محمد الوكيل *
ناقش مجلس النواب في جلسة يوم 16/5/2009 مقترح قانون هيئة النزاهة المقدم من لجنة النزاهة في مجلس النواب الموقر وكما يبدو للمتابع لاعمال المجلس فانه لم يحظ مقترح او مشروع بهذا الاهتمام من السادة الاعضاء كما حظي به هذا المقترح فقد شارك عدد كبير من الاعضاء في مناقشته وفي الاعتراض على بنوده الى حد تطابق وجهات النظر بين اغلب المتحدثين الذين قدم اغلبهم اعتراضات مطولة .
وكانت ملاحظات الشيخ جلال الدين الصغير والسيد علي الاديب والسيد سامي العسكري من افقه تلك الملاحظات ؛ وان كانت هناك ملاحظات بحاجة الى تدقيق قانوني ومنها ان اتفاقية الامم المتحدة ركزت على التحري السري لملاحقة الفساد واستخدام اجهزة فنية متطورة لتحقيق ذلك الهدف. وقد لاحظت ان السيد رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب قد تفهم اغلب الملاحظات ووعد بحلها وهذا شيء حسن ونتمنى ان تحظى اغلب المشاريع القوانين بما حظي به من اهتمام خاصة واننا لاحظنا ان بعض مشاريع القوانين قد تضمن اخطاء تشريعية حينما خرجت على العديد من القواعد المستقرة قانوناً وربما تضمنت مخالفات دستورية غير مقصودة.
والواقع ان مأساة هيئة النزاهة وفشلها في تحقيق الاغراض المرجوة منها يعود الى عدة اسباب:1- اوكلت رئاسة الهيئة منذ تأسيسها الى قاض ؛ وهذا خطأ فادح لا لخلل في شخصية القاضي بل بالعكس ان حدية القاضي وتشدده لايتلائم مع ادارة مؤسسة تتعامل مع قضايا لاتخلو احيانا من الطابع السياسي؛ ان تلك الحدية المتوفرة في شخصية كل قاضي هي التي لم تفرق بين قضايا تافهة وهي بالآلاف وقضايا فساد كبرى كان الاولى الاهتمام بها قبل غيرها وبسبب هذا العبأ والزخم في العمل اهملت تلك القضايا التي تتطلب تكثيف الجهود بشدة عليها بسبب تشتت الجهود بين هذه وتلك.
وقد التقيت ذات مرة بالقاضي رئيس الهيئة السابق السيد راضي الراضي كوني ممثل دائرتي القانوني وسالته عن سبب اهتمام الهيئة بمئات القضايا التافهة؛ وكان ذلك بمناسبة احالة مهندسة الى المحكمة بسبب تلف ماطور كهربائي في دائرة تشرف عليها تلك المهندسة وفقاً للمادة 341 التي تتناول الخطأ الجسيم الذي يلحق ضررا بالمال العام وحاولت اقناعه عدم توفر حالة الخطأ الجسيم وانما هي حالات تحدث يوميا لاسباب فنية وانقطاع الكهرباء وغيره وحثيته على الاهتمام بالقضايا الكبيرة؛وان هذه المهندسة المسكينة لايمكن ان تسجن بسبب ماطور ونخسرها وهي مشهود لها بالكفاءة؛ وكانت اجابته وهي الاجابة المتوقعة من كل قاض؛ ويمكن تجربة ذلك؛ قائلاً ( اخي القانون لا يفرق في العقوبة بين شيء قيمته تافهة والاخر قيمته كبيرة)
نعم صحيح ولكن العقوبات انواع يمكن ان تكون عقوبات ادارية ثم ان حكمة العقاب هي ردع النزعة الاجرامية لدى البعض ولا نعتقد توفرها هنا.وهذا مايجب ان يهتم به القاضي وقد شاهدت من خلال عملي القانوني للاسف ان اغلب قضاتنا يعتمدون على التفسير الحرفي لنصوص القانون ولا يلتفتون في مجال سلطتهم التقديرية الى حكمة التشريع وهدف العقوبة عند الاحكام .
والواقع اني اجريت مسحا لاغلب مواقع هيئات النزاهة؛ كون رسالتي في الدكتوراه عن هيئات الرقابة وما يشابهها سواء في العالم الغربي والعربي وشرق اسيا ولم اجد منها من يرأسها قاض مطلقاً وهناك حالة واحدة في دولة اشتراكية سابقة والغريب انها تعاني من مشاكل مع الحكومة كما هو حال نزاهتنا وصدر تعديل في قانونها يجعل من تعيين رئيس الهيئة من قبل رئيس الجمهورية؛ نعم هناك هيئات يرأسها رجال قانون واخرى يرأسها محاسبون واخرى يرأسها متخصصون في الجوانب الوقائية.
2- ما هي الحاجة لوجود هيئة مستقلة للنزاهة ويفترض ان تكون ملاحقة الفساد من القضاء وخاصة جهاز الادعاء العام ويسمى ايضا نيابة عامة كما في مصر فهذه مهمته في اغلب دول العالم فمهمة الادعاء العام هي ملاحقة الجرائم المتعلقة بالحق العام واحالتها للقضاء ولكن النظام الدكتاتوري السابق اضعف جهاز الادعاء العام وكلفه بمهام شكلية خشية ان يقوم هذا الجهاز الحيوي بالتعرض لازلام نظامه لان القضاء لا يحرك الشكوى او الدعوى من تلقاء نفسه وانما بناء على طلب يقدم اليه ومع ضعف الادعاء العام لاتتحرك الدعوى في مثل هذه القضايا بينما نجد ان الادعاء العام في كل دول العالم يتمتع بصلاحية اتهامية وهو الذي يمارس التحقيق وهو الذي يقرر فيما اذا كانت هناك مصلحة في احالتها للقضاء او ان يغلقها وهذا هو المعمول به في انكلترا ومصر واغلب بلدان العالم ويكفي مراقبة الافلام الاجنبية والمصرية للتأكد من ذلك بدل قراءة قوانين دول العالم.
وفي عديد من دول العالم يوجد ادعاء عام متخصص في قضايا الفساد فهناك ما يسمى بالنيابة الإدارية وانشأ الرئيس المصري الراحل انور السادات جهاز المدعي العام الاشتراكي لملاحقة الفساد والفاسدين.ونقترح ان كان هناك اصرار على وجود هيئة النزاهة خاصة وانها ثابتة بنص دستوري ان يرأسها رجل قانون من ذوي الخبرة والكفاءة المشهود لها بدل قاض خاصة وان مهام التحقيق يتولاها في الغالب محققون من خريجي كليات القانون تحت اشراف قاضي التحقيق وهذا ما يحصل في هيئة النزاهة لانها تتم باشراف قاضي تحقيق المحكمة كما ينص قانونها وتحال بعد اكمال التحقيقات من محققي النزاهة الى قاضي التحقيق في المحاكم ايضا وبهذا نفصل بين تداخل السلطات ووجود قاض في النزاهة يحمل الاسم فقط ولايستطيع الحكم لان النزاهة ليست من توابع مجلس القضاء الاعلى.
3- من الملاحظات التي دونتها في رسالتي ان اغلب اعمال هيئة النزاهة المحالة للمحكم هي حسب المواد 340 و341 عقوبات وهي مواد تتعلق بالاضرار باموال الدولة عمدا او خطئا وهذه المواد لاتحتاج الى جهد وتحري لكشها لانها تتعلق بقضايا واضحة للعيان مثل قيام شخص باحراق سيارة للدولة عمدا او خطئا وبمجر الابلاغ عنها وتفر شهود اصبحت لديها قضية باستثناء الاخبارات المتراكمة لديها التي تتوفر فيها قضايا متنوعة هذا جهد يحسب للمخبر لا للنزاهة اما القضايا التي تحتاج الى بذل جهود جبارة مثل الرشوة والاختلاس وهي اهم قضايا الفساد فلاتوجد الا اخبارات من مخبرين فقط والمعروف لجميع المواطنين انهم يعانون من الرشوة اكثر من اي جريمة اخرى وبامكان النزاهة ملاحقتها من خلال زيارة الدوائر بصفة مراجعين
والغريب ان السيد رئيس هيئة النزاهة وهو قاض لم يحضر للدفاع عن قانونه مع علمي ان مشروع القانون قد تعرض للعديد من التعديلات ونوقش اكثر من مرة قبل عرضه على مجلس النواب والاغرب كما علق احد النواب كيف فاتت النزاهة تلك الملاحظات ؛ومما يتوفر لدي حاليا مشروع قانون للنزاهة قديم اخذته من السيد راضي الراضي وهو مشروع جيد وان وجدت عليه بعض الملاحظات.
واخيرا وليس اخرا نتمنى على مجلس النواب الموقر ان يستعين باساتذة القانون وحملة الشهادات العليا لتدقيق مشاريع القوانين ولا باس من الاستعانة بخبراء عرب واجانب وان كان العراقي المتخصص يكفي ويسد.----------------------------------------*باحث متفرغ لدراسة دكتوراه في القانون ـ مصر
https://telegram.me/buratha