ابو ميثم الثوري
أبتلينا منذ عقود من الزمن بثقافة التبرير والتحذير من النقد والتقييم لاداء الحركة الاسلامية بحجة الاستغلال المخابراتي لعيوبنا والظرف غير مناسب بل كانت تواجه كل حركة تصحيحة او اصلاحية داخل الحركة الاسلامية باتهامات رخيصة اقلها المخابرات الصدامية او الانحراف الفكري والعقائدي لقطع الطريق امام الاصلاح والتصحيح والتغيير.وبمرور الزمن اصبحت لفظة (الظرف غير مناسب) الى ( الظرف غير مناثب) لبلوغ المانعين والواعظين عمراً عتياً وفقدوا بعض اسنانهم فتحولت السين ثاء في مخارج الفاظهم.والخطر الاكبر الذي كان يواجه الناقدين لاداءات الحركة الاسلامية هو الخروج عن الاسلام بل مجرد ما يخرج الداعية عن الحركة الاسلامية لقناعات معينة وتصورات محددة يواجه بتهمة الخروج عن الاسلام ولا يلتمس له عذراً في واقعنا الحافل بالاعذار ويبدو ان ظاهرة التكفير السياسي بدأت في الحركة الاسلامية ثم انطلقت الى التكفيريين المعاصرين الذين يكفرون المجتمعات الاسلامية وان صلت وان صامت لانها لم تحكم بما يريدون.وبقينا اسرى الاتهامات الجاهزة التي يطلقها رجالات الحركة الاسلامية على كل من يحاول تشخيص الخلل والشلل في اداءات الحركة الاسلامية.ولعل الاخطر في هذا السياق العابر هي ثقافة السجون والمعتقلات التي عشنا جزءاً من اعمارنا فيها تتلوى على ظهورنا سياط الجلادين وعلى افكارنا سياط الجهل والسذاجة والتسطيح الذي مارسه انصاف الاميين في السجون ممن كان لهم الدور في التوجيه والوعظ ولا نريد ان نذكر اسماءهم الا اذا اضطررنا الى ذلك او حاول بعض المحسوبين على الحركة الاسلامية اثارة الشكوك على مقالنا.في سجن ابو غريب بالتحديد وفي سنة 1981 كان هناك قاعات مغلقة مثل (قاف 1) و( قاف 2) والتأهيلي والمحجر واما بقية الاقسام مثل المطعم الاول والثاني والمدرسة والميم الثاني والثالث وساحاتهما والجملون الاول والثاني فكان مفتوحة أي يسمح فيها في مواجهة السجناء لذويهم.وفي القاف الاول وهي قاعة كبيرة فيها عشرون غرفة وفي طابقين يحتوي كل طابق على عشر غرف متقابلة وكان الاخوة السجناء من خارج القافات يتواصلون مع الاخوة في القافات عن طريق الخدمات وهو ما يطلق عليهم بـ ( العنقرجية) وهم من السجناء الجواسيس غالباً يعلمون مع الامن في ايصال الطعام الى القافات وهم يحظون بثقة واطمئنان رجال الامن ولكنهم استغلوا من قبل الاسلاميين ايضاً لايصال ما يحتاجونه الى السجناء في القافات.وقد تم ضبط محاولة اتصال مع سجناء القاعات سنة 1983 وتم اعدام حوالي 13 سجيناً من ضمنهم الشهيد محسن الذين كان يقود التواصل مع السجناء.وقد اختير لكل غرفة في القافات شخصية جريئة ولم تكن ذا ثقافة ووعي احياناً ولكنها قادرة على ايصال التصورات الجاهزة والتعليمات الى السجناء.وذات مرة كنا نحفظ احاديث اهل البيت عليهم السلام بشكل جماعي ونردد الحديث عدة مرات حتى يرتكز في اذهاننا وقد بدأنا بالحديث المنقول عن رسول الله " من حفظ عني اربعين حديثاً حشر مع زمرة العلماء" والحمد لله حفظنا اكثر من اربعين حديثاً ولكننا لم نشعر باننا علماء لان الطريقة كانت شبه اكراهية والمقصود من الحفظ الذي اشار اليه الحديث ليس الحفظ على القلب ولقلقلة اللسان.المهم في احدى جلسات الحفظ كنا نردد حديثاً غريباً هذه المرة وهو ليس حديثاً بل قولاً مزعوماً للامام الخميني ولكننا استقبلناه بفرح شديد وحفظنا من اول لحظة لانه ينسجم مع مشاعرنا وظروفنا فكان القول المنقول عن الامام الخميني هو " لن يرتاح لي بال حتى اخرج اخر سجين من ابو غريب) ورددنا هذا الحديث بين باك من شدة الفرح والشوق وبين فرح من اهتمام الامام الخميني بالسجناء وليس فينا من يشك في هذا القول لاسباب عديدة منها ان لا احد منا يريد ان يكذب هذا القول بسبب ضنك السجون وضيقها ثم من يريد التشكيك بالحديث فانها يغامر بالمواجهة فقد يقدم الى الامن كمخالفة لا علاقة لها بالتشكيك وانما يبحثون له عن عذر اخر وضمن اشارات بين الواعظ والمحاضر وبين رجال الخدمات ومن ثم رجال الامن.القول المنقول عن الامام الخميني كذب محض وليس من الحكمة لو افترضنا جدلاً ان الامام الخميني يفكر بالسجناء في ابو غريب فان قوله سيعجل بقتلهم من قبل السلطات الحاكمة ثم من سمعه حتى ينقل لنا هذا الكلام وهل يفكر الامام الخميني فعلاً بسجناء معدودين وامامه العشرات من الملفات الخطيرة وهو في بداية ثورته الاسلامية وفي مواجهة حرب ضارية احتلت مدناً واحرقت العشرات من ابار النفط.
الذي كان يقمعنا ويحاربنا لو تجرأنا على نقد أي ظاهرة في السجن ويتهمنا بالانحراف او بحجة ان الظرف غير مناسب او (مناثب) لمن فقد اسنانه في خدمة الحركة الاسلامية هو نفسه الذي وصل الى بعض مفاصل القرار في حكومة المالكي ويردد نفس الوعي التخريفي والنغمة السابقة الاتهامية لكل من يحاول نقد حكومة او مستشاري المالكي ولكن هذه المرة وبعد سقوط النظام وحل مخابراته لا يستطيع هؤلاء توجيه الاتهامات بالعمالة للامريكان للناقدين ولكنهم قادرون على توجيه تهمة العمل للجهات الاجنبية والاجندة الخارجية واستلام الدولارات من دول مجاورة من اجل تسقيط المستشار الفلاني او تشويه الوزير الفلاني ونسوا وتناسوا ان الساقط لا يُسقط والمشوه لا يُشوه.
https://telegram.me/buratha