علي غالب بابان
في مقال أخير لها تزامن مع مؤتمر تشجيع الإستثمار في العراق الذي عقد في لندن مؤخراً شخصت صحيفة ( الفايننشال تايمز ) اللندنية (البيروقراطية الحكومية) كعائق للإستثمار في بلادنا يفوق في تأثيره السيء ما يحدثه الإرهاب من نتائج, وفي الواقع فان الصحيفة الرصينة لم تخالف الحقيقة والتشخيص السليم فيما قالته فلقد باتت البيروقراطية الحكومية اليوم أحد أهم العناصر المعيقة للتنمية وأفتك الأسلحة الضارة التي تمنع إنسياب الإستثمار الأجنبي ونهوض المبادرات الخاصة وهي كلها وسائل اصبحت أكثر من ضرورية في ظل واقعنا الراهن إذا أردنا نهوضاً إقتصادياً حقيقياً وإزدهاراً فعلياً...
الإدارة الحكومية في العراق والتي يفترض فيها أن تكون أحد الأدوات والدعامات التي تستند إليها عمليه البناء والتنمية تحولت إلى مكان تضيع فيه الأوقات.. وتهدر الفرص... تؤَد المبادرات ولذلك غدت مهمة إصلاح هذه الإدارة وتقويم مسيرتها أحد الشروط والمستلزمات الضرورية إذا اردنا لعملية البناء أن تنطلق بلا معوقات.هذه الإدارة هي اليوم مكبلة بمئات القوانين والتعليمات المتضاربة التي يجد فيها كل من يريد بغيته ويستطيع أن يختار التفسير والمنطق الذي يحلو له... فلدينا قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل... وقرارات سيء الصيت بريمر التي لم تزل نافذة المفعول... وقرارات الحكومة المؤقتة التي كان لقراراتها الصفة التشريعية والتنفيذية في نفس الوقت... ثم قوانين وقرارات الحكومتين اللتين تلتا ذلك.. ودلني على إدارة في الدنيا تستطيع أن تعمل بكفاءة واإنسيابية وسط هذه الغابة من القوانين والقرارات، ومالم يحدث (فض اشتباك) حقيقي في هذه البيئة التشريعية المتشابكة لا يمكن لهذه الإدارة أن تعمل.. أو تنجز ولا حتى أبسط المهام...
الإدارة العراقية اليوم مترهلة إلى الحد الذي باتت فيه لا تستطيع النهوض.. والحركة.. وهذا الترهل نتج عنه العديد من الامراض والعلل وصار العمل في الدواوين الحكومية رديفاً للكسل.. وإنعدام الإنتاجية.. وضياع الوقت... تضخمت الإدارات وأنعكس ذلك التضخم بطئاً.. وإجراءات إضافية لا داعي لها, ولم تعد الوظيفة العامة قرينه للإنتاجية بل أصبحت عكس ذلك تماماً... وجاء الفساد... ذلك المرض العضال ليجهز على البقية الباقية من العافية في جسد الإدارة الحكومية... وعبثاً تحاول الإجراءات الرسمية محاصرة هذا الداء والقضاء عليه بعد أن انتشر وأستفحل ولم يعد هنالك من علاج سوى أن تلقي الدولة عن كاهلها تلك الأحمال الثقيلة من المهام والوظائف التي تنوء بها.. والتي ثبت بالدليل القاطع عجزها عن القيام بها بكفاءة..
لا بديل عن الخصخصة لتتخلص الدولة من تلك الأحمال التي عجزت أكتاف الدولة وقدراتها عن رفعها... وذلك هو بالضبط ما فعلته وتفعله الأمم التي نجحت في بناء إقتصادياتها والنهوض بمستوى معيشة مواطنيها ولم يعد لنا خيار سوى سلوك هذا الطريق... من اراد تنمية حقيقية في بلادنا فعليه أن يزيل عقبة البيروقراطية ويتخلص منها بصورة نهائية... من بحث عن نهوض فعلي للإقتصاد ينقل الحياة في العراق إلى أفق جديد فعليه أن يعلم أن هذا الهدف لا يمكن الولوج إليه مع بقاء الإدارة العراقية في واقعها الحالي بكل بيروقراطيتها وترهلها وفسادها والفوضى التشريعية التي تعصف بها... الإدارة الحكومية في العراق بصورتها الراهنة بحاجة إلى تغيير جذري ولا نقول إصلاحات محدودة وهذا شرط أساسي لابد منه قبل الحديث عن أية تنمية إقتصادية أو بشرية.
علي غالب بابان - وزير التخطيط العراقي
https://telegram.me/buratha