باسم العلي
ان الاسلوب التوافقي الذي يعتمد على المحاصصة السياسية والعرقية والمذهبية الذي اعتمد في الفترة المنقضية كان لها بعض الفوائد وخدمت الوضع العراقي. تلك المحاصصة ربما تكاد ان تكون ضرورية بسبب انتقال العراق من حكم دكتاتوري فردي وشمولي الى حكم ديمقراطي لم يكن الشعب او السياسيون معتادون عليه, واذا كان هذا لايكفي فان هذا الانتقال السريع ولد حالة من عدم الثقة بين السياسيون والذين بدورهم نقلوه الى الشعب, وقواه الارهاب.لايمكننا تقيم فائدة هذه المحاصصة بالوزن فنقول نصف كيلو فائدة ونصف كيلو ضرر ولكن يمكننا القول بان ضررها كان اكثر من فائدتها مع العلم انه لم يكن بالامكان تفاديها في تلك الضروف الصعبة من تاريخ العراق الحديث.
ان هذه التوافقات والمحاصصة كانت ذو نتائج سلبية عديدة ومنها:اولا: الفساد الاداري الذي لاقى دعما من الكتل السياسية فكل مفسد ارتكز على كتلة سياسية لتحميه ولا احد يستطيع ان يمسه بشئ.ثانيا: تعطيل الكثير من القوانين التي تدبر امر البلد لان بعض الكتل مارست هذه الظغوط " اما تعملون بما نريد او لا نصوت على هذا القانون"ثالثا: من اجل المشاكسة, بدات بعض الكتل او النواب يدافعون علنا عن الارهابيين في الوقت الذي يمارس الارهابيون فيه انواع الجرائم بحق جميع الشعب العراقي لان السيارة المفخخة لاتميز بين واحد واخر.رابعا: ان الوزارة التي بنيت على اساس المحاصصة جعلت مجلس الوزراء عاجزا عن العمل بصورة صحيحة لخدمة الشعب والوطن فكل وزير هو حكومة بحد ذاته ولااحد يمكن ان يتكلم معه لان كتلته تعضده, وشاهدنا هنالك عدد لاباس به من الوزراء المفسدين و/ او الغير كفوئينخامسا: توزيع الصلاحيات بين رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية وبالرغم من ايجابيتها المرحلية كان فيها الكثير من السلبيات ولانها سبب المقالة دعني اذكر بعضها او المشهور منها كما يلي:
كثير من القوانين والقرارات عطلت بسبب عدم موافقة احد اعضاء مجلس الرئاسة على القوانين والقرارات مما اثر في عمل الحكومة. بالاضافة الى ذلك كانت هنالك مشاحنات وتداخل في الصلاحيات بين الرئاسة ومجلس الوزراء... ولكن والحمد لله لم تصل الى درجة توقف العملية السياسية او الحكومة.
ان هذ التركيبة غريبة وتكاد تكون نادرة في النظم الديمقراطية في العالم المتمدن. لان مفهوم الديمقراطية يعني حكم الاكثرية مع الاهتمام بالاقلية بمعنى اخر ان اختيار الاكثرية من ابناء الشعب يجب ان يحترم والشعب بجميع افراده لديه نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات. ويمكننا القول ان الديمقراطية معناها حكم الشعب بالشعب والى الشعب.
ان الشعب العراقي كان قد اعتاد على ان هنالك راس واحد بيده امور الحكم وترجع اليه كل الامور الاخرى وربما ان المثل الذي يقول "السفينة التي يكثر فيها الملاليح تغرق" والذي فيه الكثير من الواقعية. ان قسم من مشاكل الحكومة الحالية كان سببه هذا الصراع بين قوى متعددة في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب. لقد كانت هنالك رقابة برلمانية مدفعوة بمصالح كتلوية ومدعمة لمراكز القوى المتناحرة في مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء. وبما ان نظام الحكم ديمقراطي برلماني كان هنالك تعطيل للقوانين وللرقابة اساسها فرض ارادات كتلوية وليس مصلحة الشعب.
منذ بداية الفترة البرلمانية لهذه الحكومة كانت هنالك مطالبة لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية والتي بنظري من اخطر الامور التي يمكن ان تخرب العمل الديمقراطي في البلد لان ذلك سوف يشكل مكان لصراع القوى في الحكومة بدلا من ان تكون حكومة متجانسة وحاملة للمسؤلية لوحدها ويكون البرلمان صمام امانها. ففي خلاف ذلك سوف تبقى صراعات بين الحكومة المركزية والاقاليم او المحافظات وسوف يعرقل عمل الحكومة في هذا الجانب او ذاك او ربما تايد متذبذب فمتى ماكان فيه خدمة لمصلحة هذا الجانب او ذاك تتذبب االقرارات.
ولماذ نخترع العجلة من جديد مادام هنالك انظمة ديمقراطية مجربة وتحكم بلدان متطورة: وكما يعرف الجميع ان هناك نظامان رئيسيان الا وهما النظام الرئاسي وكما في امريكا حيث ان رئيس الجمهورية هو السلطة الرئيسية في البلد وله مستشارين ووزراء وهناك برلمان فيه مجلسين للشيوخ والاعيان يراقبون الحكومة ويصادقون على الميزانية واشياء اخرى. وهنالك نظام اخر الا وهو النظام الوزاري والذي يكون رئيس الوزراء هو الحاكم الرئيسي وينتخب من اكبر كتلة في البرلمان كما ان هنالك في نفس الوقت حكومة ظل تاتي من اكبر ثاني كتلة في البرلمان لتراقب عمل الحكومة.
ان الحكم الوزاري يستند على اختيار رئيس الوزراء من اكبر كتلة في البرلمان. ان هذا مناسبا في الدول التي يكون فيها حزبان او ثلاثة احزاب رئيسية , في الغالب يندمج حزبين في كتلة واحدة فبذلك يكون التنافس الانتخابي بين كتلتين كبيرتين. مثال ذلك استراليا ففيها حزب العمال والمحافضين و الاحرار. الكتلة الاولى هي حزب العمال لوحده والكتلة الثانية هي المحافضين والاحرار. الاحزاب الاخرى صغيرة جدا ولايمكن لها ان تشكل حكومة. ان الاتفاق بين الاحرار والمحافضين مبني على تفاهمات وتقسيمات مسبقة للمناصب الوزارية. في مثل هذه الحكومة يختار رئيس الوزراء من الكتلة التي عندها اكبر عدد من النواب فبذلك تشتغل الحكومة مثل ماتريد فاكثرية النواب هم من نفس كتلة رئيس الوزراء.
لو نظرنا الى الوضع السياسي في العراق نجد تطبيق مثل هذا الامر صعب جدا. حاليا ان اكبر كتلة برلمانية هي الائتلاف الذي هو نفسه مكون من عدة احزاب لها مفاهيم واجندات مختلفة وفي بعض الاحيان متصارعة وهذا ماحصل بالفعل عند انسحاب حزبي الفضيلة والصدريين. ولو افترضنا انهم رتبو امورهم بحيث لايمكن ان يحدث بينهم اختلاف مستقبلي فهم لايستطيعون تتشكيل حكومة لوحدهم فلذلك دخل الائتلاف في اتئلاف ثانوي مع التحالف الكردستاني. وفي المستقبل لانعلم مع من يمكنهم الائتلاف حتى يستطيعون تشكيل الحكومة المستقبلية. معنى ذلك "عادة حليمة الى عادتها القديمة" وكما يقول المثل الشعبي (الجر والعر). لذلك ان النظام الوزاري لايمكن ان يحقق مطامح الشعب العراقي في النمو والتطور السريع في ظل حكومة قوية متجانسة ومستقرة.
في الجهة الثانية ان الحكم الرئاسي يتطلب انتخاب رئيس الجمهورية باختيار وارادة الشعب ومن عدة مرشحين ولن يكون الاختيار مقصورا على البرلمانين. فلذلك يكون تفويضه شعبيا وليس مرهونا بارادة الكتل النيابية ... متى تريد تبقيه ومتى تريد تعزله فتجعله بذلك طوع ارادتها (تلعبني او اخرب الملعب). ان الشعب العراقي اعتاد ان يكون هنالك شخص واحد يلومه عندما يتطلب الوضع ويمدحه عندما يسوء. بالاضافة الى ان الدورة الرئاسية محدودة الزمن فنجاح الرئيس المنتخب سوف يعطيه فرصة اخرى ودورة اخرى للحكم وفشله يعني خسرانه منصبه وانتخاب رئيسا اخر. ان ارتباط عودة الرئيس الى دورة رئاسية ثانية مرتبطة بنجاحه مما يدفعه للعمل مابوسعه لكي يبني العراق وبسرعة عالية.
لقد توقفنا عن ركب الحضارة الانسانية منذ مجئ الطاغية صدام ولحد الان لاننا قضينا كل هذه الفترة في حروب طاحنة اكلت الاخضر واليابس واذا لم يكن هذا كافيا جاء الحصار الاقتصادي ليحطم (بالتعاون مع صدام) على كل البنية التحتية للبلد... فاننا لم فقط نتوقف عن ركب الحضارة الانسانية بل تقهقرنا الى الوراء.
الجميع يقر بان التقدم الحاصل في العراق بطيئ جدا وسبب هذا البطء هو عدم وضوح الرؤيا في العملية السياسية وتغليب المصلحة الشخصية والفئوية على المصلحة الوطنية (في هذا المجال اناقش العملية السيسية فقط). وما نحتاجه حقيقة هو ان نركض وليس نزحف كما هو حاصل الان لانه لايمكننا ان نترك المسافة بيننا وبين العالم المتحضر تتوسع بل على العكس يجب ان نقلص هذه المسافة و الزمن الذي يفصلنا عنهم...وحتى لو ركضنا فسوف لن نصل الى ركب الحضارة الا بعد سنين عدة قد تطول او تقصر.
لذلك نحتاج الى رئيس للجمهورية ينتخبه الشعب ويمثل ارادة الشعب للتطور والنمو وتحقيق الطموحات التي يتمناها كل العراقيين الخيريين. ولا يحصل ذلك الا اذا كان الرئيس يملك كامل صلاحياته الدستورية لكي يضع برنامجا ومنهاجا يمكنه ان يحقق به وفي فترة زمنية قصيرة طفرات كبيرة نحو النمو والازدهار الوطني.
باسم العلي
https://telegram.me/buratha