محمود الشمري
الإسلام فطرة، مقولة لطالما سمعتها تتردد على ألسنة المسلمين من حولي ولم أدرك حقيقة معناها إلا عندما بدأت خطواتي في التعرف على الدين الإسلامي.أنا فتاة، كنت أدين بالدين المسيحي، حتى تاريخ 15 /1/2006 ، حيث والحمد لله اعتنقت الإسلام ديناً و اتخذت نبيه ورسوله عليه الصلاة و السلام ولياً وشفيعاً و أدركت أن لا اله إلا الله.
نشأتي كانت في عائلة مسيحية ليسـت على قدرٍ عالٍ من التدين حيث كان والدي ملـحداً ووالدتي تتبع الدين كأي إنسان ولد خلال دين معين يتبعه لأنه تلقنه ، و نحن تربينا على ذلك، والدي لم يكن ليتدخل في قراراتنا ولا في مناحي حياتنا ، علمنا استقلالية التفكير والقرار.
كان تعليمنا في مدارس الراهبات فبالتالي التركيز على تعاليم الدين المسيـحي كان مهماً جداً وكان واجباً علينا حضور القداس يوم الأحد مع بقية الرعية ، ويوم الأربــعاء قداس خاص بالطالبات . لم أذكر في حياتي أنني أحببت شعائر القداس و لكن كنـت أؤديها باهتمام كونه كانت لدي قناعة بأن الصلاة كانت الطريق إلى التقرب من الله سبحانه وتعالى، لكن داخلياً لم أكن أشعر بالخشوع، مظاهر البهرجة والزينة سواء كان في الكنيسة أو مرتاديها فائقة ولا تمنح شعـوراً عاماً بالورع ، طريقة الصـلاة تكون من خلال الكاهن الذي هو صلـتنا بالله خلال الصلاة، لماذا احتاج إلى وساطة عند الصلاة ؟ كنت منذ صغري أراقب سـيدة مسلمة كانت تأتي لتعين أمي في أعمال المنزل ، أراقبها وهي تصلي فأراها تذوب ورعاً بالرغم من أنها تصلي لوحدها منعزلة ، فسألتها ذات مرة هل تشـعرين بأن الله قريب منك وأنت تصلين فأنا أشعر كأنني أرى نوراً يشع من وجهك وأنت تسجدين ، فأجابتني عندما تصلين تشـعرين بروح الله قريبة منكِ، على الرغم من بساطة الرد إلا انه كان له في نفـسي أثراً كبـيراً وكنـت أغبط المسـلمين عند سماع كل آذان حيث أنهم في تلك اللحـظات " سوف يشعرون بأن روح الله قريبة منهم".
كبرت من خلال ذلك الدين و بقيـت عليه إلى أن قاربت حدود الثـلاثين من العمـر حيث التحقت بالحزب الشيوعي وبالتالي ابتعدت عن الدين نهائياً وأصبح تفكيري بالله سبحانه وتعالى أقرب إلى تفكير الملحدين ، لكن لم استطع أبدا أن أجزم بعدم وجود الله ، وبقـيت على هذه الحال بضع سنوات إلى أن تركت الحزب ، واستمرت علاقتي بالله مبتورة ، اقتصر ذهاب إلى الكنيسة على العيدين ولمشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم.مع مرور الزمن لم اعد اشــعر أن إيماني بالله كافياً، ولا أريد تلك العلاقة المبتورة مع الخالق، شيئاً ما في داخلي كان يقول لي يجب أن تقوي علاقتك مع الخالق والطريقة الأوحد هي التقرب من الدين، وكان الدين المسيحي هو المتاح لي اجتماعياً وعائلياً بالطبع. ولكن طول هذه الفترة ومنذ صغري كانت أسئــلة محيرة ومريبة تدور دائماً في ذهني، أسئلة تتعلق بأساس العقيدة وماهية الله .
