اخر جريمة للإرهابيين قتل تسعة عشر عاملا من عمال البناء من أتباع اهل البيت في النهروان والهجوم على محطة الكهرباء هناك وقتل حراسها ، وتهجير سكان النهروان الشيعة من مناطقهم. جواد عزيز النادر
من سلمان باك إلى النهروان منهجا إرهابيا تكفيريا مدعم بخطاب سياسي ديني
يدرك الجميع الظروف التي عاشتها مدينة سلمان باك وحي الوحدة والطريق التي تربط بين بغداد والكوت وسيطرت الإرهابيين الذين أشاعوا القتل والسلب والاغتصاب والذبح أشاعت الفزع والخوف عند الناس ، وتلبست بلباس طائفي ، فضلا عن قتل وتهجير الشيعة إتباع أهل البيت من منازلهم ،ومقابل ذلك نلاحظ ان الخطاب السياسي للقوى الدينية والسياسية السنية تتجاهل هذه الحقيقة ، وتطرح تصورا أخر مغايرا يحاولون فيه ان يقلبوا الحقائق ويجعلوا من المجرمين الإرهابيين أبرياء وضحايا ويلقون اللوم والاتهام على ما يسمونهم ميليشيات شيعية وعلى الشرطة العراقية ومغاوير الداخلية ، ويصفون اعمال الحكومة في مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن بأنها تطهير عرقي واعتقال تعسفي .
وكانت اخر الجرائم التي أثارت الرأي العام والحكومة هي عملية اختطاف لأكثر من مائة مواطن من إتباع أهل البيت في مدينة سلمان باك ، اذ نقلت الأخبار والتقارير عن مسوؤليين حكوميين ومسوؤليين في الأجهزة الأمنية ومراسلين صحفيين عن تطور أزمة في مدينة سلمان باك على اثر خطف مجموعة من المسلحين لأكثر من مائة مواطن بعد صلاة الجمعة وهددت بقتلهم إذا لم يرحل جميع الشيعة من المنطقة ، وعلى اثر ذلك ونتيجة تصعيد أعمال العنف والجرائم وأعمال الخطف والذبح والقتل وقطع الطريق قامت القوات العراقية مدعومة من قوات التحالف بمحاصرة ومطاردة المجرمين في هذه المنطقة .
وبدلا من ان تساهم هيئة علماء المسلمين في درء الفتنة والتصدي للإرهابيين واستنكار إعمالهم تنبري الهيئة لوصف عملية اختطاف الرهائن من الشيعة بأنها عملية مفتعلة ، اذ أصدرت الهيئة البيان رقم 105 وصفت فيه عملية محاصرة ومطاردة قوى الشر والإرهاب في منطقة سلمان باك بأنها أعمال إجرامية واتهمت الحكومة والحرس الوطني والشرطة وقوى سياسية شيعية بانها تقوم باثارة اعمال طائفية ضد السنة ، وتحدثت بمنطق يخالف الواقع الذي يجري على الارض ، فضلا عن انه يتستر على الإرهاب ويغطي على جرائمه ويجعل من مكافحته اتهام وجريمة .
ونتيجة للتصعيد الخطير في ارتكاب الجرائم واختلال الوضع الأمني اضطرت الأجهزة الأمنية والعسكرية والحكومة العراقية القيام بحملة واسعة ، فضلا عن ذلك طرحت وجهات نظر مطالبة بمشاركة ميليشيات شعبية لإسناد أعمال الحكومة ، ولكن من الغريب القول ان هذه القوى التي كانت على راس السلطة في شن وقيام العمليات العسكرية في سلمان باك وفي الفلوجة هم ألان حلفاء للسنة ويحملون برنامجا واحدا في مواجهة الائتلاف وفي عرقلة العملية السياسية .
إذن نقول انه لا يستطيع احد ان ينكر حجم الجرائم النكراء التي ارتكبت بحق المواطنين من أعمال تفخيخ للسيارات وقطع الطريق وقتل الأبرياء لمجرد أنهم من أتباع أهل البيت ، فضلا عن ان التحقيقات التي أجريت مع الإرهابيين المجرمين التي أذيعت في وسائل الإعلام كشفت عن جرائم خطيرة ووحشية في ذبح المواطنين واغتصاب النساء من قبل شيوخ وأمراء هذه المجاميع ، كل ذلك يؤكد ان المحرك الطائفي والنهج التكفيري هو الدافع الأساسي وراء هذه العمليات وكان الخطاب السياسي لهيئة علماء المسلمين والقوى السياسية السنية مشجعا مدافعا عن الإرهاب واخذ طابع التهديد والتصعيد وتوجيه الاتهامات وقلب الحقائق .
واليوم تعاد الأزمة وبنفس الروح والمنهج الطائفي والوحشية في مدينة النهروان ، اذ في الوقت الذي يعيش فيه العراق أزمة خطيرة أثارت وضربت الرائ العام الشيعي في الصميم ، في ضرب رموزه ومقدساته الدينية وفي الوقت الذي تبرز الحاجة فيه الى التهدئة وضبط الأعصاب ، في هذا الوقت الخطير والحساس ، تتصاعد فية وبشكل كبير إعمال الإرهاب والتي أخذت طابعا طائفيا أيضا ، وبوحشية تشابه الجرائم السابقة في سلمان باك ، اذ تصاعدت أعمال القتل والإبادة الجماعية ضد الشيعة بعد تفجير مرقدي الأماميين العسكريين في سامراء ، وعثرت الشرطة العراقية على جثث 14 فردا من مغاوير الداخلية ، وقتل عشرة أشخاص على الأقل من أسرة شيعية واحدة ، وقتل ثمانية أشخاص في انفجار في كربلاء ، وأصبحت النهروان ساحة للقتل الطائفي الجماعي ، وكانت اخر جريمة للإرهابيين قتل تسعة عشر عاملا من عمال البناء من أتباع اهل البيت في النهروان والهجوم على محطة الكهرباء هناك وقتل حراسها ، وتهجير سكان النهروان الشيعة من مناطقهم.
وفي الوقت الذي تتجاهل فيه هيئة علماء المسلمين الأعمال الإرهابية وجرائم الإرهابيين تبالغ في وصف ردة الفعل القانونية التي تقوم بها الأجهزة الحكومية لمكافحة الإرهاب وتصف أعمال الداخلية بالعشواء وتصف جيش المهدي وإتباع التيار الصدري بالتكفيريين السود ، وهذه الأوصاف والاتهامات وردت في النشرة الإخبارية للهيئة يوم الأول من آذار الجاري .
لذا نقول ان بين سلمان باك والنهروان عوامل مشتركة ودروس وعبر يجب الاستفادة منها ، ان هناك اندفاع ورغبة في القتل لدى مجموعات إجرامية إرهابية تغذيها قوى وافدة من الخارج وتستقبلها قوة حاضنة ، وترعاها قوى سياسية ودينية ، اتسمت إعمالها بالوحشية ورافقها خطاب ديني سياسي سني يبرر لهما ويدافع عنهما من جهة ويشكك بأعمال الحكومة وواجبات الأجهزة الأمنية ، بخطاب يثير النعرة الطائفية من جهة اخرى، بل ان جرائمهم وإعمالهم الإرهابية كانت ذات نهجا وطابعا طائفيا . والدرس الذي يجب ان نستلهمه من التجربتين هو انه لابد من الإصرار على مواجهة الوضع الأمني المتردي في النهروان وإعادة الدرس السابق الذي يجسد القدرة الحكومية والشعبية على اقتلاع جذور الإرهاب وحماية المجتمع ، وعدم ترك الأزمة تتفاقم بل المطلوب إجراءات سريعة حاسمة مدعمة بعمل وإسناد جماهيري واسع ، اذ ان المصلحة تقتضي ان ينهض أبناء المنطقة والمناطق المجاورة لها بمسؤولياتهم في الدفاع عن أنفسهم ، ان ما يجري ليس حوادث متفرقة محدودة تقوم بها عناصر مجهولة ، بل هي عمل منظم واسع يحمل برنامجا طائفيا تكفيريا ضيقا،ان السبيل الأفضل لمنع الحرب الأهلية هو تشديد الحملة الحكومية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه تعكير الامن وإشاعة الفوضى والحرب الأهلية.
ان الحرب الأهلية هي خيار صعب قبوله او الدفع اليه ، اذ سيكون الشعب بأسره هو الخاسر فيه ، ولكن جعل هذا الخيار بعيدا وغير مرجحا ليس بالسكوت والمجاملات والاتهامات المبهمة ، بل بالمكاشفة والمصارحة والعمل المشترك في محاربة الخطر الأساسي الذي يواجه المجتمع ويهدد آمنه واستقراره المتمثل بالإرهاب ، بل ان الاستنكار لوحده لا يكفي على الرغم إننا أحيانا لا نراه حاضرا ، بل المطلوب تضافر الجهود لأبناء المجتمع في موقف تاريخي واحد للتصدي للإرهاب وإفشال مخططاته ، ان المجتمع يكاد يفقد صبره ويفلت زمامه أمام هذه الجرائم وعندها لا ينفع معها اللوم والتحذير .
https://telegram.me/buratha