الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
توطئة: من غير المستغرب ان يكون كل من حكم العرب وبالاخص العراق ذات يوم وفي الحاضر قد استغرق في ذاتيته حد الاقتناع بكونه الها لايأتيه الباطل من بين يديه، وتصبح صورته في المرآة هي الشيء الوحيد التي يمكن ان يؤمن به، ليصبح هذا الاستغراق نوعا من التاصيل للعمل السياسي، وبالتالي فان هذه الذاتية ستنعكس على المنهج الحزبي ليصبح الحزب الحاكم هو الاخر مجلس آلهة اعضائة القيادات مرة، أو العائلة مرة أخرى، مادام الشعب منشغل على الدوام بلملمة الجراح، أو بمحاولة مسح الدماء من على الارصفة والجدران بعد كل تفجير (ارهابي). فالسلطة تكون مهتمة كثيرا بان تشغل رجل الشارع بهمومة ولقمة العيش لتتفرغ لمزيد من التسلط، وبالتالي تتمكن من ترسيخ مفاهيم قيم (المركزية)، (الحزب الواحد)، (ديمقراطية الحزب الواحد) وغيرها من هذه المفاهيم التي تعرف عليها الشعب في عصر البعث البائد وربما (العائد) على يد مفكري الديمقراطية المعاصرة.جمود الفكر السياسي المعاصر:شكل الجمود الفكري لحزب البعث في كل من العراق وسوريا نوعا من الارتداد الداخلي، مما أدى إلى تحول البعث إلى حزب العائلة أو الشخص الواحد، وبالتالي لم يتمكن من طرح مناهج تطويرية وإنمائية تساعد في البناء الخدمي للشعب، وقد تم تغليف هذا الاخفاق بالتحول نحو الحروب والصراعات المحلية والداخية كمحاربة كل نشاط حزبي في العراق باتهامه بانه يمثل قوى سياسية خارجية، والتضييق على الحريات الفكرية، غير اننا في مرحلة التحول الحاصل يصبح من ضيق الافق الاستمرار في تعليق اخطاء الحاضر على سياسات الماضي الخاطئة والمنحرفة. فالانجرار للتحول من فكرة الفيدرالية إلى حكومة المركز يمثل نوعا من الارتداد الفكري، وبالتالي هو محاولة لتجريد الدستور من فكرة الفيدرالية والعودة إلى منهجية الحكومة المركزية مما سيؤدي إلى اضعاف الحكومات المحلية على حساب المركز وهذا بدوره لايخدم فكرة التعددية التي طرحت منذ بداية التحول الجديد.
لاشك ان ادارة عملية الصراع يجب ان تتم وفق النظم الدستورية وليس وفق (قوانين ارتجالية) تخدم مصلحة حزبية آنية، وقد حدثت مؤخرا الكثير من هذه القوانين الارتجالية ادت إلى تجريد بعض الفائزين بالانتخابات المحلية من إمكانية توليهم مناصب قيادية كما حدث في كربلاء وغيرها، والاغرب من ذلك ادعاء رئيس الوزراء بانه لايعلم او كما في قوله (لا ادري) بهذه التجاوزات والارتدادات القانونية والتي ادى الكثير منها إلى عودة الارهاب وقتل الارواح وهدر الاموال. وقد نشر موقع سوا عن كلمة المالكي الاخيرة في المؤتمر التأسيسي لمجلس شيوخ عشائر العراق:
"قانون العفو ومع الأسف حصلت فيه بعض التغييرات على التشريع الذي كتبته الحكومة، وكانت سببا في العفو عن الكثير من المفسدين أحدهم يواجه 24 تهمة بفساد حصل على العفو. وبسبب كلمة واحدة أضيفت غفلة أو عمدا. أنا لا أدري، ولكن تسببت بإطلاق سراح كبار الإرهابيين من قادة المنظمات الإرهابية. لكن هذه ستصحح مرة أخرى على قاعدة أن لا حماية لمفسد وإرهابي في قانون يشرع أو في قوة سياسية مشتركة في الحكم".
من هنا نلاحظ تحول بعض اجهزة الاعلام لتصبح اجهزة شبه رسمية بعد أن بدأت بمشروع اعلامي استقلالي حر بعيد ان التوجهات الحكومة، وهو نوعا آخر من الارتداد الفكري، إذ ان ارتباط الاعلام بالحكومة المركزية سيعني محاولة تبرير اخطاء الحكومة وتمرير سياساتها عبر برامج اعلامية موجهة، مما سيعني فقدانها لمصداقيتها في نشر الخبر الحر، او ان تقدم تحليلا موضوعيا بعيدا ان التجاذبات السياسية.
إن استعمال الاعلام لتأليه السلطة عبر كيل المديح لقياداتها يمكن ان يصبح مؤشرا خطيرا للتاسيس لعصر جديد من الدكتاتورية، وبالتالي يمكن يصنع فجوة كبيرة بين الشعب والقيادة، وذلك ناتج عن اخفاقات السلطة وعدم مصداقيتها، فالمالكي ادعى ان الاتفاقية الامريكية – العراقية ستخرج العراق من تحت طائلة الفصل السابع، وعلى الرغم من كل الكلام الدائر فان العراق لايزال تحت الفصل السابع، بل ان الكويت التي ساعدت في تدمير العراق لسنوات طويلة ترفض اخراج العراق من الفصل السابق قبل ان تستلم ما تدعيه تعويضات عن جرائم قام بها النظام السابق، واليوم يقول المالكي ان (وثيقة العهد) ستخرج العراق من الفصل السابع، فاين هي المصداقية يا رئيس الوزراء؟
لاشك ان التلاعب بالالفاظ، ومحاولة تصدير الاحكام من موقف لاخر، واتساع هوة الفساد والافساد ما هو إلا مؤشر اكيد على اهتزاز السلطة وعدم كفائتها الادارية والساسية، وإلا ما معنى ان تبقى بضعة وزارات بدون وزير؟ ما قيمة رئيس الوزراء إذا لم يكن قادرا على التحكم في وزرائه؟ طبعا ذلك لم يكن ليحدث لولا هؤلاء الكتاب ممن يمتدح رجال السلطة في الحل والترحال ومحاولة تاليههم، ووضعهم فوق الشعب، في حين ان الشعب هو من اوصلهم لهذه المناصب، إن عشرات النواب ممن هرب بمليارات الدولارات سيبقون بعيدا عن المسائلة، ومن قبلهم عدد من الوزراء ونوابهم، والكثير من رؤساء المؤسسات في مختلف القطاعات، أما المشاريع وحركة الاعمار فقد برهنت عدد من المحافظات على انها اكثر كفاءة من حكومة المركز في ادارة الشؤون الداخلية للمحافظات، حيث يمكن ملاحظة حركة اعمار معقولة قياسا إلى تأخر النشاط العمراني والخدمي في بغداد.
