بقلم:الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي من محاضرة له في السيدة فاطمة عليها السلام
(اللهم صلي على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ما احاط به علمك)الانوار:أي دعاء قدسي يتجلى في توصيف كيان سيدة الانوار فاطمة الزهراء عليها السلام، هنا إختصاص ليس في التوصيف بكيانها النوراني فقط ولكن بترابط هذا الكيان ترابطا تأصيليا بالنبوة والرسالة والامامة، هذا الكيان ينغرز في عمق التكوين، الرسالي ويتحد معه، هذا الكيان النوراني هو زوج الامامة ورحمها الولود، ففاطمة عليها السلام ولدت في (20 جمادي الاخرة) في منزل الوحي، ومهبط الملائكة، ودارة الايمان، تلك الدار التي حجراتها مجالس ملائكة الرحمن، حيث الانوار القدسية تتلألأ، وتسبيحات الكيانات الربانية تتعالى إلى بطنان العرش، ولما حان أمرها زوجها الله في سماواته عليا عليه السلام لتتلاقى انوارهما في عالم الوجود كما تلاقت من قبل في عالم التكوين، وذكر المجلسي في بحاره : " فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله يابنية ما ألوتك نصحا، إني زوجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما، يا بنية إن الله عزوجل أطلع على الارض إطلاعة فاختار من أهلها رجلين فجعل احدهما أباك والاخر بعلك ".
فإذا كان الاختيار ألهيا، والاقتران نورانيا والاجتماع قدسيا فكيف لايكون النتاج مطهرنا ومصونا، فقد اراد الحق ان تكون فاطمة عليها السلام مجمعا تصب فيه بحار النبوة والامامة، ارادها بيتا تجتمع فيه خلاصة الرسالات منذ آدم عليه السلام، فتلاقحت الانوار القدسية لتولد أنوارا ومصابيح تهتدي بها الامم، فكان الامامان الحسن والحسين عليهما السلام، نوران في الدنيا كما كانا نورين في عالم التكوين، فسبحان الله نور السماوات والارض، نور الانوار، خالق النور منشيء النور، مخرج الناس من الظلمات إلى النور وهو القائل: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات اؤلئك اصحاب النار هم فيها خالدون ". البقرة/257.
الاسرار:يقول الحق سبحانه: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". الاحزاب/33.أين يكمن سر هذا الاية، فهذا التخصيص بالتطهير الذي جاء بصيغة التوكيد (ويطهركم تطهيرا) يقطع بوقوع التطهير الصادر الله عن شانه، وتطهير أهل البيت يحمل خصوصية التحصين المطلق باعتبارهم حفظة الشريعة، وخزائن العلم، أما بالنسبة للزهراء عليها السلام فهذا التحصين يكتسب قيمته من موقعها كخازنة لسر الامامة، فاذا كنا نحن البشر نحفظ أثمن ما لدينا من أعراض الدنيا من مال وجواهر ومما غلا ثمنه في بنوك وخزائن مقفلة محروسة بآخر ما طوره العقل العلمي، وندفع اموالا للتأمين عليها والمحافظة على وجودها وهي اشياء قابلة للتلف في الحياة الدنيا (عالم الوجود)، ،وقد تكون فتنة وإختبارا، وقد قال تعالى: " أنما موالكم واولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ". التغابن/15.
فاذا كنا نحافظ على هذا المتاع والعرض الزائل، فان الله تعالى شأنه اجدر بالحفاظ على قيمة الرسالة، ويتضح هنا الوجوب بالحفاظ عليها وصونها لطفا من الله إجراء لقوله ببقاء السنن الالهية: ولن تجد لسنة الله تبديلا) (ولن تجد لسنة الله تحويلا) ، من اجل ذلك فان الله عزوجل لايودع رسالاته إلا في خاصة الخاصة من خلقه، ولاينزل كلماته إلا لمن اجتباه واختاره، ولايودع أسراره إلا في كرام الصدور، ولا يخص بعلمه إلا عقول العقول، فاجتبى محمدا صلوات الله عليه وآله لخاتم رسالاته، وأودعه أسرار علومه، وأطلعه على خفايا ملكوته، وفضله على جميع اصناف انبياءه ورسله، وإصطفاه من خلقه، وفضله على سائر انبياءه ورسله ليكون شاهدا على كل ما سبق، وواعيا لكل ما لحق حتى قيام الساعة، ثم اختار له زوجه خديجة رضوان الله عليها الحافظة لاسرار النبوة فجعلها سيدة نساء عصرها كمريم بنت عمران، فكانت حصنا حصينا يلتجيء اليه الرسول الخاتم، فبذلت جل مالها في حياصة الاسلام وصيانة حوزته، ثم أولدها فاطمة عليها السلام لتكون مفطومة وشيعتها من النار، فطهرها من الرجس وخلصها من الدنس، وزوجها عليا عليه السلام، ففاطمة وليدة الرسالة وزوج الامامة، فجعل رحمها حصنا لغيبة ومستودعا لسره، وقد قال عزوجل: " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان فباي آلاء ربكما تكذبان، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ". الرحمن/19-22.
أن سر فاطمة عليها السلام هو سر استمرار الرسالة في نهج الامامة باعتبارها الرسالة الخاتم، وقد شاء الله ان تكون فاطمة هي الصدر الرحب والعقل المستنير، الحصن الحصين لاعباء هذا السر الجليل، واية عظمة اكبر من أن يكون الانسان حاملا للتكليف الالهي وقد اختصة بما لم يختص احدا من خلقة، كان سر فاطمة (عليها السلام) انها حملت وصية آدم عليه السلام التي توارثتها الانبياء والرسل بخلافة الانسان على الارض، هذه الخلافة التي تحققت علي ايدي الانبياء والرسل ولكنها لن تتحقق بصورتها التهائية إلا في عصر الامام الحجة (عجل الله فرجه) فالسر الذي خزنته سيدة النساء هو في أن يأتي زمن تصبح البشرية خاضعة لله خضوع طاعة، قائلة بوحدانية الخالق، مؤمنة بالنبوات والرسالات ايمان اخلاص، كيف لايكون ذلك والله قد اصطفى ابوها رسولا من دون الناس: " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ". الحج/75.
قال الامام علي عليه السلام وهو يصف الانبياء والاوصياء والعترة المطهرة:
" فاستودعهم في افضل مستودع، واقرهم في خير مستقر، تناسختهم كرائم الاصلاب إلى مطهرات الارحام، كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف، حتى افضت كرامة الله سبحانه إلى محمد (صلوات الله عليه وآله)، فاخرجه من أفضل المعادن منبتا، وأعز الارومات مغرسا، من الشجرة التي صدع منها الانبياء، وأنتخب منها الامناء، عترته خير العتر، وأسرته خير الاسر، وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم، ونسقت في كرم ". نهج البلاغة الخطبة/92.
ويقول السيد مرتضى العسكري:
" يستدل بقوله: (كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف حتى افضت كرامة الله سبحانه إلى محمد) على تتابع القائمين بالدعوة إلى دين الله وتسلسلهم من لدن آدم (عليه السلام) إلى النبي الخاتم وانه لم يخل منهم زمان". راجع عقائد الاسلام، الكتاب الثاني/265.
فالسلام عليك يا سيدتي يا فاطمة بنت محمد يوم ولدت، ويوم مت مظلومة، ويوم تبعثين حية في كرامة الله، السلام عليك وعلى ابيك وبعلك وبنيك.
الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيرئيس ومؤسس الاتحاد الشيعي العالمي (أتشيع)dr-albayati50@hotmail.co.uk
https://telegram.me/buratha