المقالات

اعدادية الكاظمية

4411 17:54:00 2009-05-27

عدنان شيرخان

كنت اعني عندما تحدثت عن ظاهرة العنف في المدارس حالات تحدث هنا وهناك، شخصت كما اشر غيري الى ان الجو العام السائد في البعض من المدارس لا يتماشى مع التغيير المنشود في العلاقة بين المدرس وطلابه، ونحن نستخدم مفردات وعبارات لم تكن متداولة قبل تغيير العام 2003. نريد ونسعى ونحلم بأن يتحول المجتمع العراقي الى "مجتمع مدني" تجد مفردات الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والشفافية من يدافع عنها ويؤسس قاعدة عريضة لتسود فينا. كتبت عن احوال التعليم هذه الايام، وانا اتذكر بحسرة ايام خلت عندما كانت المدارس غير تلك التي نراها اليوم، والمدرسون الذين كانوا اخوة كبار واصدقاء للطلاب.

كانت اعدادية الكاظمية واحدة من اكبر واعرق خمس اعداديات في بغداد، تجتذب الطلاب من مناطق مختلفة، فيها من الصفوف ما يقارب احرف اللغة العربية، فيها مدرسون عمالقة، اعلام شامخة في العلم والتربية والاخلاق. لم اشهد او اسمع ان المدير اومعاونيه او احد المدرسين رفع يده على احد الطلاب، كان مثل هذا الفعل بعيدا للغاية عن الجو والسياق السائد في المدرسة، كان المدرسون قدوة لنا في كل شيء، فهل من الممكن ان يكون المدرس الذي يصفعك ويشتمك ويهينك ان يكون قدوة لك.

كانوا يعاملوننا ويتحدثون الينا وكأننا نظرائهم، كنا نتبادل معهم الكتب، وليس من الصعوبة ايامها الاستدلال الى سيادة موجة قوية للقراءة والاطلاع ومعرفة المزيد والتعمق، واعتقد ان الطبقة الوسطى التي كانت في اوج قوتها وشموخها هي السبب. قضيت في اعداية الكاظمية مرحلة الاعدادية، طبق علينا ولاول مرة نظام الرابع العام الذي عارضناه بشدة وخرجنا متظاهرين نشتم وزير التربية لانه آخر وصولنا للجامعة سنة كاملة، كان ذلك في العام الدراسي 1968/1967، كان البلد يغلي كقدر وضع على نار هائجة، وقع هزيمة حرب حزيران 1967 المريرة مع اسرائيل هزالجميع بعنف،

 كان المدرسون يواسوننا ويواسون انفسهم مرة، ويلهبون عواطفنا ومشاعرنا بشرح واقع الدول العربية البائس، يقرؤون علينا رائعة نزار قباني (هوامش على دفتر النكسة)، التي اصابت ايامها شهرة واسعة. كانت المشاعر الوطنية صادقة وجياشة، واذكر يوم القى الشيخ محمد حسين الصغير قصيدة في جامع براثا بمناسبة دينية اظنها المولد النبوي، انتقد الشيخ الصغير حكومة طاهر يحيى الذي امر بايداعه السجن، بعد ان سمعه يقول امامه (لاتربط الجرباء قرب صحيحة)، في اليوم التالي خرج طلاب مدينة الكاظمية والاحياء المحيطة بمظاهرات عارمة، كنا نخشى من المدير والمدرسين ان لا يسمحوا لنا بالتظاهر، ولكنهم بقوا في الغرفة الخاصة بهم في استراحة الدرس الاول ولم يخرجوا للدرس التالي، ما يعني لنا انهم يدفعونا من طرف خفي للتظاهر، كانت الحناجر تهتف بحماس لم اشهد له مثيلا (محمد حسين الصغير كل الشعب وياك)، ولم يكن العديد من الطلاب يعرفون الشيخ ولا حادثة الامس في براثا، كان الامر يعني للكثير نصرة شاعر شجاع وقف امام رئيس الوزراء، ولكني كنت اعرف الشيخ وعائلته الكريمة، هو ابن الشيخ الجليل العلامة علي الصغير رحمه الله امام وخطيب جامع براثا، وشقيق النائب الشيخ جلال الدين الصغير، لم يكن عنف الشرطة يومها كعنف ايام صدام السوداء، تفرقت التظاهرة بسلام عند جسر الصرافية بعد ان سرت معلومات بأن الرئيس عبدالرحمن عارف امر باطلاق سراح الشيخ محمد حسين الصغير.

في اليوم التالي رجعنا الى صفوفنا، تملؤنا مشاعر الفخر والزهو، وكأننا حققنا للعراق شيئا مهما، وامتدح البعض من المدرسين تظاهرنا تأييدا للشيخ الصغير، وقولهم مثل هذه التظاهرات تنم عن مشاعر وطنية ستكبر وتنمو مع الايام، ولكنها لم تنم ولم يكتب لها ان تكبر، فبعد شهور قصيرة وفي صيف العام 68 ازيح عبدالرحمن عارف عن الحكم بانقلاب عسكري، جاء بنفس العصبة التي سامت العراقيين سوء العذاب العام 63، وسموا انقلابهم بالابيض، وبانهم تخطوا اخطاء الماضي، ولكن احداث 35 عاما وهي عمر النظام لم تكن بأحسن حال من الشهور التي حكموها خلال العام 1963، كانت سنوات الاعدامات والحروب والدمار والمقابر الجماعية.

نكبت مدرستي العزيزة اعدادية الكاظمية، ودخلت سجلات منظمة العفو الدولية، بعد ان اعدمت اجهزة امن نظام صدام جميع طلبة الصف الرابع العام شعبة (د)، بعد ان وجد الطلاب صباح احد الايام عبارة " يسقط صدام حسين" مكتوبة على السبورة، هرع احدهم ليخبر المدير الذي اتصل بسلطات الامن، التي اعتقلت جميع طلاب تلك الشعبة، ونقلتهم الى اقبية الامن، وبعد تحقيق طويل وتعذيب رهيب لم يتم التعرف على الفاعل، فتقرر غلق القضية واعدامهم جميعا، كان عمر اكبرهم لا يتجاوز 17 سنة، حدث ذلك العام 1983، واعدموا حسب وثائق مديرية الامن في شهري حزيران وتموز من ذلك العام، ولم تظهر هذه الجريمة النكراء الى العلن الا بعد سقوط النظام الدموي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو احمد
2009-05-28
حسبنا الله ونعم الوكيل... مو جديدة من البعث الصدامي العفلقي الكافر كل هاي الجرائم تبين مدا خوف صدام واعوانة من طلاب صغار العمل احدهم كتب عبارة بالطبشور
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك