بقلم : داود نادر نوشي
لو أمعنا النظر جيدا إلى العراق مابعد 2003 لرأينا إن كل الرؤى والموازين التي كانت تحلم وتخطط لها الأنظمة العربية الرسمية للعراق قد ذهبت في مهب الريح ، وتلك المخططات والأحلام كانت تقف ورائها عقول واهمة تريد للعراق إن يستمر على نفس نظام الحكم الديكتاتوري التعسفي ،ولكن بألوان وأسماء جديدة، وان يكون الحزب الواحد والطائفة الواحدة هو المسيطر على مقدرات البلد ونكون بذلك قد رجعنا إلى نفس المعادلة السابقة أبان حكم البعث المشئوم، وبعد فشل المشروع العربي على أيدي رجال العراق الذين ناضلوا على مدى عقود من الزمن لأجل القضاء على الديكتاتورية والنظام الشمولي المتمثل بحزب البعث والأجهزة القمعية التابعة له ، كان لابد من قيام تلك الأنظمة العربية وخاصة المجاورة للعراق من التخطيط للعبث بأمنه واستقراره وذلك من خلال التدخل السافر بشؤونه الداخلية ، ومن ثم تصدير بضاعة الإرهاب والعنف التي عبثت بالعراقيين تحت عناوين المقاومة والجهاد وإرسال الأجساد النتنة معبئة بفتاوى التكفير والحقد الطائفي الصادرة من شيوخ وعلماء التكفير في السعودية لتفجر نفسها بين الأبرياء في الأسواق والمدارس والمساجد والحسينيات ،وكانوا القاعدة الرئيسية للمتطرفين ، ومن ثم تثير النعرة الطائفية بواسطة عصابات تلك الدول من أمثال القاعدة والتنظيمات الإجرامية الأخرى التي تتلقى الدعم والإسناد ألا محدود منها . وقد فعلوا كل مأمن شأنه تعطيل العملية السياسية والعودة إلى المربع الأول والذي كانوا يرون به السبيل الوحيد للتحقيق مئاربهم الغير أخلاقية في العراق.
وهذا العداء السافر الذي يكيله البعض من الأنظمة الرسمية العربية المعروفة لم يأت من فراغ وإنما ينبع من توجهات ومصالح سياسية ضيقة ترى فيها تلك الأنظمة إن العراق الجديد وفقا للدستور والعملية السياسية وتعدد الآراء والديمقراطية سيكون ناقوس حظر يهدد مصير عروشهم التي ورثوها بالانقلابات الدموية وخلافة الابن للأب والتي لم يكن لشعوبهم بها رأي أو قول، يضاف لها نظرة طائفية من خلال إن جميع أنظمة الحكم في تلك البلاد تعود لطائفة معينة مقابل تهميش كامل ومطلق لبقية الطوائف والقوميات الأخرى، بينما ضمن الدستور ألعرافي حقوق جميع العراقيين وبكل طوائفهم وانتماءاتهم ،
وبالتالي فأن وجود كيانات سياسية حاكمة وفاعلة في العراق لم تأت من خلال الاستحواذ ألقسري للسلطة وإنما من خلال صناديق الاقتراع، التي لاتؤمن بها الأنظمة العربية ،ولذا فأن مايتوجس منه النظام العربي الرسمي ليس له مايبرره .وعلى الرغم من التطمينات التي أتت من القيادات السياسية بعدم تأثير الوضع الجديد في العراق على بلدانهم استمرت عمليات الإرهاب والقتل المدعومة من قبل تلك الأنظمة واستمر احتضانهم لعصابات القتل من البعثيين والقاعدة ،وكذلك الدعم الكبير التي تتلقاه منهم الكثير من الجهات السياسية وبعض السياسيين المفلسين الذين يحلمون بعودة البعث إلى السلطة،وهم الحاضنات الرئيسية للإرهاب في الداخل ويتحملون الجزء الأكبر لما يتعرض له العراقيين من عمليات قتل وإبادة ، وأصبح وضوح المؤامرات التي تحاك للعراق من قبل هؤلاء كبير جدا ألا إن صبر العراق كان كبيرا جدا في تحمل الظلم الذي يأتي من مايسمونه بالأشقاء العرب وهم ليسوا كذلك ، والصبر من جانب العراق لم يكن ضعفا كما يتوهم البعض وإنما نابع من كون العراق يمر بمرحلة جديدة لم يشأ إن تكون بوادر التوتر والقلق في علاقاته مع محيطه العربي تمر بمنعطف خطير ، وكان حريصا على حل المشاكل من خلال الحوار والتفاهم المشترك ، ألا إن الطرف الاخرعلى مايبدوا لاتنفع معه هذه الأساليب ،
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هو يوم الأربعاء الدامي ، اليوم الذي سالت فيه الدماء العراقية على أيدي زمر البعث المهزوم وبتخطيط ومباركة دولة جاره ،همها الوحيد الحفاظ على عرش طاغوتها وتصفية حسابات سياسية ، ليس للعراق فيها ناقة ولا جمل ، وفي هذا اليوم الدامي رقص الكثير فرحا لاسيما المراهقين والفاشلين من الساسة في الداخل عسى إن تتحقق لهم أحلامهم في الوصول إلى السلطة تحت عنوان فشل الأجهزة الأمنية والتنفيذية في ممارسة إعمالها ، وهذا النوع من الأجندة السياسية لايؤمن به ألا من كان شريك في العنف والإرهاب ، لأن السياسية التي نعرفها هي سياسة الأمر الواقع والتنافس الشريف لاسياسة التباكي بدموع التماسيح على العراقيين،وهم شركاء في ما يتعرضون له .لذا كان العلاج هو المحكمة الدولية بعد إن رفضوا كل الدلائل والإثباتات التي عرضها العراق بل تمادوا وبكل وقاحة ليصفوا مطالبة العراق لهم بتسليم المجرمين بغيراخلاقية والظاهر إن القتل هو الأخلاقي في قاموس هؤلاء، وتدويل القضية هو البلسم الشافي للعراقيين حيث تتضح كل الأساليب القذرة التي يتخذها هؤلاء في معاداتهم للعراق الجديد وتحت عزف نفس السيمفونية التي مللنا سماعها في قضية الاحتلال والمقاومة ، وكان على (الأشقاء) إن يلتفتوا إلى الاحتلال في بلدانهم ، أليس الجولان محتلة وهم لايسمحوا حتى للعصافير بالتحليق فوقها ، في الوقت الذي يسمحوا للعقول التافهة والأجساد القذرة بالعبور إلى العراق وقتل أبنائه ، فأي سياسية وأي رجال يحكمون في هذه البلاد ، وأي معادلة تلك التي تبنى على قتل الآخرين من اجل استمرار بقائهم في السلطة ، ولكن الدم العراقي ليس رخيصا كما يتوهم البعض وثمنه سيكلفكم الكثيرأيها الأشقاء الأعداء، ويومها لاينفع معكم التباكي عند الدول العظمى ، وستنكشف ألاعيبكم ودسائسكم عندما تقفون بين يدي المحكمة الدولية. والتي لانقبل كعراقيين بالمساومة عليها تحت أي ظرف وبها سنردع ونكشف جميع الداعمين للإرهاب في الداخل والخارج وستكشف جميع الأوراق إمام العراقيين بعد سنوات من ضجيج الشعارات البالية في المقاومة والجهاد .
https://telegram.me/buratha