المقالات

المصالحة الوطنية ... خارطة طريق


د. كاظم الجنابي

فرصة تاريخية ستتوفر امام العراقيين بكافة اطيافهم خلال الشهور القليلة القادمة بالتزامن من حدثين مهمين يمثلان منعطفا لايقل اهمية عن الاحداث الكبيرة التي مرت في تاريخ العراق ومنها احداث 2003. الحدث الاول هو زوال الجزء الاكبر من الاحتلال بسلبياته وايجابياته، والحدث الاخر هو الانتخابات الاهم في تاريخ العراق واقصد هنا الانتخابات النيابية عام 2010 والتي مقدر لها ان تغير الخارطة السياسية وما يتبعها. حدثان لابد للعراقيين ان يستثمروهما افضل استثمار لتعزيز بناء الدولة ومؤسساتها والخروج من دائرة الخطر الذي لا زال يهددنا رغم تراجعه وانحسار اسبابه.

بعد عقود من الزمن اصبح للعراقيين دستورهم ومؤسساتهم، نمت بذور الديمقراطية، اعلام حر، قضاء مستقل، مؤسسات التداول السلمي للسلطة، انتخابات حرة ونزيهة بكل المعايير، ومؤسسات قائمة على خدمة المواطن والوطن. ولكننا لانزال منقسمين على الكثير من المباديء والمفاهيم وعلى صورة العراق القادمة ومنهجه أهو اسلامي ام ليبرالي ام عروبي ام علماني، اشتراكي ام راسمالي ام هو خليط بين كل هذا وذاك. ولا زلنا مختلفين على من يقود الدفة وكيفية قيادتها رغم اننا الان احرار في قول كلمة الفصل في ذلك.

بعد اكثر من ثلاث سنوات على الانتخابات البرلمانية السابقة يمكننا الان ان نلخص ملامح هذه الفترة بما يلي:1. اصبحت اغلب الاطراف داخل العملية السياسية وبعض ممن هم خارجها على قناعة تامة بان العودة الى المربع الاول او اعادة الامور الى ماقبل 2003 بات مستحيلا.2. العملية السياسية ومؤسساتها ومؤسسات الدولة اصبحت متجذرة في جسد الدولة العراقية الحديثة.3. نضوج مؤسسات الدولة وقدرتها على معالجة الازمات وخصوصا الامنية منها.4. اطراف العملية السياسية باتوا اكثر خبرة في ان يكونوا رجال دولة.

فما هو المطلوب من جميع الاطراف التي تعمل لمصلحة العراق او على الاقل تدعي بذلك؟

لقد جرت محاولات صادقة وجادة في مجال المصالحة الوطنية، وانخرط الكثير من الاطراف في العملية السياسية، ولكون الجروح عميقة وغائرة في جسد العراق والعراقيين فلا زال امامنا الكثيرلانجازه في هذا المجال. ونظرا للتعقيد الكبير الذي يغطي البنية السياسية والمجتمعية العراقية فمفهوم المصالحة يتخذ الاشكال التالية:1. المصالحة بين المكونات الداخلة في العملية السياسية والتي تتعارض بل وتتضارب مصالحها والتي تطغى في الكثير من الاحيان على المصالح العليا للوطن.2. المصالحة بين عناصر المكون الواحد والتي ترجع اسبابها الرئيسية الى عدم تجانس تلك المكونات وعدم وضوح اهدافها وبرامجها اضافة الى المصالح الضيقة، حيث انه يمكننا ان نرى الصراعات والتجاذبات داخل الكيانات الكبيرة والتي سرعان ماتطفو على السطح مع كل انعطافة في العملية السياسية او ازمة سياسية او غيرها.3. المصالحة بين الدولة ومؤسساتها من جهة مع الاطراف خارج العملية السياسية من جهة اخرى، وهذه الاطراف على شقين: الفئة الاولى وهي تلك التي لاتؤمن بالعملية السياسية ولكنها تمارس العمل السلمي في معارضتها. الفئة الثانية وهي تلك التي تعارض بشكل مطلق العملية السياسية وتحاول اسقاطها بجميع الوسائل وبضمنها النهج المسلح.

ومن الواضح والمعروف لجميع الاطراف، ان آلية تداول السلطة التي يتمتع بها نظام الحكم الجديد في العراق ومفاتيحه المتمثلة بالانتخابات وصناديق الاقتراع تعطي الى الجميع وزنه وثقله في المجتمع العراقي والعملية السياسية رغم عدم نضوج التجربة بشكل كامل، والامر الثاني ان الجميع يخرج رابحا فيها اذا كان هدفه خدمة العراق. ولكوننا على ابواب الانتخابات والتي تعتبر فرصة هائلة لخلق اجواء مصالحة قد لاتتكرر هذه الفرصة لسنوات طويلة كما انها تعتبر فرصة ممتازة لاسقاط الذرائع والحجج عن اولئك الذين يرغبون ويعملون على اجهاض العملية السياسية واعادة الامور الى الماضي السيء. والمطلوب من الدولة والقوى المتنفذة والحاكمة مايلي:1. توسيع حلقة الاطراف التي تشملها المصالحة.2. تطمين الاطراف بجدوى الدخول في العملية السياسية.3. تفعيل دور الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني والعشائر وغيرها في ابراز وتطوير مفهوم المصالحة الوطنية. 4. تاجيل النظر في النقاط الخلافية.5. الاسراع في اصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالاحزاب والمنظمات وغيرها.6. تهيئة الظروف المادية والمعنوية والتشريعية لاعادة المعارضة الى الصف الوطني.7. تهيئة الظروف لاشراك الجهات المعارضة في الانتخابات القادمة لتاخذ دورها الذي تستحق.

اما دور الاطراف المعارضة فيتلخص بما يلي:1. المساهمة في ابعاد وعزل الاطراف الهدامة لمستقبل العراق وخصوصا التنظيمات الارهابية. 2. تبني الدور المعارض السلمي الايجابي.3. الدخول بكل ثقلها في العملية الانتخابية القادمة.

يتسائل البعض كيف نتصالح مع "اعداء الشعب والعراق"، والجواب الم تتم المصالحة مع الصحوات والاطراف الاخرى التي احتضنت بل ومارس بعضها الارهاب ذاته؟الم يتحول ابناء العراق الى قوى داعمة للامن يتقاضون رواتبهم من الدولة العراقية؟ الم يتغير قانون اجتثاث البعث الى قانون المسائلة والعدالة والذي نراه شبه مجمد الان؟ الم يتواجد البعثيون في البرلمان الحالي وجميع مرافق الدولة ومؤسساتها؟ الم يشمل قانون العفو العام جميع الفئات حتى تلك التي مارست القتل والارهاب والفساد والعبث بالمال العام؟

واخيرا انها فرصة تاريخية امام جميع الاطراف التي تعمل لصالح العراق وتلك التي تدعي ذلك لطي صفحة الماضي والتفكيرفي البدء بالمساهمة في بناء البلد ومؤسساته، ونقول كلما دخلت فئات من المجتمع العراقي في العملية السياسية والعمل في وضح النهار وفي داخل العراق كلما اشتد ساعد الدولة واستطاعت استيعاب فئات اخرى من المجتمع.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك