المقالات

ترميم نفسية الفرد العراقي

1004 23:11:00 2009-09-18

علي محمد البهادلي

إن المجتمعات التي تمر بحقب سوداء ومظلمة تحت سلطة الحكام الدكتاتوريين ، تتعرض لشتى أنواع البلاء من حروب ونقص في الأموال والأنفس والثمرات ، مما يؤدي إلى انهيار البنية التحتية لثقافة وقيم ذلك المجتمع ، ويشيع فيه الجهل والفقر والعنف والسلوكيات الأخلاقية المبتذلة ، فإذا ما حصل تغيير في نظام الحكم فيتوجب على الواعين في المجتمع أن يقوموا بحملة استثنائية لغرض ترميم ما هشَّمه الوضع السابق ، وبالتأكيد سيكون الدور الأكبر يقع على عاتق من يمتلك الإمكانات المادية والعلمية الفنية وهو ما ينطبق على الحكومة والمؤسسات الدينية والثقافية .

إن المجتمع العراقي مرَّ بأعتى الدكتاتوريات التي شهدها التأريخ والمتمثلة بعصابة حزب البعث و"قائده الملهم" صدام ، فهؤلاء لم يدعوا شيئاً في المجتمع إلا وأتت عليه آلتهم الجاهلية الرعناء وأضفت عليه من جهلها وبداوتها ، فالتعليم والأدب والفن والسياسة والرياضة والعسكر كلها أمور يحتل فيها القائد "الضرورة" المرتبة الأولى وبدون منافس ، فمورست سياسة التجهيل وأُعدمت الكوادر المثقفة ، أما من نجا من قبضة الحزب ، فقد هاجر إلى البلدان الديمقراطية ليمارس من هناك نشاطه بحرية وآمان ، أما من بقي في الداخل فهو في سجن مرعب لا يستطيع فيه التفوه ببنت شفة ، وبعد عدة عقود من هذا الوضع المزري نشأ جيل جديد ألقت مصائب الدهر وطوارقه بظلالها عليه ، فهو جيل لم تُفتَح عيناه إلا على مناظر "الزيتوني وصور من المعركة" وأذناه لم تطرب لأشعار أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري ، بل اخترقتها أصوات المدافع والقنابل وأشعار" رعد بندر وعباس جيجان" ، ولم يعتد شبابه ارتياد المنتديات الأدبية أو المكوث في المكتبات العامة بل اعتاد لبس البزة العسكرية و"التطوع" في الجيش الشعبي أو الدخول في معسكرات ما كان يُسمَّى بيوم النخوة وجيش القدس ، فماذا نتوقع من هكذا جيل ؟! بالطبع سيتصف هذا الجيل بعدة سمات منها : الفقر والأمية وانحسار دور المثقفين ( هذا إذا بقيت منهم باقية ) وتفشي سلوكيات بدائية قبيحة كالعنف وانعدام ثقافة الحوار وسماع رأي الآخر ، وبروز النعرات الطائفية والعشائرية إلى السطح وانعدام روح المواطنة ، وهذا ما بدا واضحاً على المجتمع العراقي بعد التغيير الذي حصل في نيسان 2003 .

وعلى الرغم من وجود أكثر من عامل أسهم في كبح بعض الآثار التي خلفتها تلك الحقبة السوداء إلا أن الطابع العام هو ما ذكرته من نتائج طبيعية لمجتمع عاش في ظل نظام استبدادي بدوي جاهل يحكم بالحديد والنار . فعلى جميع الجهات المعنية بالأمر أن تقوم بحملات استثنائية تشبه حملات الإغاثة والإسعاف التي تقوم بها الدول أبان حصول النكبات والكوارث الطبيعية ؛ لئن ما تعرض له المجتمع العراقي يفوق حجمه حجم ما تخلفه الكوارث الطبيعية ولا أبالغ في هذا ، فالنتائج التي تلت سقوط الطاغية صدام خير شاهد على ما أقول ، والخسائر التي تعرض لها الشعب العراقي تتجاوز الخسائر البشرية إلى ما هو أشمل ، فإلى متى سيكون الهاجس الأمني هو المحور في اهتمامات الحكومة العراقية ، فترميم شخصية ونفسية الفرد العراقي هي أكبر أهمية من أي ملف آخر، وأكاد أجزم أن المشاكل الأخرى إما أنها مرتبطة بهذا الموضوع أو أن معالجتها تقل أهمية عن هذا الملف ، فليشد الساسة العراقيون سواعدهم وليركزوا على ترميم نفسية الفرد والمجتمع العراقي قبل أن يتم إعمار الشوارع والبنايات الحكومية ؛ لئن بناء الإنسان يجب أن يسبق إعمار البنايات ، فهي لم توجد إلا لخدمته وراحته .

ولا ننسى الإشارة إلى دور المؤسسات الدينية التي تمتلك قدراً لا بأس به من الإمكانات العلمية والروحية والمادية التي لو أُحسِن استخدامها لسدت ثغرة من الثغرات المهمة ، لا سيما أن موقعها الروحي يضفي على تحركها بين الجماهير طابع القداسة وربما الإلزام فيتجه المجتمع نحو الإصلاح واستعادة قيمه وثقافته المستلبة ، أما مثقفونا فهذا أوان بروزهم وعليهم أن يعوا المسؤولية التأريخية والأخلاقية الملقاة على عاتقهم ، وأن لا يغردوا في سماء لندن أو ستوكهولم ، فبغداد هي الشجرة التي يجب أن يعزفوا من على أغصانها نشيد الثقافة والحضارة . .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك