المقالات

مناقشة معمقة للازمة المالية العالمية

706 20:24:00 2009-11-12

علي البصري/استاذ جامعي

كنت قد أشرت في مقالات سابقة نُشرت في عدة مواقع إلى الأزمة المالية الأخيرة - والتي لازالت مستمرة حتى اللحظة رغم أنها اخف حدة في بعض الدول - وقد بيّنا في حينها أسباب هذه الأزمة وطبيعة الاختراقات التي حدثت، ووضحنا واقترحنا في حينها بعض الحلول إذا ما أريد بالفعل الوصول إلى نتائج مقبولة.هانحن نشارف على نهاية عام 2009 ولازالت اغلب المؤشرات تشير إلى أن اقتصاديات الدول الكبرى تعاني من مشاكل كثيرة، وفي أحسن الحالات فهي - اقتصاديات هذه الدول- تراوح مكانها.بعض الخبراء يعتقد أن الأزمة ربما ستستغرق كل عام 2010 في أحسن الأحوال، نعم هناك تقرير أخير للاقتصاد الأمريكي تحدث عنه الرئيس اوباما والذي يشير إلى وجود مؤشرات على تحسن طفيف في الاقتصاد الأمريكي، لكن معدلات البطالة - وهذا هو المهم - لازال على حاله لم يتغير منه شيء.المتابع للأسواق المالية العالمية يلاحظ أو يتوصل إلى حقيقة مهمة وهي أن اغلب المتعاملين والمستثمرين مع هذه البورصات هم لازالوا يتخوفون من السوق، وهذا واضح من خلال متابعة مؤشرات الأسواق على مدى السنتين الأخيرتين، فكل المؤشرات تشير إلى تذبذب واضح في الاستثمار وفي إقبال المستثمرين وكذلك في الصعود والهبوط غير الطبيعي في أسعار الأسهم والسندات.من ضمن أسباب الأزمة المالية والتي اشرنا لها في مقالات سابقة هي طبيعة النظام الرأسمالي والحرية المطلقة التي يؤمن بها والتي يعطيها للأفراد والشركات والتي ساهمت في حدوث تجاوزات خطيرة وكبيرة. أيضا من ضمن المؤاخذات على النظام الرأسمالي هو ماديته والتي تدفع الفرد - ولو بصورة غير مباشرة - للحصول على الربح من أي طريق كان حتى وان كان بالاحتيال. من الأسباب الأخرى هو إيجاد وسائل جديدة من التمويل والتي يُعدُّ بعضها تجاوزا قانونيا صارخا ( 1 ).من الأسباب الأخرى والتي لم نذكرها سابقا هي الحروب سواء الحربين العالميتين أو الحروب الأخرى كالحرب الفيتنامية وسواها من حروب والتي ساهمت إلى حد بعيد في استنزاف موارد كبيرة ( 2 ) ، وهذا الاستنزاف في الموارد أدى إلى حدوث أزمات عديدة للدول والشعوب، فمتابعة بسيطة إلى تاريخ الاقتصاد العالمي والى تاريخ النظام النقدي والمالي سنلاحظ أن كل حرب يتبعها تغير وتبدل في الاقتصاد العالمي كالتضخم والفقر وسواها، فنظام قاعدة الذهب والذي كان سائدا قبل الحرب العالمية الأولى، تم تجاوزه أثناء الحرب وبعدها، ولا يخفى أن قاعدة الذهب كانت من الأنظمة الجيدة والتي اتسم النظام النقدي فيها بالاستقرار وانعكس ذلك بالإيجاب على الاقتصاد العالمي حيث كان الازدهار سائدا في تلك الفترة، والحرب العالمية الأولى هي التي أدت بالجنيه الإسترليني إلى الضعف بعدما كان هو الأقوى والأكثر تداولا بين عملات دول العالم، وفوق كل هذا فان الحروب هي التي أدت بمملكة بريطانيا العظمى - التي لا تغيب عنها الشمس - إلى الأفول. كذلك فان الحرب الفيتنامية (من سنة 1956- إلى سنة 1975) كانت وراء عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن تلبية صرف الدولار بما يقابله من ذهب والذي كان سائدا في حينها، وهذا الانسحاب الفردي من معاهدة (بريتن وودز في عام1971) والتي كانت سائدة في النظام النقدي العالمي سبّب خسارة للعديد من الدول، فالولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قطعت على نفسها بأنها سوف تقوم بإعطاء مقدار من الذهب مقابل كل دولار، وعلى أساس الدولار تُحدد عملات الدول الأخرى ( 3 )، ناهيك طبعا عن التأثيرات الاقتصادية الأخرى والتأثيرات على النظام النقدي العالمي، فالاستقرار النقدي الدولي لازال يمثل المطلب الملّح والذي يحظى باهتمام بالغ من قبل جميع دول العالم.هناك نظريات بل وأيديولوجيات - على الأقل عند بعض أصحاب الشركات الكبرى - عديدة ترى أن تنشيط اقتصادها أحيانا يتم عن طريق اختلاق حروب هنا أو هناك، لكن الحروب في كل الأحوال تؤدي إلى نشوء مضاعفات في موارد واقتصاديات الدول والشعوب، ناهيك عن المضاعفات الجانبية كالتلوث وسواها والتي تؤدي أحيانا إلى نشوء كوارث طبيعية كبرى تؤثر على بيئة الكرة الأرضية بأكملها، وهذا سيؤثر أخيرا على الموارد الطبيعية بصورة عامة، فظاهرة حرارة الأرض ستؤدي إلى حدوث مضاعفات كبيرة لأغلب دول العالم وهذا بدوره سيؤثر على كمية ونوعية موارد الأرض.الأمر الآخر والذي لم نحاول التطرق له أو لم نحاول إيضاحه بصورة كاملة هو طبيعة المذهب الاقتصادي، فلكل مذهب اقتصادي رؤيته وأفكاره وفلسفته الخاصة في معالجة القضية الاقتصادية - وبصورة أكثر دقة من الناحية الاقتصادية المشكلة الاقتصادية - فالمذهب الإسلامي مثلا في المجال الإنتاجي لا يسمح بإنتاج سلع كمالية وهناك من هو بحاجة أو عوز إلى بعض السلع الأساسية، وبصورة أدق ما لم يتم إشباع كافة أفراد المجتمع من ناحية السلع الأساسية لا يُسمح بإنتاج السلع الكمالية ( 4 ) وهذا ينطبق على جملة أمور في المجال الإنتاجي وبالتالي يساهم هذا المنع في توجيه موارد المجتمع إلى مجالات أخرى أكثر أهمية والتي تساهم بالفعل في بناء وتنمية المجتمعات والدول، ناهيك طبعا عن أن النظام الإسلامي يؤمن بالتكافل الاجتماعي وكرامة الإنسان وبالتالي يساهم في استقرار المجتمعات وتطورها، ففي هذا المجال لا يؤمن بالحروب وبالوسائل غير المشروعة كتخزين السلع أو إتلافها من اجل رفع أسعار هذه السلع أو المحافظة على سعرها عند حد معين.النظام الرأسمالي كمذهب يترك الحرية الكاملة للفرد في مجال الإنتاج ( 5 ) فهو يفترض على أن الفرد أو الشركة هو الأعرف بمصالحه، ومن ثم ربما يحدث أحيانا إنتاج سلع تضّر بالبيئة أو أن المجتمع ليس بحاجة لها، كالألعاب النارية مثلا أو الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بصورة عامة.نحن نعتقد أن الأسباب الكامنة وراء المشكلة المالية هي أسباب مذهبية - المذهب الاقتصادي - فطبيعة المذهب الاقتصادي الرأسمالي هي التي تساعد أو تدفع باتجاه حدوث تجاوزات على القوانين والأعراف الاقتصادية، ناهيك طبعا عن السمة التي يتسم بها هذا النظام ألا وهي الدورات الاقتصادية، لان الكثير من الطلب هو في حقيقته ناشئ عن تأثيرات غير حقيقية وواقعية، كتأثيرات الإعلان وإثارة الغرائز والترغيب في الشراء عن طريق التوسع في إعطاء ومنح القروض، لذا فعند وصول المجتمع إلى حد معين من الإشباع، فأن الطلب سوف ينخفض، وهذا سيؤدي بالتالي إلى حدوث الركود وأخيرا المشاكل الاقتصادية والمالية.لذا فمن وجهة نظرنا أن الأزمة المالية حتى وان تم تجاوزها في الوقت الحاضر أو في الأشهر والسنوات القريبة القادمة فإنها - الأزمة المالية - ستبقى كامنة وسترجع علينا في المستقبل المنظور وستكون على أشدها في المرة القادمة، إن لم تُوصل المجتمعات إلى حد العزوف عن هذا النظام المادي والبحث عن نظام بديل. لذا فما لم يقم النظام الرأسمالي بتصحيح الأخطاء القاتلة التي يتسم بها هذا النظام والمذهب الاقتصادي، فان المشكلة المالية والاقتصادية الحالية - والمستقبلية ربما - لا يمكن تجاوزها.

علي البصري/استاذ جامعي__________________________________________1-بالامكان العودة إلى مقالات سابقة والتي شرحت فيها هذه التجاوزات، انظر على سبيل المثال العنوان التالي: http://www.alnoor.se/article.asp?id=451342-هناك الكثير من الكتاب يشير إلى أن الحرب العالمية الثانية كان وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من اجل السيطرة على العالم ومن اجل إضعاف الدول الأخرى كبريطانيا مثلا والتي كانت تسيطر على دول ومساحات شاسعة بل ومواقع إستراتيجية عديدة، سيما وان فكر الجيوبولتيك كان سائدا في تلك الفترة، والذي يفترض أن القوة والسيطرة على العالم تتم عن طريق السيطرة على المناطق والمواقع الإستراتيجية، يُذكر أن هؤلاء الكتاب هم من الغربيين والأمريكيين. 3-محمد سيد عابد. التجارة الدولية، قسم علوم الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة الإسكندرية، مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية، 2001. 4-يُذكر أن تحديد سلعة ما على أنها كمالية أو أساسية يعتمد على المجتمع ودرجة رفاهيته وتطوره فيمكن أن تكون سلعة ما أساسية لمجتمع ما، هي كمالية لمجتمع آخر وهذا ينطبق حتى على الأفراد أنفسهم. 5-طبعا باستثناء إنتاج بعض السلع الممنوعة كالمخدرات وسواها من سلع.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك