المقالات

اعدادية الكاظمية


عدنان شيرخان

كنت اعني عندما تحدثت عن ظاهرة العنف في المدارس حالات تحدث هنا وهناك، شخصت كما اشر غيري الى ان الجو العام السائد في البعض من المدارس لا يتماشى مع التغيير المنشود في العلاقة بين المدرس وطلابه، ونحن نستخدم مفردات وعبارات لم تكن متداولة قبل تغيير العام 2003. نريد ونسعى ونحلم بأن يتحول المجتمع العراقي الى "مجتمع مدني" تجد مفردات الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والشفافية من يدافع عنها ويؤسس قاعدة عريضة لتسود فينا. كتبت عن احوال التعليم هذه الايام، وانا اتذكر بحسرة ايام خلت عندما كانت المدارس غير تلك التي نراها اليوم، والمدرسون الذين كانوا اخوة كبار واصدقاء للطلاب.

كانت اعدادية الكاظمية واحدة من اكبر واعرق خمس اعداديات في بغداد، تجتذب الطلاب من مناطق مختلفة، فيها من الصفوف ما يقارب احرف اللغة العربية، فيها مدرسون عمالقة، اعلام شامخة في العلم والتربية والاخلاق. لم اشهد او اسمع ان المدير اومعاونيه او احد المدرسين رفع يده على احد الطلاب، كان مثل هذا الفعل بعيدا للغاية عن الجو والسياق السائد في المدرسة، كان المدرسون قدوة لنا في كل شيء، فهل من الممكن ان يكون المدرس الذي يصفعك ويشتمك ويهينك ان يكون قدوة لك.

كانوا يعاملوننا ويتحدثون الينا وكأننا نظرائهم، كنا نتبادل معهم الكتب، وليس من الصعوبة ايامها الاستدلال الى سيادة موجة قوية للقراءة والاطلاع ومعرفة المزيد والتعمق، واعتقد ان الطبقة الوسطى التي كانت في اوج قوتها وشموخها هي السبب. قضيت في اعداية الكاظمية مرحلة الاعدادية، طبق علينا ولاول مرة نظام الرابع العام الذي عارضناه بشدة وخرجنا متظاهرين نشتم وزير التربية لانه آخر وصولنا للجامعة سنة كاملة، كان ذلك في العام الدراسي 1968/1967، كان البلد يغلي كقدر وضع على نار هائجة، وقع هزيمة حرب حزيران 1967 المريرة مع اسرائيل هزالجميع بعنف،

 كان المدرسون يواسوننا ويواسون انفسهم مرة، ويلهبون عواطفنا ومشاعرنا بشرح واقع الدول العربية البائس، يقرؤون علينا رائعة نزار قباني (هوامش على دفتر النكسة)، التي اصابت ايامها شهرة واسعة. كانت المشاعر الوطنية صادقة وجياشة، واذكر يوم القى الشيخ محمد حسين الصغير قصيدة في جامع براثا بمناسبة دينية اظنها المولد النبوي، انتقد الشيخ الصغير حكومة طاهر يحيى الذي امر بايداعه السجن، بعد ان سمعه يقول امامه (لاتربط الجرباء قرب صحيحة)، في اليوم التالي خرج طلاب مدينة الكاظمية والاحياء المحيطة بمظاهرات عارمة، كنا نخشى من المدير والمدرسين ان لا يسمحوا لنا بالتظاهر، ولكنهم بقوا في الغرفة الخاصة بهم في استراحة الدرس الاول ولم يخرجوا للدرس التالي، ما يعني لنا انهم يدفعونا من طرف خفي للتظاهر، كانت الحناجر تهتف بحماس لم اشهد له مثيلا (محمد حسين الصغير كل الشعب وياك)، ولم يكن العديد من الطلاب يعرفون الشيخ ولا حادثة الامس في براثا، كان الامر يعني للكثير نصرة شاعر شجاع وقف امام رئيس الوزراء، ولكني كنت اعرف الشيخ وعائلته الكريمة، هو ابن الشيخ الجليل العلامة علي الصغير رحمه الله امام وخطيب جامع براثا، وشقيق النائب الشيخ جلال الدين الصغير، لم يكن عنف الشرطة يومها كعنف ايام صدام السوداء، تفرقت التظاهرة بسلام عند جسر الصرافية بعد ان سرت معلومات بأن الرئيس عبدالرحمن عارف امر باطلاق سراح الشيخ محمد حسين الصغير.

في اليوم التالي رجعنا الى صفوفنا، تملؤنا مشاعر الفخر والزهو، وكأننا حققنا للعراق شيئا مهما، وامتدح البعض من المدرسين تظاهرنا تأييدا للشيخ الصغير، وقولهم مثل هذه التظاهرات تنم عن مشاعر وطنية ستكبر وتنمو مع الايام، ولكنها لم تنم ولم يكتب لها ان تكبر، فبعد شهور قصيرة وفي صيف العام 68 ازيح عبدالرحمن عارف عن الحكم بانقلاب عسكري، جاء بنفس العصبة التي سامت العراقيين سوء العذاب العام 63، وسموا انقلابهم بالابيض، وبانهم تخطوا اخطاء الماضي، ولكن احداث 35 عاما وهي عمر النظام لم تكن بأحسن حال من الشهور التي حكموها خلال العام 1963، كانت سنوات الاعدامات والحروب والدمار والمقابر الجماعية.

نكبت مدرستي العزيزة اعدادية الكاظمية، ودخلت سجلات منظمة العفو الدولية، بعد ان اعدمت اجهزة امن نظام صدام جميع طلبة الصف الرابع العام شعبة (د)، بعد ان وجد الطلاب صباح احد الايام عبارة " يسقط صدام حسين" مكتوبة على السبورة، هرع احدهم ليخبر المدير الذي اتصل بسلطات الامن، التي اعتقلت جميع طلاب تلك الشعبة، ونقلتهم الى اقبية الامن، وبعد تحقيق طويل وتعذيب رهيب لم يتم التعرف على الفاعل، فتقرر غلق القضية واعدامهم جميعا، كان عمر اكبرهم لا يتجاوز 17 سنة، حدث ذلك العام 1983، واعدموا حسب وثائق مديرية الامن في شهري حزيران وتموز من ذلك العام، ولم تظهر هذه الجريمة النكراء الى العلن الا بعد سقوط النظام الدموي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو احمد
2009-05-28
حسبنا الله ونعم الوكيل... مو جديدة من البعث الصدامي العفلقي الكافر كل هاي الجرائم تبين مدا خوف صدام واعوانة من طلاب صغار العمل احدهم كتب عبارة بالطبشور
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك