حميد الشاكر
عندما تكلّم السيد بول بريمر لجريدة الشرق الاوسط الاسبوع الماضي وذكر : ان الكرد ساهموا في حل الجيش السابق ، بل وهددوا بالانفصال عن العراق ان بقي جيش صدام !.، انبرى الاخوة الكرد بالدفاع عن انفسهم منذ اليوم الاول من نشر هذه المعلومة عن بول بريمر الحاكم المدني الاول للعراق بعد الاحتلال ، حيث انهال المسؤلين الاكراد في الاقليم على وسائل الاعلام لدفع هذه التهمة عنهم ، حتى الوصول الى نفي رئيس الاقليم السيد مسعود برزاني ورئيس جمهورية العراق المحترم جلال طلباني .
والحقيقة انا ادرك ان الاخوة الكرد نظروا الى موضوعة قرار حلّ الجيش بعد اسقاط الدكتاتورية ، وما افرزه هذا القرار ( الجريئ ) لبريمر انذاك ، وما اعقبه حتى هذه اللحظة ، وكيف انعكاسه البارحة واليوم على شريحة صغيرة ممن كانوا يشكلون العمود الفقري من العراقيين في الجيش السابق ، وانهم اليوم لايرحبون كثيرا بمن ساهم في حلّ جيش صدام باعتبار انهم اول من تضرّر من هذا القرار ، لاسيما ان ادركنا ان الكرد وباعتبار مجاورتهم للمنطقة الغربية في العراق يتحسسون من اثارة هذه الشريحة من العراقيين بالقول ان للكرد اليد الطولى في حلّ الجيش السابق حسب ماذكر بريمر ....، كل هذا وغيره ربما يدفع اخوتنا الكرد لرؤية وتحليل كلام بريمر انه جاء في وقت خاطئ جدا لاسيما ان عرفنا ماذكرناه من تضرر بعض الشرائح التي كانت قريبة من قرار الحكم الصدامي انذاك ، والذي يحاول قادة الكرد اليوم عدم اثارتهم بأي شيئ يسيئ الى علاقاتهم المُراد اقامتها بين الاقليم وابناء المنطقة الغربية في العراق الجديد !.
نعم من وجهة النظر العراقية الاخرى ، ولاسيما القطاع الواسع من الشعب العراقي الذي ظلم في حقبة الدكتاتورية البعثية الصدامية ، وكان الجيش السابق اداة القمع الحديدية لذاك النظام المستبد تحت مبرر ان الجيش مؤسسة تنفيذية ليد الدولة والسلطة السياسية فيها ، كان الجيش لايمثل العراق بقدر تمثيلة للنظام الصدامي المُباد ، كما انه ايضا لم يكن المؤسسة التي تعكس وجود الشعب العراقي الحقيقي لاسيما ان اخذنا بنظر الاعتبار ان تركيبة هذا الجيش ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة(1921م) بُني على اسس عنصرية وقومية شوفينية في ابعاده للكرد من قيادات هذا الصرح العسكري ، وكذا بُني على أسس طائفية فئوية مذهبية بغيضة ايضا عندما استبعد من قياداته اكثرية الشعب العراقي من الطائفة الشيعية في الوسط والجنوب العراقي ، ولهذا تحولت مؤسسة العسكر في الدولة وعلى طول فترة حكم الدولة العراقية القديمة من مؤسسة لها وظيفة حماية الشعب والوطن من العدو الخارجي ، الى ميليشية مسلحة لحماية الحكم وطائفته وقوميته والمنتفعين منه لاغير ، ومن هنا كان الجيش السابق مؤسسة امنية اكثر منه مؤسسة عسكرية لتعذيب الشعب وكيفية حكمه وقهره والتنكيل به تحت بدلة الشرف العسكري وماتمثله من هيبة كان من المفروض ان تُخترم لولا ان بنيان الدولة العراقية القديمة من الاساس كان فاسدا فأتت جميع مؤسساتها بالفساد ، وهذا ما نعانيه اليوم نحن في العراق الجديد عندما تخلصنا من فساد مؤسسة العسكر وقوى الامن الداخلي وابقينا على باقي المؤسسات القديمة على فسادها لتعاود نشاطها اليوم فيما نعانيه من مُسمى الفساد الاداري ؟!.
