بشرى الخزرجي
يقال ان ما من حدث يقع في أي بقعة من بقاع الأرض إلا ويحدث صدى يعكس مدى أهمية وتأثيره على محيطه وربما العالم بأسره، فبحجم الأثر يكون التأثير به أو أكثر، وهذه تبدو قاعدة إعلامية يدركها من له باع في مجال الإعلام، أومن له قدرة ومهارة على صناعة الخبر وصياغة مفرداته، إلا ان هدفا معينا يقع ضمن مصلحة جهة أو قوة سياسية ما قد يعمل خلاف هذه القاعدة، ليحول الحدث الصغير إلى مانشيت كبير يملأ مساحة واسعة في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، تاركا أصداءاً خارقة تتعدى أحيانا حدود الحدث نفسه، وخير مثال لنا الإعلام الغربي الذي يزن الأحداث وأهميتها بميزان المزاج العام للمجتمع وبمدى قبول وتفاعل المواطن معها أيضا، فقد يأخذ خبر موت إحدى المشتركات في برنامج تلفزيوني مثل (Big brother) بمرض السرطان حيزا ومساحة إعلامية لا تأخذها أكثر الأخبار كارثية وأشدها قساوة على الإنسانية وقيمها كالتي تأتي منذ 6 سنوات وبشكل مستمر من العراق من قتل وتهجير وخطف ومفخخات وناسفات وغيرها.
وحيث ان أخبار العراق الدامية حصرا ودون سواها!، نجدها حاضرة وفي مقدمة اهتمام جميع محطات وفضائيات الدول العربية والإسلامية، وعلى طول الخط، فليس في دائرة حساباتهم الناس ومزاجهم العام، طالما ان انتقاء أخبار الخراب والدمار والقتل والتشهير بأعراض العراقيات يصب في مصلحة وأمزجة القائمين على تلك المحطات، بينما وفي المقابل نجدهم يغضون الطرف عن أصوات التكفير وفتاواها الداعية إلى القتل ونشر الطائفية والكراهية في جسد الأمة العربية والإسلامية، وقد انبرت أصوات الفتنة والفرقة مرارا وتكرارا متمثلة بالفتاوى (البلاوي) المعروفة الأهداف والدوافع من أشخاص نعتوا زورا بعلماء دين!، وهم في الحقيقة دعاة شقاق تقف خلفهم دوائر ومؤسسات حكومية كبيرة ومهمة بالنسبة للعالم الإسلامي مثل المملكة العربية السعودية!، وآخر تلك الفتاوى هي التي خرجت من فم إمام الحرم المكي في المملكة! ومن على شاشة فضائية بي بي سي الخبرية، وقد أفتى هذا الرجل الغريب بكفر علماء الشيعة قاطبة!
والمثير في هذه الفتوى أو الفتنة هو الأسلوب الفج والغليظ الذي تحدث به هذا الشيخ السعودي! أسلوب يدعو إلى بث روح العداوة والبغضاء بين الناس، متناسيا قول الله عز وجل الذي ينهى عن الفتنه و الفرقة والتقاتل وسفك دماء المسلمين دون وجه حق، ونسال هذا الشيخ هل كانت دعوة الرسول محمد (ص) إلى الدين الإسلامي عدائية وغير أخلاقية؟ وهو من خاطبه القرآن الكريم (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) فما بالك بمخاطبة المسلم لأخيه المسلم!
لكن الحديث في الفضاضة والفجاجة لا ينطبق بالتأكيد على فتاوى تكفير الناس واستباحة دمائهم، لأن السادة شيوخ الوهابية لا يؤمنون بالأساس بأن الشيعي مسلم! وهذه هي المصيبة، فهم يشرّعون في تكفير المسلم الشيعي وكل من يقف بالضد من أفكارهم، ويرون في قتلهم وسيلة يتقربون بها إلى الله زلفى! واذكر شهادة إحدى الناجيات من تفجيرات لندن(وقد أصابها عوق دائم) والتي حصلت في 7/7/2005م ان الانتحاري الذي فجر نفسه تحت تأثير فتاوى التكفير في الحافلة وسط العاصمة ، كرر عبارة: "أنتم كفرة أعداء الله" مرات عدة قبل أن يفجر نفسه، وقد استدركت متسائلة وهي تتحدث لجمع من الطلبة الجامعيين: كيف عرف إننا كفرة وأعداء الله؟
والغريب العجيب في الأمر أن الفتاوى التي تسببت في إزهاق أرواح الأبرياء إن كان في العراق أو في دول العالم، لا تقابل بالرد أو الردع الذي يناسبها، ولا نعني هنا أن يقوم علماء من الشيعة بتكفير أهل السنة لاسمح الله ولن نتكلم بتكفير بني آدم مهما كان دينهم أو مذهبهم، فهو بالتأكيد من المحرمات، فأنا لي خالة سنية المذهب تعيش في المملكة العربية السعودية منذ عقود من الزمن احترمها وأكن لها كل المودة والحب، والمجتمع العراقي وبكافة أطيافه يرفض الفكر التكفيري من الأصل، إلا ان فتاوى التكفير والتحريض على العنف والقتل والخراب تعدت حدود المنطق والعقلانية، وأصبحت خطرا يهدد الأمن والسلم العالمي، فهل من الحكمة بمكان ان يغض الطرف عنها! والسكوت عن مخلفاتها من تطرف وعنف وإرهاب المجتمعات المسالمة، وكلها ابتلى الشعب العراقي بها وسالت دماء أبنائه أنهارا لا لشيء إنما لحقد دفين ملأ قلوب أعداء العراق وواقعه الجديد!فأين الإعلام العربي الذي يستحق المناشدة لإنقاذ الأمة من شر أدعياء العلم والدين؟
أين الأقلام الواعية ولا فرق إن كانت سنية أم شيعية أو غيرها، كي تعري الأفكار الهدامة التي تسير بالمجتمعات إلى الهاوية؟ والعرب منشغلون بالصحافة والإعلام وجوائز توزع في منتديات صحفية وإعلامية كمنتدى الصحافة المنعقد حاليا في إمارة دبي وحلقاته وحفلات توزيع جوائزه ، ولا نسمع منهم غير نقاشات في الأزمة المالية العالمية! (مشاء الله عليهم راح يحلوها ) بينما أزمات تخص الفكر والوعي والفتاوى وخطرها على الإنسان العربي والمسلم، فهذه مواضيع لا تخوض بمثلها ملتقيات صحفية مخملية ناعمة مثل منتدى أو ملتقى الإعلام والصحافة العربية في دبي!في الواقع لم نلمس أو نقرأ ردا حاسما على أفكار وفتاوى التكفير الهدامة إلا من ثلة من الأقلام العراقية المؤمنة بحق الإنسان العراقي المسلم ونظيره الغير مسلم في العيش آمنا مطمئنا في وطنه دون أن يكفره أحد أويستبيح دمه مغال لا يخاف الله.أما آن أوان الرد والتصدي المسؤول لأفكار الهدم والتكفير؟لماذا على الشيعي العراقي ان يلتزم الصمت وهو المتضرر كي ترضى عنه حكومات الدول العربية ..ولن ترضى؟ أم أن سكوت العالم ووسائل إعلامه هو علامة رضا على ما جرى ويجري للشعب العراقي من ويلات التكفير وفتاواه!.
بشرى الخزرجي
https://telegram.me/buratha