المحامي حسن العكيلي
في شهر أيلول من عام 1987 حينما كنت في الصف الخامس الإعدادي تعرضت للاعتقال على أيدي جلاوزة النظام الحاكم حينها ومكثت مدة عشرة أشهر في مديرية امن كربلاء على صغر سني ....وقد تعرفت خلالها على بشاعة الإنسان عندما يفقد كل قيم الإنسانية من خلال ممارسته للتعذيب تجاه أخيه الإنسان وشاهدت بأم عيني بشاعة ودناءة رجال ذلك العهد وفقدانهم لكل نوازع الخير ... ومن ذلك التأريخ وأنا اكره وأستقبح الظلم مهما كان نوعه وخصوصا التعذيب ...
وبعد التغيير الذي حصل في العراق وزوال ظلام الديكتاتورية وبزوغ شمس الحرية والديمقراطية ...استبشرنا خيرا بان صفحة التعذيب والاعتداء على الكرامة قد انتهت وولت بغير رجعه ولكن مع الأسف الشديد ذلك لم يحدث حيث لازال هناك الكثير من المعذبين داخل المعتقلات والسجون وهنا أريد أن أناقش الموضوع من زاويتين الأولى قانونية والثانية هي مبررات من يقوم بهذا الفعل ومن يؤيده .....من الناحية القانونية فان المعايير الدولية تمنع ممارسة التعذيب بأية صورة كانت وبأي شكل من الإشكال وهذا ماورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك في الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التعذيب وبما أن العراق جزء من المنظومة الدولية فقد انضم العراق إلى اتفاقية مناهضة التعذيب عام 2008 ...والحقيقة أن هذا الانضمام يرتب مجموعة من الالتزامات على العراق يجب تأديتها ومن هذه الالتزامات موائمة القوانين المحلية مع الاتفاقية الدولية ....وكذلك مراجعة الواقع العراقي وبشكل دوري بما يتواءم مع فحوى الاتفاقية وتقديم تقارير دورية بهذا الصدد ونخلص إلى أن القانون الدولي يمنع التعذيب وان العراق جزء من المنظومة الدولية ....أما القوانين المحلية فهي بدورها لاتبيح التعذيب ولا تسمح به بل أكثر من ذلك فان قانون أصول المحاكمات الجزائية أهدر الاعترافات التي تنتزع من المتهمين نتيجة التعذيب وكذلك قانون العقوبات يعاقب القائم بالتحقيق أذا ما قام بمثل هكذا سلوك ....وإذا ما أردنا أن نتنزل جدلا عن القانون الدولي وكذلك القانون العراقي فنقول إن المسلمين يشكلون الأغلبية المطلقة من الشعب العراقي ...فهل يبيح الإسلام تعذيب الناس ؟ وهل هناك أي مذهب من المذاهب الإسلامية يبيح ذلك ؟ .الجواب بالتأكيد كلا , فالإسلام لايبح ذلك مؤكدا بل هذا السلوك مرفوض في كل الشرائع السماوية وكذلك يرفضه العقل والمنطق السليم ..
و لما كان هذا السلوك محرم بموجب المعايير الدولية ووفق القوانين العراقية وترفضه الشرائع السماوية والعقل والمنطق السليم فلماذا يمارسه البعض ؟ يجيب من يمارس التعذيب وبعض ممن يؤيدون هذه الممارسة بان المتهم لايمكن أن يعترف دون هذه الممارسة وان البلد بحاجة إلى الأمان وبدون التعذيب لايمكن الوصول إلى المجرمين ...وأنا أقول قبح الله هذا الرأي ...ذات المبرر استخدمه زبانية صدام للتعمية والتغطية على جرائمهم فاتهموا الناس بالعمالة وحذروا من خطر بعض الدول ومطامعها وان لها عملاء في الداخل واستخدموا الإعلام المأجور لتهويل الأحداث بغية تبرير فضائعهم وسلوكياتهم المنحرفة ...
إن المخرج من كل ذلك هو إتباع الطريق القانوني من خلال أساليب التحقيق القانونية وطرائق الاستجواب العلمية بغية الوصول إلى الحقيقة لابغية الانتقام من الأشخاص فالمتهم في طور التحقيق بريء حتى تثبت إدانته وعلى المحقق أن يجد ويجتهد في جمع الأدلة سواء بالطرائق الكلاسيكية بمواجهة المتهم ومفاجئته بالمعلومات أو باستخدام الوسائل الحديثة والتكنولوجيا كأجهزة كشف الكذب وتحليل الحمض النووي DNA بغية الوصول إلى الحقيقة ...لان التعذيب بالضرورة يوقع بالضعيف وربما يؤدي إلى إفلات المجرم الحقيقي من العقاب وقد سمعنا الكثير من القصص من زملائنا القضاة أو المحامين من إفلات مجرمون متمرسون بسبب قدرتهم على التحمل خلال التحقيق في حين إن البريء ضعيف التحمل ممكن ان يذهب ضحية ضعفه وعدم قدرته على التحمل .
ولعل هذا السلوك هو سلوك فردي لبعض القائمين على التحقيق وليس منهجا للحكومة وما يدعم هذا الرأي أن هذه السلوكيات كانت موجودة في جميع الحكومات المتعاقبة بعد 9-4-2003 بدءا من مجلس الحكم وصولا إلى حكومة السيد المالكي ...لذا ينبغي على حكومة السيد نوري المالكي وكذلك مجالس المحافظات المنتخبة حديثا أن تتبنى مشروعا لمكافحة التعذيب ومحاسبة المخالفون كي ينطبق العمل مع الشعار ( فدولة القانون) تستلزم إعمال القانون وليس إهماله ....
ومن المفيد هنا أن اختم بحادثة اغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث أوصى بابي وأمي ولده الإمام الحسن عليه السلام بعد أن قام الملعون ابن ملجم بضربه ...بما نصه ( رفقا بأسيركم ) ويقصد رفقا بابن ملجم ...فهل لنا أن نتخلق بأخلاق علي بن أبي طالب عليه السلام.
https://telegram.me/buratha