نزار حيدر
اجزم، لو ان الفرصة سنحت لشعب الجزيرة العربية، والمسماة ظلما وعدوانا بـ (المملكة العربية السعودية) كما سنحت اليوم للشعب الكويتي الشقيق، لرمى بالسلفيين التكفيريين في مزبلة التاريخ واغلق عليهم الغطاء ليموتوا خنقا، كما فعل اليوم شعب الكويت، عندما عاقب التكفيريين اشد عقاب فحجب عنهم الثقة، فلم يفوزوا الا بمقعدين في مجلس الامة الجديد.لقد كافأ الكويتيون التيارات السياسية المعتدلة، وعاقبوا التيارات المتشددة، بعد ان يئس من احتمال اصلاحها ومن امكانية ان تغير من نهجها المتشدد، فضاعف من مقاعد (العقلاء) وقلص من مقاعد (المجانين) وفازت المراة لاول مرة، لتاخذ مكانها الطبيعي في العملية السياسية، وفي الشان العام.
ان التيارات المتشددة تعتمد على بعد واحد في نهجها الفكري والسياسي، هو بعد الالغاء والرفض والمنع، وتاليا اعتماد كل الوسائل والاساليب التي تعرقل التقدم والبناء الحضاري، فهم، بكلمة مختصرة، يسيرون بعكس اتجاه حركة التاريخ، ويسبحون بالضد من حركة البشرية والانسانية، ولذلك فهم يتشبثون بكل ما هو من الماضي والتاريخ الغابر، اما الحاضر والمستقبل، اما التجديد والتطور، فهم ضدها جملة وتفصيلا، ولذلك بداوا يخسرون الشارع، وما الكويت الا نقطة البداية، والقادم اعظم.
لقد توسل السلفيون التكفيريون في الكويت، بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، الشريفة وغير الشريفة، لاسقاط الخصم، فاثاروا الشبهات وطيروا الشائعات ونشروا الاخبار الكاذبة والتحليلات المشبوهة، ضد خصومهم، والشيعة على وجه التحديد، فماذا كانت النتيجة؟.
لقد جاء سقوطهم المدوي، على يد الشعب الكويتي، كنتيجة طبيعية، لافعالهم واعمالهم المخزية التي تستند الى الكذب والغش والخداع والدجل، فلم تعد الشعوب تجهل الحقيقة، ولم تعد تصدق بكل ما يقوله سلفي ضد هذا المذهب او ذاك، لمجرد انه يتشبه بزي الصالحين الزاهدين، بلحيته ولباسه القصير.
ان السلفيين يمارسون التسطيح الفكري والتجهيل الثقافي، ظنا منهم بان الناس لا يفهمون، او انهم لا يقرؤون او يطلعون، ولذلك فهم يتوسلون بالفتوى الدينية التي يلوون عنقها كيفما شاؤوا وانى شاؤوا، وكانهم ظل الله في ارضه، او خليفته دون عباده، فلقد نصبوا انفسهم قوام الرعية وولاة الامر، يكفرون هذا ويعاقبون ذاك، ويحللون ويحرمون بغير ما انزل الله تعالى.
ان على كل التيارات المتشددة، سنية كانت ام شيعية، دينية كانت ام علمانية، فكرية كانت ام سياسية، ان تعيد النظر في نهجها (الماضوي) والذي لا يدعها تفكر بمنطق سليم وعقلية منفتحة، ولذلك تراها لا تنظر الى الصالح العام بمقدار نظرتها الضيقة الى قضايا الامة وشعوبها، ونحن في القرن الواحد والعشرين.
قبل قليل كنت استمع الى حوار متلفز اجرته احدى الفضائيات العربية مع المنسوب الى (الكلب) والكلب منه براء، من فقهاء التكفير وبلاط البترو دولارمن الوهابيين القابعين في بلاد الحرمين الشريفين، يؤكد جازما بان كل علماء الشيعة هم كفرة، من دون ان يستثني احد منهم ابدا.
هذا وامثاله يجب ان يركلوا بالاقدام ليرموهم الناس في مزبلة التاريخ، لان خطرهم عظيم على الامة، بل وعلى البشرية، فهم من يحرض على القتل، وهم من يحرض على تمزيق الامة، وهم من يحرض على الغاء الاخر، وهم من يدعو الى الفتنة، وهم، ومن يقف خلفهم يدعمهم بالسلطة السياسية والمال الحرام، واخص بالذكر آل سعود الذين يحكمون ارض الجزيرة العربية بلا شرعية وبلا تفويض من الشعب، منافقون بامتياز، فبينما يدعو ملك (السعودية) ويرعى مؤتمرات الحوار بين الاديان، كالمسيحية واليهودية، يدعو امثال هؤلاء، وامام مراى ومسمع الاسرة الحاكمة، وعند بيت الله العتيق، الى تكفير علماء الشيعة، فاي حوار هذا؟ واي دين بعد التشيع يؤمنون به ليحاورونه؟.
ان النتيجة المدوية التي اظهرتها نتائج الانتخابات البرلمانية في الكويت الشقيق، كشفت عن الحجم الحقيقي للتيار السلفي التكفيري، فهو، بهذه النتيجة، لم يعد بامكانه ان يحجز مقعدا في المعارضة فضلا عن السلطة، ولذلك يجب ان لا يمنح اية فرصة اخرى للتوسع في الساحة باكثر من هذا الحجم الضئيل الذي كشفت عنه الانتخابات اليوم.
يجب ان لا يمنحوا فرصة التمدد على حساب مساحات الاخرين، فلقد كشفت هذه الانتخابات المساحات الحقيقية لكل تيار ولكل نهج، كما انها كشفت عن رغبات الناس الحقيقية، بعيدا عن الترهيب والترغيب.
هذا في الكويت، اما في الجزيرة العربية، فان الامر لا يختلف كثيرا، فالتكفيريون لا يمثلون، بحجمهم، اكثر من حجم زملائهم في الكويت، فاي دين يحكمون البلاد دون غيرهم؟ وباي دستور استاثروا بالحكم دون سواهم؟ وباي دين (سماوي او ارضي) استولوا على السلطة؟ فصادروا حقوق الاخرين وحللوا وحرموا كيف يشاؤون وانى يشاؤون؟ سوى بقانون الغاب الذي يعتمد اسلوب القهر والغلبة بقوة المخالب والاسنان؟.
لقد ملا التكفيريون في الكويت فضاء السياسة بالصراخ والعويل، تارة ضد هذا الداعية الشيعي المعتدل وتارة ضد ذاك الوزير، وثالثة ضد هذا العالم، واخرى ضد ذاك المفكر والمثقف، وكانهم حماة البلد وساسة الشعب وقادة العباد، ناسين او متناسين انهم من وقف الى جانب الطاغية الذليل صدام حسين منذ سقوطه المدوي في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، ليس لانهم انتموا الى حزب البعث او لانهم بايعوا الطاغية، ابدا، وانما لانهم ضد الديمقراطية التي بدا العراق يشهدها منذ سقوط الصنم، والتي تعني في جوهرها حكم الاغلبية، وهو الامر الذي لا يتحمله التكفيريون ابدا.
لقد عاقبهم صندوق الاقتراع اليوم عندما حجب عنهم الثقة، جزاءا لتشددهم ولتكفيرهم كل من يخالفهم الراي.
وسيعاقب التكفيريون في كل بلد من بلداننا على التوالي، وان على الانظمة الحاكمة ان لا تظل تدعمهم وتسندهم لاغراضهم السياسية الضيقة، اذ لا بد لهذه التيارات المتشددة التكفيرية ان يتقلص حجمها بعد ان نفختها الانظمة فتضخمت لحاجة في نفس يعقوب.
واذا كان صندوق الاقتراع غائبا في الجزيرة العربية فلم يعد بامكان الشعب هناك معاقبة التكفيريين به، فانه سيبتكر اكثر من وسيلة واكثر من طريق لانزال اشد العقاب بهم وبمن يقف خلفهم، واقصد به السلطة السياسية التي تعتمد عليهم في تنفيذ مناهجها السياسية، في اطار قاعدة (فتاوى تحت الطلب).
https://telegram.me/buratha