احمد سالم ــ دبي
هل التحالفات السياسية الجديدة التي تبلورت بعد الانتخابات الاخيرة في الانبار هي تحالفات وطنية ام هي في جوهرها عمليات مضاربة تستهدف الخروج بأكبر المكاسب الاقتصادية والاستثمارية ولو على حساب الناس والتنمية وحاجة العراق الى التطور والعافية؟. ما الذي يجري بين احمد ابو ريشة ورئيس حزب المستقبل نائب رئيس الوزراء الدكتور رافع العيساوي.. هل الذي يجري وطني خالص أم أن المسألة لا تعد و كونها صفقة يتولى فيها العيساوي وأبو ريشة اعطاء الأولوية لشركة (دانا غاز) للتنقيب في حقول عكاز في الأنبار جرياً على قاعدة كردية تقوم على أساس استخراج الثروة النفطية والغاز دون الرجوع إلى مرجعيات الدولة بحجة إعمار المنطقة فيما واقع الحال لا علاقة له بأهداف اجتماعية أو هموم اقتصادية بقدر ما هو استثمار لزيادة غلة الرصيد السياسي بزيادة الاستثمارات والثراء غير المشروع على حساب الأنبار!!.
كيف يمكن استثمار (عكاز) دون أخذ موافقة مجلس الوزراء العراقي كما جاء في لوائح الدستور.. هل باتت الثروة العراقية في الانبار وكركوك وعموم المناطق الكردية المحشوة بالنفط والغاز والفوسفات عرضة لابتزاز السياسيين وزعماء الأحزاب السياسية الذين يمارسون سياسات فرض الاتاوة على الدولة (على طريقتهم) بعد أن كانوا في السابق يفرضون الأتاوات على الطريق الدولي بين العراق وسوريا والأردن؟.صفقة "عكاز" بين العيساوي وأحمد أبو ريشة أتاوة تندرج في اطار حالة عشائرية تقول بأن الزعيم القبلي له الحق في التصرف بالمال والثروة الوطنية في المنطقة الخاضعة لسيطرته دون الرجوع للدولة أو العودة للمرجعيات ذات الصلة بالشأن الاقتصادي.
فهل هي خطوة انبارية لتقليد النموذج الكردي واستلهام مبرمج للنموذج الأفغاني بحيث نتوقع في القريب نمو قبائل وتجار سلاح يمثلون طبقة سياسية ما ولديها مطالب وأهداف وأجندة ليست بعيدة عن اهتمامات اقليمية (قد) لا تريد الخير بالضرورة للعراق وعمليته الوطنية؟."
مشكلة السيد أحمد ابو ريشة هي في "الخلط" بين ما هو شخصي خاضع لمعايير القبيلة والجاه والسلطان العشائري وبين الوطني الخاضع لشروط المصالح القومية العليا... وإذا ما علمنا ان حقول عكاز ليست (إرثا عائليا) فإن الذهاب إلى الإمارات العربية المتحدة والجلوس مع شركة (دانا غاز) هو ممارسة تقع في باب (التحريم الوطني) أي أن أبو ريشة أخطأ الخطوة لأنه أساء للشروط الدستورية والحياة الوطنية وبروتوكولات الدولة وصيغ التعاقدات الرسمية. هل يعي الرجل المسافة بين العام والخاص.. هل يدرك أن الأنبار ليست قندهار أو بيشاور وأن العراق الحالي عراق ديمقراطي يتمتع بكامل شروط الدولة الدستورية العادلة وهو وأتباعه يتحدثون ليل نهار عن العملية السياسية والعدالة واحترام السيادة الوطنية وإقامة نظام يخرج الدولة من مناخ المحاصصة الطائفية وروح القبلية المقيتة والدستور والكيان الوطني والدولة الحديثة؟.
إن ما جرى يقع في اطار محاولة قبلية للعودة بالدولة الى سلطة العشائر الافغانية والاحتكام لدستور الأتاوات وربما هي محاولة أولى لاشعار الحكومة العراقية والولايات المتحدة الامريكية وكل الكبار المعنيين بالمسألة العراقية أن ابو ريشة الذي يحكم الانبار هو الشقيق الشرعي للسيد مسعود البرزاني حاكم اقليم كردستان وأن الانبار هي كردستان العربية القادمة!.
هنا اتسائل..هل كان الشيخ عبد الستار ابو ريشة يقاتل من اجل الفوز باستثمار حقول عكاز حين اطلق صحوة الانبار وقاتل القاعدة أم أن الرجل كان لديه مشروع آخر توضحت تفاصيله وبانت معالمة السياسية في سياق ثوري وطني له علاقة بمطالب الناس في الحرية من هيمنة العناصر المجرمة والاسهام ببناء الدولة العراقية الحديثة؟.وامضي بالسؤال إلى آخره فأقول.. من الذي ورط الشيخ احمد ابو ريشة بالمضي في مشروع يسيء لمجمل انجازات (العائلة) التي تصدت للإرهاب ونظفت الطريق العام الدولي بين العراق وجيرانه في وقت كانت أغلب عشائر الانبار لا تتحرك الا بفتاوى امراء القاعدة وساهمت في تأصيل الأمن وقيام سلطة القانون؟.إن الجري بقوة وراء (عقد) استثماري وبهذه الطريقة التي فيها مساس جارح بكرامة الدولة العراقية يضع علامة استفهام كبيرة على الاهداف والغايات السياسية والاستثمارية والانتخابية التي يقودها أبو ريشة وربما يضع علامة استفهام اكبر على الغايات الاستراتيجية العليا التي قامت عليها (حركات الصحوة) في عموم المناطق الغربية. وقد يمر سؤال في خاطري يلمع فكرة سريعة على الطريق السريع ما بين الرمادي وبغداد.. هل الصحوات التي قامت في المناطق الغربية حيث رافقت العملية السياسية بهدوء وتابعتها بالدعم والشفافية والمشاركة في الانتخابات والافادة من دعم الدولة وحمايتها لها هي تعبير عن (حلم طائفي) يتعكز على أساس قيام اقليم غرب العراق على غرار اقليم شمال العراق؟.
إذا كانت كردستان العراق غنية بالنفط والفوسفات والغاز الطبيعي كما تقول تقارير دولية وفي ضوئها قامت الفيدرالية الكردية فإن الانبار ستكون بعقد استثمار حقول عكاز وفي خاطر أبو ريشة ورافع العيساوي عاصمة اقليم غرب العراق. الواضح أن زعماء من هذا الطراز في الانبار وبهذا العقد الذي سيبرم في الايام القادمة يستهدفون بنية الدولة لا استثماراتها ومستقبل وحدة التراب العراقي لا الفوز بعقد مع شركة واستقلال الوطن لا الخروج على قواعد اللعبة الوطنية. والا هل هناك عاقل يصدق ان شقيق عبد الستار ابو ريشة الذي أدب الارهاب يسيء الادب مع الوحدة الوطنية والاستقلال والحرية وكرامة الدولة العراقية ويعبث في دبي بأصول التعاقد السياسي والاخلاقي مع ابناء الصحوة الذين تحركوا تالياً ضد القاعدة اختصارا لزمن المعاناة وقيام الدولة الوطنية العادلة؟.
ربما تكون تجربة اقليم كردستان والانقلاب على العملية السياسية من قبل الكثيرين من زعامات الاقليم والاستفراد بالثروة وتكوين طبقة من التجار والمستثمرين ومستهلكي الافيون هي التي اغرت أبو ريشة والعيساوي رفع غلة المفاجأة ومداهمتنا في بيوتنا بمشروع كهذا وقد يلتقي الزعماء الأنباريون بزعماء الحركة الكردية للتفاهم على عقود استثمارية تتعلق بالغاز والنفط لمواجهة التحدي القادم المتمثل بوجود سلطة مركزية في بغداد لاسيما وأن (الاستعداد) موجود لدى زعامات الغرب والشمال.. والعودة للتاريخ القريب من الغرب تكشف حجم هذا الاستعداد حيث لم تكن هناك دولة لسنوات بعد التاسع من نيسان 2003 وفي الشمال عبر سنوات طويلة من المعارك والدم والضحايا والحرق بالكيمياوي وعشرات الآلاف من القتلى من العرب والكرد والتدخلات الأجنبية التي اساءت للعراق وشعبه وامنه.
السؤال الأخير...هل سيسمح الانباريون العراقيون أن تتحول مدينة النخيل والماء إلى صحراء تعوي بها ذئاب الاجهزة الامنية العربية والاجنبية وشركات الآخرين التجسسية وتصبح اشهر مدينة عراقية في الغرب السيادي اشهر حقل لمصادرة الهوية الوطنية ويكون العبث بالسيادة نظرية عمل يومية حيث يستفيد الزعيم القبلي من العائدات ولا يعود إلا الحصرم لأبناء القبائل؟.
إذا كان الأكراد هم الذين افسحوا في المجال أمام مبادرات تفتيتية من هذا النوع لبعض زعماء العرب السنة في الانبار فإن الانباريين وهم اصل القبائل المستوطنة على ضفاف الفرات لن يسمحوا حيث سمح الشماليون ببناء سلطة الأفيون.وإذا كان الهم القومي عند الشماليين غالى في توصيف الدولة الكردية الصامتة التي أنشأها في الاقليم الوطني ووجد قبولا دوليا لحاجة في نفس يعقوب والمشروع التفتيتي فإن الحس القومي عند الانباريين هو الذي سيقرر قيامة هذه العقود التي تبدأ بعكاز في دبي ولا تنتهي برهن السيادة الوطنية بيد صغار وكلاء الشركات الغربية.
إن الجنوبيين في البصرة والعمارة والناصرية والديوانية ومجمل مدن الفرات الاوسط لم يرهنوا حقول الغاز والنفط خارج الحدود حتى تقوم القيامة في المناطق الغربية ضدهم واتهامهم بتقسيم العراق وكل الذي طالبوا فيه اجراءات دستورية قادرة على توزيع الثروة بشكل عادل ولم يتحدثوا يوماً عن وطن بلا سيادة ووحدة وطنية وهمية، إن هذه المدن هي مدن الموت والبؤس والصفيح والجوع ورغم كل الذي عانته هذه المناطق إلا أن ابناءها تمسكوا بوحدتهم الوطنية ولم يفرطوا بترابهم الوطني مع أنهم إذا ما افصحوا عن سرهم فإن ابسط الحقوق على الدولة الانفصال عن المركز لأن لديهم كل المبررات الاجتماعية والسياسية والنفسية لذلك.
إن الحديث عن الفيدرالية لا يجب أن يتوقف أبداً في اجندة ائتلاف دولة القانون وفي اجندة كل القوى الوطنية في البلاد لأن الفيدرالية على الاقل افضل من نظام القبائل التي تتعكز بشكل شخصي على الثروة الوطنية دون استئذان من الدولة لهذا هناك من يهمس في أذن قادة البلاد الشرعيين وفي مقدمتهم ائتلاف دولة القانون وقائمة شهيد المحراب وكل القوى الوطنية المخلصة للعراق وشعبه أن افضل خطوة يمكن ان تقدم لشعبنا واسمى انجاز يمكن ان يترجم وحدتنا الوطنية هو الايمان بالفيدرالية نظاما اجتماعيا واقتصاديا قادرا على إحياء قيم التعايش والتنمية والتطورلكيلا يرهن الوطن بيد تجار القبائل وتتحول مقدرات العراقيين الى (قلائد) بيد نساء الامراء ومعاصم الفتيات في ليالي دبي وسمر الغنج في الدوحة الشقيقة !.
https://telegram.me/buratha