صحيح اذا سألتني فرديا : هل كان حلّ مؤسسة الجيش السابق قرارا صائبا لبناء عراق جديد خال من الفساد والامراض بغض النظر عن قرار بريمر ومن سانده او دفعه لاتخاذ هذا القرار ؟.لاجبت وبملئ الفم المفتوح والضمير المرتاح جدا بنعم !.نعم انه القرار الاصوب لبناء عراق جديد وخالي من الامراض الوراثية لحقبة مؤسسات الدولة العراقية القديمة ، لكن مع الاسف لم يستكمل مشروع قرار حلّ المؤسسات للدولة العراقية القديمة بصورة كاملة ، حيث تدخلت عوامل خارجية وداخلية عديدة افشلت من مشروع القرار واجهضت كل احتمالية ايجابياته الكبيرة على المستقبل ، وتحت مسميات واهية وحقيرة تحاول بعض الاوساط السياسية الخارجية والداخلية اعادة ( تركيبة ) المؤسسة العسكرية القديمة ، لتعود معها من جديد حقب الظلم والفساد والدكتاتورية في هذه المؤسسة الخطيرة في الدولة العراقية الجديدة !.
الواقع انا مع رأي من يرى انه كان من المفروض ان تحلّ كل مؤسسات الدولة العراقية القديمة ويعاد تركيبها بصيغة جديدة تماما ، وليس فقط حلّ المؤسسة العسكرية والامنية والحزبية البعثية لاغير ، لكن هكذا كان (الممكن) في فن السياسة واستكفت العملية العراقية الجديدة بسبب وجود الاحتلال فقط بحلّ مؤسسات القمع الصدامية القديمة المتمثلة بالجيش واجهزة الامن والداخلية لاغير ، مع انه كان من المفروض ان يكون الحلّ شاملا وليس جزئيا ان اراد العراقيون بناء عراق جديد ، الا انه وكما ذكرنا كان اكثر من نصف الامر بيد غير عراقية ( قوات الاحتلال ) الذي رأت الابقاء على بعض المؤسسات بكوادرها الفاسدة والمريضة والميتة بالاساس من قبل الدولة السابقة ، والاكتفاء بحلّ الجيش وحزب البعث وباقي ذيول الجريمة في العراق !.
ان ما يعاني منه العراق الجديد اليوم ومع بالغ الاسف من فساد اداري كاسر لظهر الدولة العراقية الجديدة ومجوّع شعبها والعالن للحرب كتفا بكتف مع الارهاب ضد الشعب العراقي هو فساد الدوائر في الدولة العراقية اليوم ، وهذا الفساد هو ليس وليد التركيبة الجديد لدولة العراق الجديدة ، بل هو فساد الادارة التي لم يشمله قرار الحلّ والاجتثاث وابقى عليه من ما مضى لينخر اليوم بجسد العراق فسادا ومرضا وفتكا الى حد تهديد التجربة العراقية الجديدة بالزوال ان استمرّ على حاله !.اما ماهي اسباب وجود هذا الكابوس الاسود من الفساد الاداري في العراق الجديد مع انتفاء مثل هذا الفساد في مؤسسة العسكر العراقية الجديدة ؟.
فالجواب على هذا السؤال يعود الى البداية الذي ذكرناها من : ان مؤسسة الجيش القديمة بسبب حلّها واعادة بناءها من جديد وفرّ لهذه المؤسسة السير والنهضة والحركة بصورة صحيحة ، حتى ان الجيش الجديد للدولة العراقية اليوم من انزه المؤسسات الحكومية وانظفها على الاطلاق في بناء الدولة العراقية الجديدة ، بعكس المؤسسات التي لم يشملها قرار الحلّ كمؤسسات النفط والتجارة والصحة والثقافة .... والمخابرات ايضا التي بقيت على فسادها القديم ، فالشعب العراقي اليوم يرى كيف ان هذه المؤسسات قد نقلت معها الفساد من الحقبة القديمة الصدامية الى الحقبة العراقية الجديدة ، وما هذا الفساد الاداري الذي يعاني منه العراقيون اليوم الا دليل على ان قرار حلّ الجيش السابق كان من اصحّ القرارات السياسية البعيدة النظر ، بعكس قرارات الابقاء على المؤسسات العراقية الفاسدة التي ابتلى بها وبفسادها ومرضها الشعب العراقي حتى هذه اللحظة !!!.
لوسألتني عند هذا المنعطف (مثلا) : هل العراق الجديد بحاجة الى قرارات متمّمه لحلّ مؤسسات فاسدة قديمة في الدولة العراقية لم تجتثّ هي وفسادها من الوجود ليعاد اعادة تركيبها بصورة صحيّة وسليمة اليوم ؟.لقلت لك ( نعم ) والف نعم ، فمن يريد ان يبني واقع سياسي جديد لايمكن له استخدام ادوات اصلا فاسدة من القديم ، وخطأ العراق الجديد انه اكتفى بحلّ بعض المؤسسات للدولة العراقية وليس كلها ، فمؤسسة مثل المخابرات العراقية بخطورتها على الامن لايمكن ابقائها على الاساليب والكوادر الفاسدة القديمة ، وكذا مؤسسات الادارة والتجارة والمال والنفط ..... وباقي مؤسسات الدولة الحيوية التي لانهضة لدولة العراق بدونها ، فليس من المنطقي تركها على فسادها ثم الانتظار لنتائج ايجابية عالية القيمة في بناء العراق الجديد امنيا وعمرانيا وغير ذالك !.
نعم ربما لو يكون الحلّ والتركيب الجديد منظما وقانونيا ودستوريا وشعبيا وهادئا وليس فوضويا على طريقة بريمر الامريكية ، سيكون من اعظم الخطوات الضرورية لبناء عراق جديد على الحقيقة ، وليس عراقا يحمل الجديد بادوات ومؤسسات قديمة وفاسدة !. ومن كل مامرّ لااعتقد ان الاخوة الكرد بحاجة الى دفع تهمة المساهمة في حلّ الجيش السابق كما ذكره السيد بريمر للشرق الاوسط ، ولو كنت مكانهم لافتخرت بهذه المساهمة اكثر من الخجل منها باعتبار انها الخطوة التي نقلت العراق وجيشه من الدكتاتورية الى الديمقراطية على الحقيقة ، ولطالبت اليوم بالاصلاح لما تبقى من مؤسسات عراقية فاسدة وحلّها ان امكن واعادة تركيبها ليتخلص العراق من آفة الفساد الشاملة على الاطلاق الى عافية الصلاح والبناء !.
أما ما يعتقده القادة الكرد من ان هناك شريحة اجتماعية عراقية كانت منتفعة من تركيبة مؤسسة الجيش السابقة ، وهي التي سوف تغضب لسماع ان الكرد ساهموا بحلّ اكبر مؤسسة عراقية دكتاتورية قمعية قديمة ، فمثل هؤلاء سوف يبقون على عدم الرضا عن الكرد وغير الكرد الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، فلا اعتقد ان قادة الكرد مصيبون في خطب ودهم في هذه الايام ولافي قابلها كي لايُغدر بهم من جديد ويحرق شعبهم بقنابل الجيش العراقي الكيماوية المراد اعادته للخدمة تحت مسمى المصالحة وغير ذاك !.ان الخطر ليس في حلّ الجيش القديم على احبتنا الكُرد ، وإنما في اعادته !!.
https://telegram.me/buratha