطائفية ضد الشيعة في العالم وفي العراق هذا اليوم.

الدرس السابع:  الدرس الآخر الذي يجب عدم نسيانه هو أن المرجعية الربانية ذات الرؤية الثاقبة والموقف الحضاري الحازم سوف لن تسكت عن انتهاك الحرمات والتعدي على المقدسات وتدمير العتبات الشريفة وشلالات الدم التي يتعرض لها الشيعة في العراق وهم الأكثرية الشعبية بيد سفاكين دمويين من قبل أقلية سياسية ودينية في عراق الأئمة والأنبياء والمرسلين, وقد حفظت الأكثرية حقوقها الدينية والسياسية على حد سواء وأكثر .

الدرس الثامن:  كما على جميع المسلمين العمل على تخليص أهل السنة من الفئات السياسية والدينية التي تريد استضعافهم وتسييرهم لصالحها رافعة لواء التسنن وهم من سنة رسول الله براء لأنهم الأقرب إلى مطامعهم ومطامحهم التي يريدون بها من عامة المسلمين السنة أن يكون جنودا لمآربهم السياسية والسلطوية, تلك المآرب التي لن تتحقق إلا بإقصاء الشيعة لأنهم الأكثرية التي لا تقبل بالظلم ولا ترضى بالحيف الأمر الذي يستدعي من أولئك السياسيين أن يوظفوا وعاظ السلاطين وأجراء الفتوى الدينيين ليعلنوا حربهم الشعواء على الشعب العراقي بغالبيته الشيعية, وبالتالي فان الخاسر الوحيد هو الشعب عموما, وإذا ما شب أوار حرب طائفية فإن الخاسر الأكبر فيها هم الأقلية وليست الأكثرية التي لم تبالي بالذبح لأنها قد ألفته واعتادت الإبادة خلال العهود الغابرة, ولذلك فقد وجب على اخوتنا من عامة السنة وأخص بالذكر الثلة المنصفة منهم في عراق المقدسات أن يعوا حجم ما يراد لهم وبهم ومنهم.

وان يتخلصوا من مخالب السنة الأموية ليكونوا حقيقة اتباع السنة النبوية, لأن  هناك فرق كبير وبون شاسع بين السنة الأموية الدموية وبين السنة النبوية الإنسانية.

الدرس التاسع: على جميع المسلمين  سنة وشيعة إدراك أن من يزرع الفتن الطائفية والقومية وغيرها هي إرادة المخابرات العالمية وحكومات الجوار الطائفي التي أعلنت بكل صراحة ووقاحة أنها وراء المقابر الجماعية لما يدر عليها من منافع أبرزها عدم استقرار العراقيين خصوصا, والمسلمين عموما , وخشيتهم من استقلالهم وتطويرهم أنفسهم , ولأنهم يريدون لهم التبعية والجهل فلابد لهم من تغذية المجتمع بالفتن الطائفية والقومية وأشباهها.

الدرس العاشر: ليعلم الجميع أن الذي يغذي الفتن الطائفية والنعرات القومية والانفصالية وأمثالها هو الجهل , والذي يشعل فتيلها هم السياسيون المنتفعون , وبهذا فيكون للفتنة موجد وهو الاستعمار , ومغذٍّ وهو الجهل, ومطية لها وهم علماء السوء , ومُشعل لفتيلها وهم الأحزاب السياسية المصلحية التي تعرف كيف تدخل اللعبة السياسية وتناور وتنفذ في الأوساط وتحاور.

من هنا وجب على المسلمين من سنة وشيعة تشخيص أولئك المصلحيين والنفعيين والسلطويين من سياسيين ودينيين على حد سواء ونبذهم وعزلهم عن المجتمع ومن الوسط السياسي الفاعل, ذلك :

لأن الدين مما يوحد ولا يفرق ...

ويجمع ولا يمزق...

ويحترم الإنسان ولا يستبيح دمه ...

ويقدس الحرمات ولا يهينها ويهدم شعائر الله الشامخة.

 الدرس الحادي عشر: عند الإحصاء والمقارنة بين تصريحات الطائفيين والإرهابيين مقابل تصريحات ومواقف المرجعية الدينية الحضارية لاكتشفت بعمق حضارية المرجعية الدينية مقابل جاهلية المرجعية الطائفية الدموية, وأقول جاهلية وحضارية لأن الحضارية تعني حضور القيم الإنسانية في نفس الإنسان حينما ينطق أو يصرح أو يتخذ موقفا.

