( بقلم : علاء الموسوي )
يبدو ان المشهد العراقي ما زال بعيدا عن التطبيق الديمقراطي لتجربته الجديدة في الحكم، فالنظام المؤسساتي ومفهوم الدولة الراعية وتوزيع الصلاحيات ما زالت غير حاضرة في ممارسات الساسة وارباب السلطة في العراق، فبدلا من أن تتجه الحكومة العراقية إلى تفعيل الهيئات والنقابات العامة ومؤسسات المجتمع المدني، لتساعد في بناء الدولة المدنية الحديثة، أخذت (الحكومة) في ممارستها التنفيذية بعدا مغايرا للتوجه المعلن عنه أمام الشعب، فحالة الاستفراد والهيمنة الشمولية لم يعد لها رواجا لدى المتلقي العراقي المفعم بأمل الحرية والانعتاق من شبح التسلط والاحتكار، بل ان الدعوة إلى التضمين الحكومي لكل شاردة وواردة باتت سلعة رخيصة يمقتها مجتمع عانى من كبرياء الحكام وتعنتهم للشخصنة السياسية على حساب البلد والشعب لأكثر من عقود مضت، إلا أنها ـ ومع الأسف ـ باتت مظهرا ملازما في العراق، على الرغم من انتهاء الحقبة المظلمة والمتمثلة بحكم حزب البعث الشمولي.
بالأمس كانت هناك دعوى قانونية وبرلمانية لإلغاء مستشارية الأمن القومي التي يرأسها النائب عن الائتلاف العراقي الموحد موفق الربيعي، وذلك لأنها مؤسسة غير قانونية، وليس لها سند دستوري يعزز بقاءها، فضلا عن أنها تشكل هدرا لأموال الدولة، عبر تخصيص اكثر من 23 مليار دولار كميزانية سنوية لها، والتي لا يحق لها تعيين اكثر من عشرين موظفا!. حسب ما هو مقرر في العقد المبرم مع الحاكم الامريكي السابق بول بريمر. وبدلا من ان تلغى تلك المستشارية على وفق الدستور، استغل تشكيلها السابق لتأسيس مجلس أعلى للأمن الوطني يرتبط بمكتب رئيس الوزراء، والذي سبقه أيضا الدعوة الى تأسيس مجلس أعلى للثقافة، ومجلس أعلى للإعلام يعمل على شرعنة القوانين، وتعزيز الروابط ما بين الحكومة والنخب الإعلامية والثقافية.بناء دولة المؤسسات وتطبيق الدستور المأمولة في العراق، لم يخطط لها ان تكون شمولية التحكم والاستفراد بالقرار، فالدولة التي تبتعد عن إطار التمدن الحضاري في تعزيز صلاحيات المؤسسات والمنظمات المدنية المختصة، تتجه بالتالي إلى الانصهار من اجل خدمة الشخص الحاكم، وليس الراعي لمصالح الشعب والأمة. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال الآتي: لماذا تتدخل الحكومة في كل صيغ وقوانين الثقافة والإعلام وحتى الأمن المرتبط بالمجلس السياسي الوطني في البلاد.. هل يحتاج واقعنا الإعلامي والثقافي إلى وصاية الحكومة واشراكها في كل التفاصيل، بقدر احتياجه إلى الفكر الراعي والداعم لخلق الإبداع وبناء مؤسسات صناعة الأفراد والكوادر المتقدمة.. لماذا لا ترعى الحكومة تأسيس كليات ومعاهد وإقامة فعاليات عالمية ودولية تشرك فيها مؤسسات مستقلة من اجل تفعيلها وليس تسييسها ؟.من المؤكد ان الدعوة الى توحيد الجهود لدى المؤسسات كافة يحتاج إلى فكرة تضمين تلك المجالس العليا في اختيار القرارات، وفك الاختناقات الحاصلة نتيجة الشخصنة الفردية، وإبعاد هيمنة الاحزاب عليها. ولكن ان ترتبط تلك المجالس بشكل مباشر بالسلطة وليس الدولة الراعية، والتي نفتقر إلى وجودها في العراق اصلا، ينذر بوجود حالة من الشمولية والاستفراد بمواطن القرار وتسييس النخبة لاصحاب السلطة، وليست الدولة التي لا تتغير بأمزجة الأحزاب والمسؤولين. لايوجد ما يدعو إلى الثقة بان في حسبان حكومتنا اليوم ان تعزز هيبة المؤسسات المدنية غير المرتبطة بها، ومنحها مقومات النهوض بنفسها ماليا ومعنويا عن طريق تسخير وزاراتها المعنية بذلك، بل أنها لم تكتف باستفرادها للقرارات السياسية التي اشعلت فتيل الفتن السياسية وحطمت قيود الشراكة الوطنية، لينسحب الأمر إلى تمييع تلك المؤسسات ـ وان كانت هي بحد ذاتها ضعيفة ـ وحصرها بممرات ضيقة، إما العيش الرغيد بالمنح والعطايا المشروطة، وإما الإلغاء والتضمين لهيئة عليا مرتبطة بشكل مباشر بمقاليد السلطة. ولعل ما حصل مع اتحاد الادباء ونقابة الصحفيين العراقيين من منحهم الوعود بالمكافآت وقطع الاراضي وتخصيص الرواتب، مع الغاء صلاحياتهم في شرعنة القوانين وتشخيص أخطاء الحكومة تجاه النخب دليل على ما نذهب اليه.
https://telegram.me/buratha