ساجد البصري
في الثمانينات كانت الجبهة العراقية الايرانية تشتعل بحرب طاحنة يساق اليها مئات الالوف من العراقيين عنوة ليقتلوا او ياسروا بدون ان يكون هناك مبرر مقبول للحرب ..وبدون ان يعرف الجنود على الجبهة السبب الذي يموتون من اجله .. كانت وسائل الاعلام الحكومية تتحدث عن الشعارات التي حفظناها عن الامة العربية والخطر القادم من الشرق والريح الصفراء والبوابة الشرقية فيما كانت السعودية والكويت تدفع بسخاء لديمومة الحرب واطالة مدتها حتى يحقق صدام اغراضه في البقاء على كرسي الحكم دون منازع وفي اشغال الشعب بحرب لا طائلة من ورائها وباحزان تلك الحرب وويلاتها .. وكانت الحركة الوطنية في الداخل تتعرض لابادة منقطعة النظير وفي ظل تعتيم اعلامي شديد.. في الخارج وبالاخص في ايران الاسلامية .. كان الشغل الشغاغل للحركة الاسلامية العراقية هو مقاومة النظام واسقاطه عبر تشكيل جبهة موحدة من كافة الفصائل والتوجهات .. وفي ظل هذه الرغبة الوطنية والدافع النبيل فقد أسست عدة تشكيلات لايجاد اطار ينظم العمل السياسي منها مجلس العلماء للثورة الاسلامية ، والجيش الثوري الاسلامي لتحرير العراق ، وتشكيل جماعة العلماء المجاهدين في العراق ، ثم ايجاد مكتب الثورة الاسلامية في العراق . لقد واجهت جميع هذه الاطر والتشكيلات مشكلات عدة جعلتها دون مستوى الطموح الجماهيري .. فصار من الواجب الشروع بتاسيس كيان اعم واشمل واكثر تاثيرا وقدرة على المواجهة مع اعتى واشرس نظام عرفته البلاد والمنطقة .. في عام اثنين وثمانين اسس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بجهود حثيثة من قبل السيد محمد باقر الحكيم ومشاركة فاعلة منه ..واعلن عن التاسيس في مؤتمر حاشد ليكون المجلس كيانا قياديا لادارة الثورة الاسلامية في العراق .. في مؤتمر التاسيس اعلنت المباديء العامة والاهداف التي من اجلها تم تشكيل هذا التنظيم السياسي ليكون جناحا تنضوي تحته الحركات الاسلامية باقطابها العديدة وليكون جبهة موحدة قوية بامكانها مناهضة المشروع الصدامي الرامي الى جعل العراق بلدا خربا لا ينبت في صحراءه سوى الشوك..
مباشرة بعد تأسيس المجلس الاعلى تم التحضير لتشكيل تنظيم قتالي يتولى مقارعة العدو والثار لضحايا العراق والتحضير للانتصار المبارك على نظام البعث واعادة السلطة في العراق الى الشعب نفسه .. وبعد مراحل من التحضير والتاسيس تم تشكيل فيلق بدر كجناح عسكري للمجلس الاعلى ..واقتصرت البداية على نواة صغيرة هي عبارة عن سرية واحدة لم يكن عدد مقاتليها يزيد عن المئتين كانوا النواة الاولى لفيلق بدر الظافر .. كان ظهور الفيلق نتيجة حتمية لان نظام الطاغية لم يكن سوى نظام استبدادي لايسمح باي شكل من الحوار او التعددية ويقمع جميع الاصوات المناهضة له بل يرتكب المجازر بحق ابناء شعبه ويقتل حتى اقرب المقربية اليه شخصيا او حزبيا من اجل المنصب ..ولان الامانة التاريخية تحتم ايجاد حل لاخراج العراق من اتون المجرم صدام فقد صار قرار المقاومة المسلحة خيارا لا رجعة عنه ولابديل الى جانب المقاومة السياسية التي مثلها المجلس الاعلى .. كان الشهيد محمد باقر الحكيم هو المنادي الاول بانطلاق بدر كتشكيل مسلح يقارع الظلمة الذين عاثوا في الارض فسادا وظل هذا ديدنه حتى سقط النظام البعثي في اذار عام 2003. ورغم ماجره هذا القرار العنيد من ويلات على عائلته لم يفكر الحكيم ان يتخلى عن المجلس او بدر وبائت محاولات صدام في المساومة بالفشل .. فنتيجة للذعر الذي شعر به الطاغية وهو يشاهد محمد باقر الحكيم من على شاشة التلفاز وهو يسفر عن وجهه في تحد لا مثيل له اقدم صدام على ارتكاب ابشع مجرزة بحق ال الحكيم .. لقد اعتقل ستة من عائلة الشهيد اية الله محمد باقر الحكيم قدس سره الشريف عقابا لهذه الاسرة المباركة على مواقفها الشجاعة في وجه السلطة الجائرة ..وارسل مبعوثا الى طهران يساوم الحكيم على التخلي عن المجلس وبدر مقابل ضمان سلامتهم وبقائهم على قيد الحياة ..
وكان القرار الصعب ..والنتجية المرة التي تجرعها شهيد المحراب بقوة وصبر وشمم ... فالقضية والهدف والمصير ليس شخصيا ..وثورة محمد باقر الحكيم التي هي استمرار لثورة محمد باقر الصدر .. والثورات التي يقودها الصدر لا تعرف المساومة ولا تنام على الذل ولا تركعها حراب الجلادين .. فقال شهيد المحراب لا ...ليعدم اولئك الرهط ولينضموا الى قرابين وقافلة تضحياتهم الطويلة .. وليكونوا ذبائح البناء الشامخ لحركة المقاومة الاسلامية في وطن الطوفان البعثي الذي اغرق كل مافي العراق ورمى باطيان المصائب على عذوق النخل العراقي .. وتجرع الشهيد اية الله محمد باقر الحكيم مرارة القتل الذي هو له ولاجداده عادة وكرامتهم الشهادة فاحتسب الشهداء عند ربه ومضى يكمل بناءه العظيم..
كان بناء بدر كقوة عسكرية قادرة على مواجهة النظام البعثي واسقاطه من اصعب المهمات واكثرها مشقة في ذلك الوقت ...فالتمويل والسلاح والعتاد والتجهيزات علاوة على العنصر الاهم وهو المقاتلين كانت عقبات واضحة في وجه المهمة التي اراد لها الله ان تكون ناجحة رغم كل العقبات .. ايران الاسلامية كانت قد غادرت عهد الشاه منذ فترة قصيرة وكان الغرب يحاصرها بصورة شبه تامة فتعتمد على ما تيسر لها من اسلحة بعضها قديم والاخر لايجاري الاسلحة التي فتحت الدول ابوابها على مصراعيها لتقديمها الى صدام ..علاوة على التمويل الذي كان شحيحا للغاية بينما كانت الدولة المضيفة تعاني من حرب مستعرة في ظل حصار دولي مريب .
https://telegram.me/buratha