علاء الموسوي
لم يبق للانتخابات البرلمانية سوى أربعة أشهر، وما زال المشهد السياسي منكفئا على نفسه وغير قادر على فرز الخنادق الانتخابية بشكلها المناسب لدورة انتخابية ثانية، والتي كان المفروض ان تتسم بالنضج السياسي عبر الاستفادة من أخطاء الماضي وتجاوزه .كنا نأمل ان يتجه المشهد الانتخابي نحو حسم الخلافات السياسية والأيدلوجيات الحزبية المتنوعة، عبر ائتلافات كبيرة وليست صغيرة هادرة لأصوات الناخبين، ومسببة لنزاعات داخلية ممكن ان تعرض العملية الانتخابية والمشروع العراقي برمته إلى خطر كبير يهدد مستقبله.اللجوء السياسي إلى تقاسم الكعكعة الحكومية قبيل بدء الانتخابات، ومن دون النظر إلى ضرورة حسم المشهد الانتخابي عبر التحالفات والائتلافات الإستراتيجية الضامنة لأصل المشروع الديمقراطي، سيضيع فرصتي الفوز بضمان تلك المناصب، فضلا عن حفظ ديمومة العملية الانتخابية في العراق.ذلك لان تشظي المكونات الرئيسة للعملية السياسية بسب الجزئيات الحزبية التفصيلية، وتشتيت صوت الناخب وجعله متحيرا بتعددية الكتل والمكونات المتنافسة ، سيؤدي بالنتيجة إلى تفاقم النزاعات الداخلية، وسيجعل العملية الانتخابية بنظر سايكلوجية الناخب العراقي مملة وغير مجدية، فالشعارات نفسها والوعد والوعيد الانتخابي متشابه عند الجميع.الانشطار الأميبي الذي يشهده كل من الائتلاف الموحد الشيعي وجبهة التوافق السنية، في مقابل تماسك الكتلة الكردستانية، ليس في صالح العرب السنة والشيعة على حد سواء، بل هو ليس في صالح الكرد أيضا، ان كانوا حريصين على انصهارهم في الدولة العراقية الموحدة.ومن يتبجح بأن مفهوم الوطنية لابد من ان يتخطى تلك الحواجز الطائفية المعنونة لدى تلك الكتل ، فهو متوهم وغير مدرك لحقيقة التوجه السياسي في العراق الجديد. ولعل قناعة بعض الكتل بضرورة إرضاء جهات إقليمية معارضة لأصل الأغلبية السياسية في العراق، هو الذي دفع بها إلى ان تعنون (الوطنية) كشعار من دون ان تشعر به على ارض الواقع.الجمهور المذهبي والقومي ما زال هو المسيطر على أذهان السياسيين في ائتلافاتهم الحالية، من دون ان يسعوا إلى توحيد ذلك الجمهور والطموح بكسب الجمهور الآخر. ولعله هو الأكثر في العراق، وبدلا من ان نشهد تحالفا إسلاميا كبيرا يجمع الكتلة الشيعية السياسية مع نظيرتها الكتلة السنية، نجد العكس في تشظي الكتلة الواحدة إلى مكونات عدة، تتصارع فيما بينها على الغاية الحزبية وليس المبدأ الإسلامي الحقيقي في السياسة!.تعددية الائتلافات ليست في صالح العملية السياسية ، كونها ستجبر بعضا على الخوض في ملفات خطيرة ستستغل لتقويض وجود الخصم الآخر، وإن كان في ضمن البيت الواحد، وهو ما يتوقع حدوثه بين ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي، ان لم يأتلفا مجددا. وسيكون للتنافر والنزاع الداخلي بينهما، مدخل سهل للإيقاع بهموإقصائهم من الفوز بريادة العملية السياسية ، ولن يكون هناك ما يطمئن بأن الحكم سيكون للأغلبية في العراق، كون التمثيل السياسي لهذه الأغلبية متشظيا وغير متوحد في الهدف والمضمون السياسي.وهذا ما كشفت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس ، حينما سُئلت من قبل رئيس الكونغرس الأمريكي، بأن ديمقراطية بوش لم تجلب للشرق الأوسط غير صعود الإسلاميين الأعداء الحقيقيين لامريكا، فأجابت باختصار شديد، ان تلك الديمقراطية سيأتي أكلها بعد عشر سنوات من اليوم، وهو كشف مخابئ جديدة لأعدائنا وإدخالهم في دوامة الصراع الداخلي والنزاع على كسب ما لن يستطيعوا الحصول عليه مستقبلا، بعد طردهم من عقلية الناخب، ولجوئه لخيار التعيين الأمريكي بدلا من الاختيار العراقي.
https://telegram.me/buratha