النزعات الشخصية في السلطة:
يقول علماء النفس : " أن تنامي الفردية والنرجسية هي نتاج للسلطة والمال "، قد لاتنطبق هذه المقولة على كل رجال السلطة، لكنها بالتأكيد تنطبق على اكثر من 90% منهم، فمثلا نجد ان الرئيس الايراني احمدي نجاد يرفض استلام راتبه كرئيس للدولة وفضل الابقاء على راتبه كاستاذ جامعي، نجد ان رجال السلطة في العراق يقفون على العكس، بل ان البرلمانيين يتنافسون في تشريع قوانين ترفع من مدخولاتهم الشهرية على حساب رجع الشارع، أما الذين ضربوا اصحابهم في قمة السلطة وتنادوا باهمية الصيغة التوافقية وبانها المنهج الوحيد للحكم في العراق فقد تراجعوا الان بعد ثبوت فشل هذا المنهج في حين أن الاصل في المنهج الديمقراطي هو اتباع نظام الاصوات. إن فشل مفهوم الديمقراطية التوافقيه يعكس ذلك سلبية هذا المفهوم في التعامل مع الواقع، فاشراك الكتل الضعيفة في السلطة والتي لم تحقق نتائج متقدمة في الانتخابات، أو تلك التي حملت تاريخا دمويا منذ سقوط الصنم كانت تجنيا على الناخب الحقيقة وافسادا للديمقراطية التي تنادوا بها، وظهور نزعات شخصية ومحلية ساعدت على تقويض العمل السياسي الحقيقي، والان نرى المالكي وبعد كل ذلك يقول انه يدعو للتصحيح! فلماذا لم يتم التصحيح منذ البداية وكما اشرنا عليكم؟ لماذا سمحتم للكتل الاجرامية ان تصل للسلطة والبرلمان وتعمل على تقويض العمل من الداخل؟ الم يعترف صالح المطلك والدليمي والهاشمي انهم دخلوا العمل السياسي لانهاك العملية السياسية وتقويضها أو على الاقل منعها من تحقيق نتائجها؟ كيف سمحتم لهم بالبقاء كل هذه السنوات؟ من يتحمل منكم وخاصة المالكي كل الدماء التي سالت بوجود هؤلاء في السلطة؟ بالتأكيد كان ذلك لم يتم لولا هذه النزعة الشخصية بالتسلط والرغبة الجامحة في الحكم على حساب الاخرين.
تأليه السلطة:
من أكبر الاخطاء السياسية هو وضع السلطة فوق الشعب، فالسلطات في الانظمة الديمقراطية تعتبر جماعات خدمية تعمل لتنفيذ قرارات يقرها الشعب (عبر البرلمان ونقصد به برلمانا نزيها وليس فاسدا) تصب في مصلحة الشعب، أما أن تصبح هذه الاسلطة عبئا على الشعب وتستخدم صلاحياتها للاضرار بمصالحة الامة فانها تعتبر فاسدة وغير صالحة للاستمرار في الحكم، وقد شاهدنا هنا في بريطانيا كيف تم اجبار السياسيين الفاسدين على الاعتراف امام الامة وعلى شبكات الاعلام، ثم طردهم خارج العمل السياسي وتغريمهم مبالغ مالية تم الاعتراف بها، بل ان احزابهم السياسية لم تكن قادرة على حميايتهم لانها لو فعلت لخسرت مكانتها في العمل السياسي.
أما نحن في العراق (فيا لله ويا للسلطة)، فالفساد على مستوى الوزراء والبرلمانيين، والسلطة تحاول حمايتهم مرة بحجة العمل الحزبي، ومرة بحجة التوافق وتطييبا لمشاعر الاخرين، أما رجل الشارع ودافع الضرائب الذي ينتهك صوته، وتستباح حرماته يوميا، ويفتقد ابسط الخدمات الانسانية، فله الله وعليه الصبر والانتظار، وقد يمر صيف وشتاء، ويعود صيف وشتاء والوقوف على محطات البنزين والغاز هو هو وكأننا تنتج الرمال والغبار لا النفط والغاز، العالم من حولنا يتقدم بخطوات واسعة، ونحن إن سرنا نسير كالسلحفات العرجاء.
ندائي للسياسيين: أحملوا اوراقكم واتركبوا المكاتب لمن يستحقها، حاولوا ان تكونا رجالا مرة وان تعترفوا انكم لاتفقهون في علم السياسة وزلا في مناهج الحكم إلا ماعلمتكم إياه استاذتكم السابقة (كوندليزة رايس)، حاولوا أن تدركوا قيمة الامة، فالامة اقوى من السلطة، ولولا الامة لم تكن السلطة.
الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيرئيس ومؤس الاتحاد الشيعي العالمي (أتشيع)dr-albayati50@hotmail.co.ukالمملكة المتحدة – لندن6 / حزيران / 2009
https://telegram.me/buratha