·    فالمرجعية الدينية الحضارية تقول لو قتلوا نصف الشيعة لن ننجر إلى حرب طائفية ولن نقتل السنة والمرجعية الدينية غير الحضارية تقول إذا أراد الشيعة فيدرالية فإننا سنقطع عنهم ماء الفرات ويكون البرميل من الماء ببرميل من النفط .

·    المرجعية الحضارية وعلى اثر تفجير الطائفيين لحرم الإمامين العسكريين عليهما السلام تقول اُحرم على الجميع التعرض لمساجد أهل السنة, والمرجعية الطائفية وغير الحضارية تقول نطالب الدول العربية السنية بالتدخل لإنقاذ السنة.

·    المرجعية الدينية الحضارية تقول عفا الله عما سلف من جرائم اقترفتها حكومة الطائفيين البائدة, والمرجعية غير الحضارية والطائفية تقول يجب أن يشترك البعثيون ومن والاهم في حكم العراق الجديد.

·    المرجعية الدينية الحضارية تقول نحن نحرم دماء أهل السنة والمرجعية الدينية الطائفية وغير الحضارية وخدمة للإغراض البعثية والتكفيرية في تهييج النعرات الطائفية تقول لقد قتل في العراق أربعون ألفا من السنة.

·    المرجعية الدينية الحضارية وعلى أثر المجزرة التي ذهب ضحيتها المئات من المصلين في حادثة مقتل الطائفيين للسيد محمد باقر الحكيم تلتزم تلك المرجعية جانب الصمت مقابل حفظ وحدة العراق, بينما المرجعية الدينية غير الحضارية والطائفية تقول يجب قتل الشيعة لأنهم روافض, ويجب تهجيرهم من مساكنهم التي يتواجد فيها السنة.

·    المرجعية الدينية الحضارية تقول على الجميع أن يشكلوا الحكومة بأسرع وقت, والمرجعية الأخرى غير الحضارية تقول يجب تشكيل الحكومة العراقية بعد إنهاء الاحتلال وأن الحكومات المنتخبة كلها حكومات غير شرعية لتبقى شلالات الدم الطاهر مراق في شوارع العراق .

·    المرجعية الدينية الحضارية تطلق (فتواها الشرعية ) بحرمة التعدي على مساجد السنة, بينما المرجعية الدينية غير الحضارية (تستنكر سياسيا) حينما تهدم مساجد لشيعة أهل البيت عليهم السلام, والاستنكار السياسي ليس إلا  تعبيرا أجوفا لا يترتب عليه أي اثر سوى أنه لغة النفاق السياسي,لأن الفتوى الشرعية هي التي  يترتب عليها الأثر الصادق .

·    المرجعية الدينية الحضارية تطالب علماء المسلمين السنة في العراق بإعلان البراءة من التكفيريين الذي يكفرون المسلمين الشيعة ويقتلونهم ويهدمون مساجدهم, والمرجعية الدينية غير الحضارية تعلن عن أنها تحرم للدم العراقي, لتبقى كلمة العراقي كلمة فضفاضة يتلاعب بها التكفيريون والبعثيون الإرهابيون وهيئات التعنصر الطائفي ليخرجوا شيعةَ آل محمد من عراقيتهم ذلك لأن العراقي في نظر تلك الهيئات منذ القِدم هو إخراج الشيعة من عراقيتهم.

·    المرجعية الدينية الحضارية متألمة وكاظمة غيظها على ما يجري من سفك للدماء المحرمة وانتهاك حرمة المقدسات المطهرة ذلك حفاظا على العراق ووحدته, بينما المرجعية الدينية غير الحضارية تعلن أن الوقف الشيعي إذا أراد أن يأخذ إدارة العتبات المقدسة التي هدمها الطائفيون في سامراء فإن الطائفيين من علماء الوقف السني سوف يفعلون ما يفعلون لأنهم يريدون الارتزاق من وراء تلك العتبات المقدسة ولان الحكومات الطائفية السالفة هي التي وهبتها لهم. ولم يخجلوا من ذلك الكلام وقد أهينت تلك المقدسات وهم الفاشلون في حمياتها ومعرّضيها إلى هذا الهتك على اقل تقدير.

والقائمة كبيرة من الفوارق بين المرجعية الطائفية غير الحضارية وبين المرجعية الدينية الحضارية, ذلك لأن الحضارية عند الحضاريين تعني حضور القيم في النفس والتربية والمنهج, بينما الدموية والأنانية وانتهاك القيم الإنسانية والتعصب الطائفي عند المرجعية غير الحضارية. 

