المقالات

في بغداد .. عمال اجانب

1039 11:20:00 2009-05-14

ناهدة التميمي

في رحلتي الاخيرة الى بغداد قبل ايام .. شاهدت شيئا ملفتا للنظر الا وهو كثرة الشباب العاطلين الذين يحملون على ظهورهم وفي ايديهم اشياء ليست ذات قيمة .. كأن تكون اكياس قمامة او مواد بلاستيكية او علب كلينكس او سكائر او حلويات .. يتزاحمون بها مع بعضهم في اشارات المرور ونقاط السيطرة والمناطق المزدحمة .. فما تكاد تتوقف السيارة في احدى هذه الاماكن حتى حتى يتدافعون كالسيل على هذه السيارات غير آبهين بتحرك السيارات المفاجيء وتعرضهم للخطر وغير مكترثين بحرارة الشمس اللاهفة وهي تحرق رؤوسهم او التعب من التزاحم والسير وسط السيارات المسرعة والواقفة .. كل مايهمهم هو ان يشتري احد اصحاب السيارات او الركاب شيئا من بضاعتهم الكاسدة ..اكثرهم من الخريجين الذين لم يجدوا فرصة عمل, وبينهم ممن ترك الدراسة لعدم قدرة عوائلهم على مساعدتهم في اكمال تحصيلهم العلمي وبينهم ايضا الاميين ممن لم يحصل على فرصة اطلاقا ليدرس اي شيء ..

لم تقتصر هذه الظاهرة ( التسول المقنع ) على اشارات المرور ونقاط التفتيش وحسب بل امتدت لتشمل الكراجات الكبيرة . فما ان تستقل سيارة ( كيا ) بانتظار ان تمتليء او ( تقبط) حسب التعبير العراقي , حتى يتقاطر عليك انواع المتسولين او الباعة الذين لايحملون شيئا يذكر .. مثلا في كراج باب المعظم الكبير بالقرب من كلية الاداب حيث ذهبت لاستخراج وثيقة درجاتي منها .. كان هناك الكثير من الارامل المتشحات بالسواد وفي اعمار مختلفة ممن فقدن المعيل في تفجيرات انتحارية مجرمة او مفخخات عمياء او حوادث قتل على الهوية او غيرها, يتهافتن على السيارات للاستجداء او بيع اشياء ليست ذات قيمة .. ملبس او قطع شكولاتة .. وقد لفت انتباهي شيخ كبير وقد بدا عليه الوقار وعزة النفس وهو يحمل قطع شكولاته يعرضها على من في السيارت بصمت وخجل كانه يقول هذه ليست مهنتي ولكنه الدهر الذي ازرى بي .. تالمت لمنظره ومنظر النسوة البائعات المستجديات. سالت الناس .. كم يربح هذا الشخص هو ومن مثله في اليوم .. اجابوني وليتني لم اسمع الجواب .. قالوا ان توفق ببيع كل مايحمل من قطع حلوى او اكياس قمامة او علب كلينكس فان ربحه يكول الفان الاربع في اليوم .. صدمت من هذا الجواب .. الشمس تحرق راسه ومعرض لخطر التفجيرات وحوادث السيارات واذا باع كل مايحمل يكون ربحه بهذا البؤس .. عجبا لهكذا منطق مقلوب وغريب في بلد المتناقضات .. ايعقل ان يعيش اناس بهذا الشكل وبهذا البؤس ويكون دخل عضو البرلمان او الحكومة او ذوي الدرجات الخاصة اربعين مليون او اكثر عدا السفرات والايفادات والحج والمنح وقطع الاراضي والجوازات الدبلوماسية والخدم والحشم والاملاك والعقارات ...!!!وفي سيارة اخرى صعدت ام عجوز وابنتها الشابة وكانت جميلة غير ان البؤس بادي عليهما من ثيابهما الرثة والشحوب الذي يعلو وجهيهما وكانتا تحملان اكداسا كبيرة امامها .. لم يستطيعا دفع الاجرة فقد كانت الاجرة الف ونصف للنفر وهما لديهما الف دينار فقط قالتا انه لشراء ( صمون ) للعشاء وهو كل ما تمتلكان .. وحدثت مشادة مع السائق الذي اراد انزالهما .. فتدخلت ودفعت اجرتهما وبعد السؤال قالت الام انهما تذهبان الى الكاظمية او اي منطقة اخرى كل يوم تجمعان قناني البلاستيك وعلب البيبسي او المشروبات الغازية الفارغة وتبيعان الكيلو بالف دينار وكل مايحملنه لايساوي اثنين كيلو وهما ليس لديهما بيت ياويهما وانما تبيتان في اي مكان يتوفر لهما.. مرة على ارصفة الشارع ومرة في بنزين خانة واخرى في اي مكان ما يقبلهما .. فقلت للعجوز ولماذا تنزلين مع ابنتك وانت لاتقوين على العمل قالت ابنتي تخاف وحدها( يتحرشون) بها.. اي منطق هذا يابرلمان العراق ياممثلي الشعب يامن ملأتم خزائنكم من خيرات واموال فقرائه .. الا يفترض انكم جئتم من اجل خدمة هؤلاء وتصحيح اوضاعهم ام جئتم من اجل تشريع القوانين الخاصة بامتيازاتكم .. ايرضي هذا الامر حكومة دولة القانون التي بات فقراؤها بلا قانون يحميهم .. عجبا ..!!نعم كان للنظام السابق وسياساته الاثر الكبير في تخريب الصناعة والزراعة الوطنية والمعامل والمشاريع الخاصة والعامة والتي كان يمكن ان تستوعب كل هؤلاء .. وذلك بتشجيعه طبقة معينة من التجار المتنفذين المحسوبين عليه باستيراد كل شي حتى الابرة وباسعار منافسة للمنتج المحلي مما جعل الاقبال عليها كبير واهملت المنتجات الوطنية ومصانعها مما ادى الى اغلاقها او كسادها .. كما ان نظامه وبحروبه العبثية المتكررة وحاجاته المتواصلة للجند شجع الشبان على التطوع لضمان الراتب والربح السريع لتكوين نفسه وضمان مستقبله بسرعة بدل الانتظار ما ادى ايضا الى ترك مجالات الزراعة والصناعة والاقبال على التطوع في الجيش والاجهزة الامنية .. ولكن الحال لم يتغير في العهد الجديد بل زاد الفقراء فقرا والاغنياء غنى..فهل يعقل ان بلدا بهذا الحال وما آل اليه المآل من سوء معيشة وضيق ذات اليد وشظف عيش بسطائه واغلب شبانه ونسائه ورجاله وتفشي البطالة بينهم .. بحاجة الى استيراد عمال اجانب او مصريين ليجاملوا حكوماتهم .. عجبا انه بلد التناقضات والفرهود فعلا ...

د. ناهدة التميمي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
Army
2009-05-15
في عهد السادات الرئيس المصري والذي يعجبني فيه صراحته بغض النظر عن مواقفه.بان موارد الايدي العاملة في العراق تجلب لمصر 13 مليار دولار سنوياً. اي خريجي السجون والصنايعية والذين كانوا يحولون ما لايقل عن 3600 دولار سنوياً بعمل او بدون عمل يتسكعون في مقاهي وشوارع المدن العراقية.وقد التقيت بواحد ممن عمل في العراق وقد حول 180 الف دولار خلال 8 سنوات. وفي زمن الحصار خرج العراقيين الى ليبيا وكانوا يحملون بكلوريوس على اقل تقدير للعمل كمدرسين ليحولوا بعد ذلك 2400 دولار سنوياً.
عماد العوادي
2009-05-15
مع كل احترامي للكاتب ارى ان المقال مفبرك في اقلب فقراته صحيح يوجد في العراق فقر وحاجة ولكن ليس بالشكل الذي صوره الكاتب انا في العراق ويوميا استخدم وساءط النقل العام ولم تواجهني هكذا حال الا بالصدفة النادرة.
ابو جوليان
2009-05-14
لا نرى في ذلك الا تملقا يؤسف عليه من الحكومة لدول العربان الوضيعة المطلوبة بدماء شعبنا المسكين. ابناءنا اولى بالعمل يا حكومة وان كنتم تريدون ان تجعلوا العربان من الؤتلفة قلوبهم فلن تستطيعوا ذلك ابدا.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك