مصطفى (كامل) الكاظمي
قال لي الشهيد أبو ياسين (عبد الزهراء عثمان) يوما من ايام 1992: ( ليلة امس منعوني من السفر الى سوريا بسبب مزاجية رجل أمن ايراني رفض تسليمي جواز السفر الدبلوماسي لاداء مهمة سياسية، فصرخت بوجهه: اقسم بالله ما إن يسقط صدام لن تجدني يوماً واحداً في ايران!). والشهيد ابو ياسين اراد من جملته هذه اشعار رجل الامن انه لا يهمه شيء في هذه الحياة سوى العراق. ولما هوى صنم بغداد صدام بن إحصين التكريتي وتصدّع نظامه، غدا أبو ياسين وسط بلده يشحذ همم الغيارى لبناء العراق الجديد واعادة اعمار ما افسده الحكم العفلقي.
خمس سنوات مضت على استشهاد المفكر الاسلامي عز الدين سليم (عبد الزهراء عثمان)، وما خلا العام 2004 الذي استشهد فيه هو ورفيقه الاستاذ الاعلامي طالب أبو محمد العامري، لم نجد الا ندرة مجالس عزاء شكلية للغاية أقيمت على روحيهما الطاهرتين، وبعدها لم نسمع بمستذكرٍ لشخصية ابي ياسين الاسلامية والوطنية، ولم نجد من يذكـّرنا بما قدمه هذا المفكر للدين والوطن الا نشوارٍ قليلٍ ربما رفيق كان يخلص له، صديق ذرف دمعة صادقة لفراقه وكلمات لا تتعدى ترجمة مبتسرة لحياة هذا المجاهد. وربما تقديم آيات عزاء لاهله وبنيه، فوجدت مقالة يتيمة طيلة هذه المدة، واظنها الاخيرة كتبها الاستاذ ابراهيم العبادي في النت فثور في نفسي لوعة الحزن، وحلّق بتفكيري الى ايام الشهيد ابي ياسين حيث عرفناه عن قرب ولسنوات طويلة في مهجرنا بايران منذ العام1982 وحتى العام2002 ففارقناه الى استراليا.
شعرت وانا اتأمل كلمات العبادي انه الوحيد المفجوع باستشهاد استاذه ابي ياسين بعد عائلة الفقيد. اذ كتب سطورا تدمي الفؤاد وتذكر بالبكم الذي أصاب امتنا جراء سياسات أعمت القلوب التي في صدور العراقيين عن تذكر امثال هؤلاء الزعماء العظام. فان اغفلنا البصر عن الدعوة باعتبارها لا تخرج عن الحالة الحزبية العامة التي تمتلك عيناً واحدة لا ترى فيا الا الآنية والمصلحة فقط،! كما لمسنا ذلك من خلال نسيان جل الاحزاب وكذا حزب الدعوة الاسلامية لاحد ابرز قادته ومنظريه الشهيد عبد الزهراء وهو من اعلامه ونشطائه ومفكريه.!
فإن تسالمنا مع الحزب كحزب، واعذرناه للعور في عينه الثانية بنظرته الى شهدائه،! فما بال البصرة الفيحاء؟البصرة.. مدينة الشهيد عز الدين سليم، ما بالها لا تذكره بمؤتمر او ندوة او احتفالية كبيرة أسوة باخيّاتها مدن النجف وكربلاء واربيل اللواتي لم يفترن عن تذكر رجالهن وشهداءهن ورموزهن؟
فهل يعقل ان تحتضن البصرة الى اليوم تمثالا مجلجلا لعدنان خير الله طلفاح وهو رمز من رموز حزب البعث الدموي، ولم تتلمس ابناء البصرة تذكارا لرجل فذ من رجالات الفكر الاسلامي وشهيد وطني غيور ما وجدنا له خطلة في اداء ولا شبهة في تاريخه الذي قضاه في مجاهدة عدوه نظام الطاغية صدام بن إحصين التكريتي؟العكس وجدناه في شخصية المخلص عبد الزهراء عثمان.. فإن نفخر كعراقيين نفخر بمثله قد قارع الطاغوت وامضى في سجونه سنوات خمس في تعذيب مرير منذ العام1974 حتى 1978 هذا غير ما تعرض له من محاولة فتك واغتيال انجاه الله منها ومكـّنه من الالتجاء الى ايران ليواصل جهاده وقلمه.
عجبت لمدينتكم البصرة، اذ لم تؤرخ لفقيدها الشهيد عز الدين سليم، ولا تنادي باحياء مؤلفاته وابحاثه الفكرية والعقائدية والتأريخية والسياسية التي يندر ان نجد له مثيلا في البصرة. انما حياة الامصار والشعوب بمفكريها
الراحل في سطورالمفكر الشهيد عبد الزهراء عثمان محمد (ابو ياسين) مواليد مدينة البصرة/ناحية الهوير1943، تخرج من مدرسة دار المعلمين الملغاة عام 1964، اضطر إلى تغيير اسمه إلى (عز الدين سليم) للاحتراز الأمني لضمان عدم تعقبه من قبل نظام العفالقة بزعامة الطاغوت صدام إحصين التكريتي الذي سعى إلى اغتياله أكثر من مرة. اعتقل الحاج عبد الزهراء عام 1974 حتى 1978 بعدها تمكن من الهرب خارج البلاد.اضافة الى جهاده فقد تلقى الشهيد عددا من الدراسات على يد عدد من العلماء والمفكرين الاسلاميين في العراق والكويت، وفيهما مارس تدريس اللغة العربية والتاريخ والمجتمع العربي للمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية من العام 1965 و1980 ما عدا فترة سجنه.
اهتم المفكر عز الدين سليم مطلع حياته بالتأليف والكتابة الصحفية منذ1967 وأصدر باكورة كتبه (الزهراء فاطمة بنت محمد) عام1969. ثم واصل الكتابة فصدرت له عشرات الكتب في السيرة والتاريخ والسياسة والثقافة العامة. كما انه رحمه الله نشر مجموعة كبيرة من الابحاث والدراسات في المجلات العالمية. وانخرط منذ مطلع الستينيات في العمل الثقافي والاعلامي فعمل مع عدد من الصحف والمجلات الثقافية في العراق والكويت ولبنان.أشرف الشهيد السعيد على إصدار صحيفة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق/ بطهران من عام 1983 الى اواسط التسعينات، وأشرف على المركز الاسلامي للدراسات السياسية الذي أسسه عدد من المثقفين العراقيين المهاجرين في طهران عام 1981 وكانت له عدة أبحاث سياسية في (التقرير السياسي) الذي أصدره المركز لعدة سنوات .
بدأ عز الدين سليم العمل السياسي مبكرا عام 1961 ضمن تنظيم الدعوة الاسلامية في العراق الذي عرف فيما بعد باسم حزب "الدعوة" وتدرج في عمل التنظيم حتى صار عضواً في لجنة الاشراف على التنظيم في البصرة وما حولها عام 1973 قبل أن يعتقل في البصرة عام 1975 بتهمة الانتماء للتنظيم المذكور.عين المفكر ابو ياسين عضوا في مجلس الحكم الانتقالي لدى تأسيسه في العراق، وساهم في صياغة قانون إدارة الدولة الانتقالي، ومن أبرز أدواره في هذه الفترة سعيه إلى إقناع الزعيم مقتدى الصدر إلى التخلي عن المواجهة المسلحة مع قوات الاحتلال وتسريح مليشياته ونزع سلاحها.
استمر سليم في ممارسة مهام عمله كرئيس دوري لمجلس الحكم الانتقالي إلى أن تم اغتياله في 17 مايو 2004 بتفجير سيارة مفخخة تزامنت مع مرور موكبه في حي الحارثية قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء حيث مقر قيادة قوات الاحتلال الأمريكية. ويذكر أن تنظيم القاعدة بزعامة أبو مصعب الزرقاوي قد تبنى عملية اغتياله.
https://telegram.me/buratha