الدرس الثاني عشر: في الختام فإن على الجميع أن يقفوا وقفة شرف يمكن تلخيصها بتشخيص ما يلي:

أن الزعماء البعثيين (لا أيمان لهم) ولو حلفوا لكم انهم يريدون للعراق وبالعراق خيرا فلا يجوز تصديقهم لأن الذي تعلّم الذبح والفسق والفجور وإنتهاك الحرمات لا يمكن أن يكون إنسانيا يوما ما قط لأن الإناء ينضح بما فيه, ولذلك قال تعالى (فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا أيمان لهم) وبالتالي فمن المغالطة السياسية والخيانة الشرعية بحق الشعب أن ينصت أحد إلى الأصوات الداعية لإشراك البعثيين بالحكم لأن المتربي على فكر البعث لن يقبل دون التسلط المطلق وسبيلهم في ذلك التصفيات منهجهم إليه نقض العهود والمواثيق وسبيلهم إلى تحقيقه إراقة الدماء.

أما عامة المتورطين بالبعث فعليهم العمل على تربية نفوسهم وتهذيبها مما قد علق بهم من ثقافة الدم وفكر الإرهاب  ومنهج التدمير حتى يمكنهم العودة إلى ربوع الإنسانية, وبهذا فمن غير المنطقي أن يطالب المتلوث بثقافة الاستبداد قيادة الشعب من جديد ليلتزم إدارة البلاد بمزيد من الخراب والفساد .

أما عامة شعب العراق من أهل السنة فعليهم معرفة أن هناك رجال سياسة وزعماء فتوى تكفيريين يحبون أن إغراق العراق ببحر من الدم الطاهر لأنهم قد خسروا التسلط المطلق عليه, ويريدون من أهل السنة أن يكونوا الوسيلة الكفيلة لتحقيق مآربهم وكما كان التكفيريون يعيبون على أهل السنة بأنهم نائمون ويقصدون بذلك قبولهم بالتعامل مع إخوانهم العراقيين في بناء بلدهم العراق من جديد بعد أن هدمه وخربه وأفسد بناءه النظام الطائفي البائد.

من هنا يترتب على أهل السنة الذين تعايشوا وتزاوجوا وتناسلوا وتجاوروا وتحاببوا مع إخوانهم من شيعة أهل بيت نبيهم طوال الأزمان السالفة (والذين يشاركونهم بالشهادتين التي تحرم على قائلها الدم والمال والعرض )عليهم أن يكونوا على درجة من الوعي الديني الذي يحتم عليهم احترام حرمة دم المسلم الشيعي,  وأن يكونوا على درجة من الوعي الحضاري الذي يحتم عليهم احترام إنسانية الإنسان وصيانة الدم والمعايشة والمواطنة والمجاورة التي بينهم وبين إخوانهم الشيعة ولا يكونوا ضحية مآرب أئمة الفتوى التكفيرية وزعماء الإرهاب من الدمويين البعثيين ومن خسر مواقعه بفقدانهم نظام الطائفية الدموي البائد.

وليعلموا أن دم المؤمن باللهِ ورسولهِ وأهلِ بيتهِ حرامٌ كحرمة بيت الله وقد ذكر هذا أهل السنة والشيعة على حد سواء ومنها ما رواه محمد بن يزيد المعروف (بابن ماجه) في سننه: قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في حجة الوداع : ألا إن أحرم الأيام يومكم هذا . ألا وإن أحرم الشهور شهركم هذا . ألا وإن أحرم البلد بلدكم هذا . ألا وإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا . في بلدكم هذا . ألا هل بلغت ؟ " قالوا : نعم . قال " اللهم ! اشهد " ) .

يعني أن هدم بدنه ونفسه وبيته ومسجده وحيثيته هو هدم للكعبة, فهل عقل هذا علماء المسلمين وأئمة الفتوى الطائفيين. وإذا لم يعقلها هؤلاء فعلى كافة المسلمين جميعا وأخص بالذكر أهل السنة أن يعرفوا هذا الحديث ويعوا خطورة أبعاده .

وأخيرا...

ماذا سيقول المسلمون حينما يسألهم نبيهم: ألم أخبركم عن ربي قوله: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا  المودة في القربى) ؟

فلماذا قتلتم قرباي؟

ولِمَ قتلتم من يتودد إلى قرباي ويحبهم ويواليهم؟؟

ألم تعلموا أن الله قد فرض عليكم أن توفوا ما في ذممكم من اجر لي جزاءا وتقديرا لما أنقذتكم به من الظلمات إلى النور؟ ؟

ألم تتعلموا أن الواجب عليكم إعطاء الأجير حقه ؟

فلم هظمتم حقوق الأجير ؟

ولم انتقمتم ممن يحب أجيركم ومنقذكم وهاديكم ؟  

أهذا كان جزائي لكم ؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك