باسم طيبا
كان الإعتقاد بأن إسقاط نظام صدام حسين كفيل بأن يجعل حالة العداء ما بين العراق وجيرانه العرب تتهاوى، وكان ظناً آخر يلاقيه بأن هذه الدول ستعمل بعد سقوط نظام صدام على إحتضان العراق ومساعدته لبناء دولة على النموذج الذي يطمئنها ، ولكن سرعان ما بدا عكس الظن، فبعد أن إرتفع الحصار بسقوط نظام البعث و كان قد بدأ بعد حرب تحرير الكويت، حل مكانه حصار من نوع آخر فرضه بشكل أساسي النظام العربي المحيط. دول ترفض الإعتراف بالعملية السياسية القائمة ووضع جديد أستطيع إدعاء أن للعراقي حيّز مشاركة كبير ضمنه لم يرق لها، ودول أخرى ثبت عندها بالوجه الشرعي السلطاني أن فئات هي الأوسع في العراق أجنبية عنه، ودول أخرى باقية تطالب شعب العراق بديون وتعويضات بالمليارات واضعة شروطاً عليه ، وتطلق العنان لديبلوماسييها أن يولوا وجههم شطر واشنطن حتى يبقى العراق رازحاً تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، كما الموقف الكويتي الأخير.
وكان العراقيون ينتظرون، حسب ما عبّرت وسائل إعلام حكومية، من الأشقاء الكويتيون إطفاء الكثير من الديون والتعويضات بوصفها ديوناً بغيضة ما زال الشعب العراقي بعاني من إنعكاساتها، نتيجة لطيش النظام السابق وتلاعبه بمقدرات ومستقبل العراق والدول المجاورة خاصة، وأن العلاقات بين البلدين -في عهدها الجديد- يفترض أن تنطوي على نسيان آلام الماضي، وما حفل به من أخطاء وتجاوزات لفتح صفحات جديدة مشرقة من التعاون والتفاهم والمحبة على الأمد البعيد.
ولأن ما يجمع بين الكويت والعراق مآس مشتركة ذيّلها صدام بتوقيعه على الدولتين والشعبين، فإنه من غير المحبّذ أن تتفاقم السلوكيات الخطابية كل تجاه الآخر بناءاً على هذه القضايا التي يمكن للحوار والإجتماع والعلاقات الطيبة أن تجلب لها حلاً ، يعكس عمق العلاقة التاريخية بين الطرفين، ويعكس إعتراف الكويت بأن الشعب العراقي لا يتحمّل مسؤولية ممارسات النظام البائد، بينما قد يكون الكويت نظاماً – سامحه الله – مسؤولاً عن إسناد النظام السابق في فترات سابقة أكثر من تحمّل وزرها ترهيباً ومجازراً بحقه هو الشعب العراقي. ولا شك أن المطلوب في هذه القضايا من الكويت يفوق ما هو مطلوب من العراق الذي تقع عليه مسؤولية طمأنة جارته وخاصرته ، وهو ما فعله الجانب العراقي بتأكيده اهتمام العراق وحرصه على إغلاق الملفات العالقة مع دولة الكويت، ورغبته الثابتة والأكيدة في تطوير العلاقات مع شعبها، بما ينهي تبعات المرحلة السابقة وتأثيراتها على تطور العلاقات بين البلدين . لذلك، فإن على الكويت أن تنظر بعين المصلحة الذاتية ومصلحة الشعبين إلى الملف العراقي، ليس على طريقة ما جاء تحت عنوان العراق مطالب بشحذ الصداقات لا استعداء الآخرين في أحد الصحف الكويتية، بل إن ذلك يكون بآراء حكيمة من مثل تلك التي إطلعت عليها من أحد رجال الأعمال الكويتيين الذي كتب في جريدة "النهار اللبنانية" قبل أيام " عندما ينظرمثلا إلى مسألة التعويضات من نافذة محاسبية ضيقة، فإنه من مصلحة الكويت الإصرار على تحصيل مبالغ التعويضات والديون العراقية.
أما إذا نظرنا إلى أن التنازل عن هذه الديون أو ابداء مرونة حول التعويضات يساهم في استقرار العراق وفي بناء علاقة اقتصادية وسياسية، وأن ذلك يدعم الازدهار الاقتصادي في العراق والكويت معا، فإن مصلحة الكويت تقضي بالتنازل عن الديون وابداء المرونة في موضوع التعويضات. لكن المشكلة تكمن في أن الخيار الأول القاضي بتحصيل الديون والإصرار على التعويضات سهل القياس. فهو مبلغ محدد من المال، أما الخيار الثاني والذي يفضل استقرار العراق وبناء علاقة اقتصادية وسياسية متينة معه، فإنه صعب القياس، إنما يدرك قيمته أكثر أصحاب الرؤية الإستراتيجية ..)). فالنظرة الإستراتيجية هي التي تحكم تعامل الكويت مع العراق في هذه الملفات، وكذلك تعامل أكثر الدول التي بينها وبين العراق تفاعل سياسي تطمح من خلاله إلى تحقيق المصلحة الذاتية.
باسم طيبا / لبنان
https://telegram.me/buratha
