حسين الكعبي
من الواضح جداً ان التعليم هو من الاسس التي تبني عليها الدول تطورها وازدهارها ، اذ ليس من الممكن ان تبني دون ان تكون لديك الكفاءات العلمية والمهنية للقيام بعملية البناء ، ومن الطبيعي جداً ان هذه الكفاءات لا يمكن ان نخلقها من العدم ، فلكي يكون لديك طبيب ، او مهندس ، او عالم كيمياء او مختص في اي مجال آخر ، فانه لابد ان يتجاوز مراحل الدراسة التي تبدأ بالابتدائية او برياض الاطفال التي تسبق الابتدائية وتنتهي بالجامعة ، ان هذه المراحل تحتاج الى الكثير من الاهتمام والدعم سواء على المستوى العلمي او المستوى التربوي أو على المستوى المادي من ابنية ومعدات يحتاجها الطلاب في المدارس . وكما يعرف الجميع فان العقد الاخير من القرن العشرين شهد تدهور الحركة التعليمية في العراق بسبب الحصار الاقتصادي ، وبسبب المغامرات الخاسرة للنظام البائد ، وقد كان من الطبيعي عندما تدهورت الحركة التعليمية ، أن تشهد الساحة العراقية ظهور جيل غير ناضج اصبح بعد عام 2003 وقوداً لمعارك الميليشيات المسلحة ، ومرتكزاً لعمليات الفساد والرشوة في مؤسسات الدولة ،
هذه الحالة عندما نقسيها بعقود سابقة عندما ازدهرت الحركة التعليمية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، فقد اثمرت عن جيل مثقف ظهر فيه الاطباء الكبار ، وعلماء الذرة ، واساتذة الجامعات . ورغم ان هذه المعادلة لا تخفى على كل ذي نظر الا ان الحكومة العراقية مازالت حتى الان غافلةً عن الدور الكبير للتربية والتعليم في حياة المجتمع ، في حين ان العراق بأمس الحاجة الى بناء التعليم للحصول على الكفاءات العلمية التي تبني البلد بعد تراجع بدأ منذ ثمانينيات القرن المنصرم . أقول ان الحكومة اغفلت التعليم لانها عندما اعدت الميزانية التكميلية لعام 2009 ، وضعت التربية في الترتيب الرابع بعد السكن ، والزراعة ، والكهرباء ، حيث خصصت للتربية 4 مليار دولار ، وعلى هذا الاساس يمكننا قياس ما يخصص للتربية من ميزانية الدولة السنوية من مبالغ لا تسد حاجتها الى التطور ، اذ ان الاحصائيات الاخيرة ـ وبعد حوالي ست سنوات من سقوط النظام السابق ـ تشير الى محافظة النجف فيها حوالي 300 بناية مدرسية ابتدائية ،
فيما يزيد عدد المدارس الابتدائية على 550 مدرسة ، وهو ما يدفع مدرستين او ثلاث الى الاشتراك في بناية واحدة ، كما ان هذا الامر زاد من عدد التلاميذ في الصف الدراسي الواحد ليكون اقل عدد هو خمسين تلميذاً ، وقد يرتفع هذا العدد في بعض المدارس ليصل الى 90 او 100 تلميذاً في الصف الدراسي الواحد ، ما يخالف المعايير الدولية للدراسة التي تحدد عدد التلاميذ او الطلاب في الصف الواحد بـ 25 الى 30 تلميذاً كحد اعلى ، وهو ما يؤثر سلباً على المستوى العلمي للطالب ويفقده الكثير من فرص التعلم ، أما قلة الابنية المدارس فقد ادت الى تقليص اوقات الحصص الدراسية ، والتجاوز على حصص الفنية والرياضة ما افقد التعليم هدفاً اساسياً له الا وهو البناء الروحي والنفسي للطالب ، اذ ان غياب النشاط الفني والرياضي عن الساحة التعليمية حول الطلاب الى الات تنعدم فيها الاحاسيس والمشاعر ويغيب عنها الابداع ، فاذا اضفنا عدم اعطاء الجانب التربوي والاخلاقي اهمية تذكر في خضم هذه التزاحمات ، فاننا سنستمر في تخريج اجيال تغذي الحركات الارهابية والانحرافية ، بدلاً من تخريج اجيال تبني البلد وتعمره وتصل به الى مصاف الدول المتقدمة .
https://telegram.me/buratha