الكيان السعودي صفحة بالية وأمريكا لا تعبأ بحلفائها

بقلم : السيد عامر الحسني

عندما يتم النضوج السياسي لدى أي أمة من الأمم , والذي يكون في مقدمته الاستقلال السياسي والتحرر من العبودية يبدأ جني الثمر حيث يكون الانتهازيون في أول الصف ثم المنافقون ويتبعهم المتخاذلون . ويبدأ لون صفحات الانتصار يتلاشى شيئا فشيئا لتصبح صفراء باهتة لا يقرأ منها شيئا ً .

في بداية الحرب العالمية الثانية وعندما أراد هتلر غزو بولندا تشكلت في الحال مجموعات مناضلة والتي كانت هي الأساس في تشكيل وحدات الأنصار التي وضعت على عاتقها خدمة بلادها والمساهمة في إخراج المحتل من أراضيها وبدون ثمن وكانت تعمل خلف الخطوط العدو . وكان على رئس إحدى هذه المجموعات الشاب بوريسلو جانكوويك وكان ابناً لفلاح قتل والده في الحرب العالمية الأولى .

في بداية النضال كاد الكثير من المجموعة أن يتفرقوا وذلك رهبة وخوفاً من الجيش الألماني الذي لا يرحم وتغلغل البوليس السري الألماني الجيستابو والذي كان يشل المقاومة بخدعة الرعب الذي اكتسبها من خلال الدعاية التي روجت له وجعلت منه وحشاً مرعباً . لكن جانكوويك استطاع ان يختطف اثنان من الجستابو ويخضعهم لتحقيق قاس أمام مجموعته جعلت من الاثنين يتوسلان به وليظهر أمام مجموعته مدى الضعف والانهيار لدى الجستابو , الأمر الذي جعل المجموعة أن تعيد الثقة بنفسها وترى خذلان القوة التي نسج عنها الكثير من الخيال .

ان السياسة الإعلامية التي يتبعها الكيان السعودي في ترويض الشعب وسحق الأمة تعتمد كلياً على وسائل الإعلام الخرافية التي يملكها الكيان في جميع أنحاء العالم والتي شكلت جهازاً قمعياً نفسياً بنى عليه الشعب تصور خاطئ عن مدى قدرة وقوة الكيان على استيعاب جميع الأزمات التي يتعرض لها وتظهره غير عابئ بالمعارضة التي تقف بوجهه كما يمكن ان يكون مستمداً لأسباب قوته من التحالفات التي عقدها مع الولايات المتحدة وحلفائها من الغرب أو مع تحالفه مع الكيانات والأنظمة العربية . والذي يترجمه في أحيان أخرى بهجمات واهنة وإعلامية ضد الأنظمة المعارضة له .وعادة ما تتسم التحالفات من هذا النوع باعتمادها على مصالح مشتركة وليست على أساس عقيدة راسخة والتي سرعان ما تنتهي عندما تجابه بمعارضة ذات عقيدة قوية قائمة وفق تصور صادق لما تؤول عليه نتيجة الصراع .وبنظرة سريعة للتحالفات التي عقدتها الولايات المتحدة على مدى العقود الماضية والتي أعقبت الحرب العالمية الثانية وهي الفترة التي شهدت بروز الولايات المتحدة كقوة عظمى على الساحة الدولية , تظهر مدى فشل هذه التحالفات وتخلي أمريكا عن حلفاءها في الأزمات .

تحالف أمريكا مع نظام شاه ايران

لقد ارتبطت إيران بتحالف ستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وعند تسلم الشاه محمد رضا بهلوى السلطة عام 1941 بعد عزل والده (رضا شاه) . وقويت علاقة الشاه في عام 1950 عندما اعترفت إيران بالكيان الصهيوني حيث تأسس الحلف على أساس قيام أمريكا بحمايته مقابل إعطاء حصة كبيرة من نفط إيران إلى أمريكا وجعل إيران القوة الكبرى في الخليج ويصبح الشاه شرطياً للخليج , كما جعلت أمريكا منه حامياً لمصالحها في المنطقة في الوقت الذي لم يكن لكيانات الخليج أي أثر على الخريطة السياسية . فلم يسمع أحداً من الغرب بان هناك دولاً خليجية , وانما مجرد كيانات ذات موانئ بحرية تؤمن تصدير نفط الجزيرة العربية إلى الولايات المتحدة وحلفاءها من الغرب .

في عام 1979 وعندما قام الإمام الخميني بالثورة على حكم الشاه ويأست الولايات المتحدة من السيطرة على الأمور ولم تستطع أن تفعل شيئاً , تركت الشاه لمصيره المحتوم , وكل ما استطاعت فعله هو تسهيل هروبه إلى مصر , ووصل بها الأمر إلى أن ترفض قبوله في أراضيها كلاجئ سياسي رغم مرضه بالسرطان .

وفي إحدى المقابلات الصحفية مع (سايروس فانس) الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد جيمي كارتر والذي استقال عام 1980 بعد فشل مهمة قام بها لتسوية مسألة الرهائن الأميركيين في إيران. وفي معرض إجابته لسؤال أحد الصحفيين الذي سأله حول سبب تخلي أمريكا عن حليفها رضا بهلوي قال متهكماً : لقد كان تاج بهلوي قبل الانقلاب من الذهب الأسود , والآن تاجه من ذهب اصفر قابع في المتحف .

أمريكا والفلبين

في عام 1965 تولى الحكم الديكتاتور الفلبيني فرديناند ماركوس المتسلط وكان من أقوى حلفاء أمريكا في جنوب أسيا والذي قام بتصفية العديد من معارضيه ونهب ثروات الفيليبين . وفي عام 1985 ثار الشعب الفلبيني عليه واستطاعت المعارضة بقيادة زعيمة المعارضة كورازون أكينو بالاطاحة به الامر الذي جعل من أمريكا ان تتخلى عنه وتتحالف مع الحكومة الجديدة , وأكثر مما فعلته لحليفها القديم هو إرسال طائرة هليوكبتر أقلته من القصر هو وزوجته وجعلته تحت الإقامة الجبرية في جزر هاواي في المحيط الهادي . وفي عام 1988 أدانت حكومة الولايات المتحدة ماركوس وزوجته إميلدا , متهمة إياهما باختلاس أموال من الفلبين واستخدامها في شراء مبان في الولايات المتحدة. ولكن بسبب اشتداد المرض على ماركوس أسقطت عنه الاتهامات . وتوفي في منفاه بهاواي عام 1989 .

آخر الحلفاء

وآخر حلفاء أمريكا الذي أهوت به القبضة الأمريكية هو دكتاتور العراق (صدام حسين) الذي لم يكلف بشئ من قبل حليفته إلا وفعله بحيث وصل به الأمر إلى أن يشن حرباً ضروس مع جارته إيران احرق فيها الأخضر واليابس , وفي نهاية الأمر توجته الولايات المتحدة كأسوأ حليف عرفه العالم , ولم تشفع له توسلاته من النجاة من حبل المشنقة , فكان قدراً سيئاً أختاره لنفسه ويضع حداً لحماقاته عام 2006 في الحبل الذي كان يقتل به ضحاياه .

ان ما يحاول الكيان السعودي ان يلعبه الآن هو دور النسخة المشوهة لشرطي الخليج ويظهر نفسه كحليف مستميت للولايات المتحدة في خضم ظروف غامضة لا تنبئ بما يخبئه القدر له , متناسي التجارب السيئة لربائب أمريكا التي تنبذ بشدة الأقرب لها في سبيل مصالحها الخاصة.

وما على الكيان السعودي إلا أن يتذكر وفي نهاية المطاف بان الالتزام بمعاهدات وأحلاف طويلة الأمد مع الولايات المتحدة لا تحكمها الا الظروف الآنية التي ترسم الخارطة السياسية على أرض الواقع وتضرب بعرض الحائط تاجاً من ذهب أو عرشاً من قش . فانتصار الشريف حسين في الثورة العربية الكبرى عام 1916 والتعهدات التي قطعها له سير مكماهون بقيام مملكة عربية كبرى في بلاد الشام والعراق , واقتراح لورنس على البريطانيين بدعم حسين واعتماده كخليفة عربي في مواجهة الخليفة العثماني , جميعها لم تأتي أكلها , لأنها قامت على أساس الخيانة ونقض العهود , مما جعل من الملك المرتقب يعيش منفياً في قبرص عندما نبذه أصحابه من الغرب .

إن على شعب القطيف والاحساء ان يعي ذلك ويعلم بان أمريكا لا تقف إلى الأبد مع حليف ضعيف اشمأزت من سلوكه الشائن , وتنذر الأيام بسقوطه , فهي لا تعبأ بحليف ضعيف يتربع على عرش كيان خاوي .