شريف الشامي
صراع ساخن يدور على رمال "سيناء" المصرية بين تيارين إسلاميين على طرفي النقيض، الصوفية والسلفية، فكلا الفريقين يسعى لاستقطاب أكبر عدد من المنتمين، وكل طرف يرى أنه كفيل بإلغاء الآخر ومحوه من التواجد على الساحة الدينية، وذلك من خلال تكثيف الدعوة والتركيز على المناطق الأبعد وأحياء المدن الجانبية.الواقع التاريخي لوجود التيارين في سيناء يشير إلى أن الصوفية كانت صاحبة السبق في التواجد في تلك المساحة الجغرافية الشاسعة، والتي يغلب على سكانها طابع البداوة، وقد بدأ هذا منتصف القرن الماضي، ونجح المؤسسون لها في استقطاب من استجابوا لدعوتهم من عامة البدو البسطاء، والذين كانوا في ذاك الوقت يفتقرون إلى أبجديات التعليم؛ بسبب كثير من تراكمات العادات والتقاليد المخالفة للشرع الإسلامي.
زوايا في مجتمع البادية
يرجع الفضل لتأسيس الصوفية في سيناء إلى قطبين صوفيين معروفين هما الشيخ "محمد أحمد السعافين" وهو من أبناء فلسطين، والشيخ "عيد أبو جرير"، وهو من أهالي سيناء.
استطاع "السعافين" أن ينتقل بدعوته الصوفية -المتفرعة من "الطريقة العلاوية"- من فلسطين إلى سيناء وذلك عام 1956، واتخذ من قرية "التومة" بجنوب مدينة "الشيخ زويد" مقرا لدعوته بين البدو، وتركز خطابه على الهداية إلى سبيل الله، وترك أمور الجاهلية الأولى في ذاك الوقت، واستمرت دعوته لنحو أربع سنوات عاد بعدها إلى قطاع غزة بعدما أسس لطريقته مكانا لا زال باقيا في مراكز دعوية، وهى تعرف بالـ"الزوايا"، وتتركز في الشيخ زويد ورفح. وتتركز إدارتهما في زاويتين رئيسيتين ومنها تتفرع البقية، وهما: زاوية "الجورة" التي يقودها حاليا الشيخ عرفات خضر، خلفا للشيخ "خلف الخلفات" الذي وافته المنية أوائل يونيو 2009، وزاوية الشيخ زويد التي يقودها الشيخ "سالمان عرادة"، وتنحصر مناطق انتشارها في الوقت الحالي في مدينة الشيخ زويد والقرى المحيطة بها وبعض من قرى رفح، وقد استقطبت هذه الطريقة جانبا كبيرا من أبناء قبيلة السواركة والرميلات والغالبية العظمى من عائلات وعشائر مدينة الشيخ زويد وأعدادا قليلة من أبناء قبيلة "الترابين".
بالتزامن مع هذه الدعوة كانت انطلاقة الطريقة "الجريرية" التي أسس لها مكانة مرموقة في سيناء الشيخ عيد سليم جرير في زاوية العريش التي حملت مسجدا وساحة باسمة لا زالت باقية إلى اليوم، وعمت دعوته أجزاء كبيرة من مناطق سيناء من "بئر العبد" غربا حتى "رفح" شرقا، ولا زالت تحافظ على مكانتها من خلال زواياها المنتشرة في هذه المناطق وينتمي إليها الغالبية العظمى من أبناء قبيلة السواركة، وعائلات العريش وبعض من قبائل الرميلات والترابين والدواغرة والبياضية والعيايدة.
ويتولى الشيخ نصير سلمى نصير قيادتها في الوقت الحالي وسبقه إليها شيخان آخران: منصور أسليم أبو جرير والشيخ أسليم شريف أبو جرير.
وهناك طرق صوفية أخرى بمدن أكثر ازدحاما ومناطق جانبية في العريش، والشيخ زويد، والأطراف الغربية لمناطق بئر العبد نقلها إلى سيناء المهاجرون من محافظات أخرى من الموظفين بالحكومة المصرية وغيرهم، هؤلاء أقاموا فروعا لهذه لطرق "العزايم" و"الشاذلية" و"التيجانية" في مناطق سكنهم بالمدن.
وتمثل الزوايا "الساحات" بالنسبة للصوفية مكان التقاء المنتمين للطريقة، وفيها تقام حلقات الوعظ والإرشاد والذكر والحضرات، وفق منهج صوفي متقارب في الزهد محاربة شهوات النفس لتبتعد عن الدنيا، وكل زاوية يقع بجوارها مسجد تقام فيه شعائر الصلاة.
سلفيون في سيناء
كانت انطلاقة فكر الجماعات السلفية في سيناء أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، وذلك بعد أن تم التحرير الكامل لسيناء من الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء عزلتها الإجبارية، وانفتاحها على بقية المدن المصرية، أعقب ذلك اختلاط اجتماعي وهجرات داخلية بين أوساط الشباب للعمل والزراعة والتعليم العالي ساهم في نقل فكر الجماعات السلفية المتأصلة بالقاهرة والإسماعيلية والشرقية إلى مجتمع البادية البكر في ذاك الوقت، تزامن هذا مع نمو مواز للتيار السلفي على المستوى العالمي.
في البداية نشط دعاة السلفية، والذين كانوا دعاة عاديين من الشباب صغار السن، نشطوا داخل عدد كبير من قرى مدينة رفح وأجزاء من ساحل الشيخ زويد ومدينة بئر العبد وبعض من قرى وسط سيناء ولا زال يرتكز نشاطهم في هذه المناطق، ولا تخلو قبيلة أو عائلة بسيناء من انتماء عدد من شبابها لهذه التيارات السلفية، والتي تنوعت مسمياتها، وكان أكثرها تواجدا هو تيار "التكفير والهجرة"، والذي انبثقت منه فيما بعد تيارات أخرى.
وقد اعتبر هؤلاء أن أفكارهم ومنهجهم الوهابية قائم على صحيح الدعوة الإسلامية، واتخذوا من برامج الإفتاء في إذاعة المملكة العربية السعودية وكتب محمد عبد الوهاب مصادر لدعوتهم، مع عدم الاعتراف بالمصادر الرسمية للحكومة في المنطقة أو زوايا الصوفية، وركز هؤلاء الدعاة على إطلاق اللحى وتقصير الثوب للرجال، وخلع البدويات لقناعهن وبراقعهن التقليدية واستبداله بالنقاب، وعدم التفريق في الزواج بين قبيلة وأخرى، إلى جانب اتباع المنهج الدعوي للجماعات السلفية، والذي هو متشدد في كثير من أفكاره لاسيما في البيئة البدوية التي لها خصوصية.
مواجهة سلفية صوفية
المواجهة بين الصوفية والسلفية بلغت أشدها في التسعينيات عندما اعتبرت الجماعات السلفية أن الطرق الصوفية ومن ينتمون لها تمثل منصات وقواعد للشرك بالله يجب اجتثاثها من جذورها، في حين اعتبر الصوفية أن حربهم ضد السلفية تمثل تثبيتا للدعوة، واعتبروا أن السلفيين يمثلون أدوات غربية خفية لتنخر في جسد الأمة وتفككه وتهدد استقراره، مطلقين عليهم اسم "الوهابيين" باعتبار أنهم يتخذون من أفكار محمد بن عبد الوهاب مسارا لهم يسعون لتطبيقه.
وعمل الصوفية على تحريم التعامل مع السلفية أو مصاهرتهم، وبعضهم أعلن التبرؤ من أبنائهم الذين اعتنقوا الفكر السلفي.
ويمكن القول إن العلاقة بين الطرفين تميزت بالسخونة، ولكن دون مواجهات فعلية، والاكتفاء بالمواجهة من خلال الدعوة، كل في عرينه.
الملاحظ في هذا أن عامة أفراد المجتمع السيناوي البدوي يتعاملون بحذر مع الطرفين بعضهم يتواصل مع الصوفية وتجمعاتهم، ووحدة نظامهم في أمور الحياة اليومية، ومواسم الانتخابات النيابية، دون الاقتراب من معتقداتهم الدينية، أما من ينتمون للسلفية من أبناء المجتمع فإنهم يخشون الإعلان عن توجهاتهم حتى لا تنالهم عصا الأمن، وعامة ما هناك شبه عزوف عن التيار السلفي.
من جانبه يشير أحد المنتمين إلى التيار السلفي، والذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن السلفيين عملوا على نشر الإسلام ، دون خرافات قبلية، وهو ما تقبله الشباب المتفتح، ولا ننكر على الصوفية دورهم في التأسيس للدعوة بسيناء مع خلافنا الشديد معهم في أسلوب ومنهجية العمل الدعوي.
بينما يرى أحد مريدي الطرق الصوفية أن الشباب السلفي عمل من أجل خلق حالة من العزلة الاجتماعية، وكانوا يكفرون آباءهم ويحرمون طعامهم بلا مبرر، وساهم هذا في هدم حالة الأمن الاجتماعي، خصوصا بعد أن انخرط عدد منهم في تنظيمات مسلحة.
صدام ديني مع التقاليد
مصطفى سنجر أحد المتابعين للتيارات الإسلامية في سيناء يقول إن هناك مخاوف لدى الصوفية من تأثير المنهج السلفي الوهابي المتشدد على شبابهم، خاصة أن بعض السلفيين أنشئوا مساجد تلقن مبادئ وأدبيات الدعوة السلفية، ولا أحد ينكر أن للطرفين تأثيره المجتمعي الجيد في عموم شمال سيناء من خلال الحد من النزعات القبلية المتعصبة، وتفعيل الزواج بين أبناء القبائل المختلفة دون تفريق وتفعيل المناخ التكافلي داخل القبائل، خاصة مع سنوات الجدب والقحط التي نالت الجميع.
ويشير سنجر إلى أن للصوفية تاريخا وطنيا معروفا؛ حيث ساهم كبار رموزهم في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء خلال الفترة من عام 1967 حتى انسحاب إسرائيل عام 1982.
ويضيف: الحملات الأمنية نالت الكثير من الشباب السلفي، وقد أدى هذا إلى سكون هذا التيار، لكنه عاد ليطل برأسه من جديد تحت مسميات أخرى، خاصة مع تأجج الصراع في منطقة الشرق الأوسط وتبعاته حتى بلغ السيل مداه بتفجيرات طابا وشرم الشيخ التي كان من قاموا بها يحملون هذا الفكر، وقد تحمل المجتمع السيناوي سلبيات هذه التفجيرات في حملات اعتقالات وتعذيب لحقت الجميع دون تفريق، وهو ما أدى بالطبع إلى تراجع انتشاره بين عامة الناس.
ويقول أشرف العناني وهو باحث في التراث السيناوي وصاحب مدونة "سيناء حيث أنا": بقيت زوايا الصوفية في سيناء بلا منافس تقريبا، حتى أثناء الاحتلال، وقد أدت دورا اجتماعيا شديد الأهمية من خلال دعوة العامة من الناس إلى ترك كثير من العادات القبلية المحرمة مثل حفلات السمر، وذهاب السيدات للأسواق، وتجارة المخدرات، والتفاخر القبلي، وغيرها.
واستمرت الزوايا في أداء دورها ولا زالت، ولكنها بعد 30 عاما من تأسيسها أصبحت تنافسها الجماعات السلفية بقوة حتى إنه لم يعد مستغربا أن تلمح الجلباب القصير واللحية الطويلة بين شباب كثيرين في سيناء.
ويؤكد العناني: كان الصدام الأعنف بين العادات والتقاليد البدوية، وبين الرؤية السلفية لهؤلاء الشباب، صدامات عديدة لم يسلم منها بيت من بيوت سيناء، لكن الحدث الأهم في تاريخ علاقة هؤلاء الشباب "السلفي الوهابي" بالمجتمع السيناوي كانت بعد تفجيرات طابا التي جعلت هذا التيار في موضع صدام ليس مع المجتمع فقط، ولكن مع النظام السياسي، وتلك مسألة لم تذهب إليها الصوفية التي ظلت في سلام تام مع النظام السياسي
شريف الشاميصوت العراق الجديد امريكاموقع الانتفاضة الشعبانية
http://www.iraq1991.com/news.php
https://telegram.me/buratha