من هو الله؟
هل هو الآب؟
هل هو الابن؟
هل هو الروح القدس؟
الله واحد في أولئك الثلاثة ، دائماً كان هذا الرد ، ولكن لم يجد أبداً لدي أي قبول أو قناعة، كيف يكون لله ولد ؟ وكيف يقول يكون الله هو ذلك الولد ؟ لماذا يحتاج الله إلى ولد ليثبت إلوهيته؟
لماذا أحتاج كمسيحية ألا اعرف الله إلا من خلال المسيح، إن كان نبياً فبالنهاية هو بشر مثلنا وإن كان على درجة أعلى من القدسية ، لكن لا احتاجه ليكون واسـطتي إلى الله فهو بالنهاية رسوله الذي ابلغ رسالته ، كما هي الحال مع باقي الأنبياء ، وإن كان إلها ، فكيف لي أن اعبد إلهين وأشرك بالله؟
بدأت التبحر والقراءة والاطلاع، تولد لدي شعور بالقلق، كثيراً من المفاهيم لم ترق لتفكيري، لم أتقبلها كما هي ، ساورتني شكوك في كون الكتاب المقدس هي الكلمة الإلهية ، وجدت في الكتاب المقدس كثيراً من الإشارات إلى أن المسيح ما هو إلا نـبي أرسله الله برسالة لتكمل ما جاء من قبله، بل وإن اغلب الإشارات ومن الإنجيل أوحت لي بذلك.
متى 11:18 فاَبنُ الإنسانِ جاءَ ليُخـلَّصَ الهالِكينَ
يوحنا 19:12 لأنِّي ما تكَلَّمْتُ بشيءٍ مِنْ عِندي، بَلِ ألآب الذي أرسَلني أَوصاني بِما أقولُ وأتكَلَّمُ.
متى 5: 17لا تَظُنّوا أنّي جِئتُ لأُبطِلَ الشَّريعَةَ وتَعاليمَ الأنبياءِ: ما جِئتُ لأُبطِلَ، بل لأُكمَّلَ.
مرقس 18:10 فقالَ لَه يَسوعُ: «لماذا تَدعوني صالِحًا؟ لا صالِـحَ إلاَّ الله وحدَه
مرقس 37:9 مَنْ قَبِلَ واحدًا مِنْ هؤُلاءِ الأطفالِ باَسمي يكونُ قَبِلَني، ومَنْ قَبِلَني لا يكونُ قَبِلَني أنا، بَلِ الذي أرسَلَني«.
يوحنا 3:17 الحياةُ الأبديَّةُ هيَ أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقَ وحدَكَ ويَعرِفوا يَسوعَ المَسيحَ الذي أرْسَلْتَهُ.
ومن أمثال ذلك الكثير، فلم يدع المسيح بأنه إلها وقد أشار إلى نفسه بأنه ابن الإنسان، بل جاء في الكتاب إنه استغاث بالله من على الصليب قائلاً: الهي الهي لماذا تركتني؟
فمن أين جاءت فكرة الثالوث، ومن أن المسيح هو الله !؟! هو ابن الله!؟!
معضلة حيرتني لسنين طويلة.
وترافق مع هذه المعضلة في تفكيري أمر آخر، لماذا يحتاج الله أن يتجسد في صفة الإنسان لينزل على الأرض بصور ابنه؟ ولماذا يحتاج ليقتل ابنه ليمحو عن البشر خطاياهم؟؟ لماذا يحتاج الله أن يغرينا لنحبه ونؤمن به ؟ ألا يكفينا إخلاصاً لله انه خالقنا ؟ ما الهدف من حـياتنا ولماذا نحتاج لعبادة الله وطاعته لمجرد انه أرسل ابنه ليخلصنا لنحيا بلا خطيئة؟؟ وأين العدالة الإلهية في تحميل أي كان أخطاء الآخرين؟
وإن كان المسيح قد مات مصلوباً، إذن فإن الله قد مات؟؟؟ كيف يكون ذلك؟؟؟
كانت دائماً تكون الإجابات ممن سألتهم لإثبات إلوهية المسيح بأنه صنع المعجزات.
لقد صنع قبله غيره المعجزات أيضاً !!
المسيح بعد أن مات قام من بين الأموات وهذا لا يقدر عليه إلا الآلهة.
من قبله النبي إيليا لم يمت بل حمل إلى السماء على عربة من نور حسب العهد القديم!!
لم احصل على إجابة تقنعني.
الجواب الوحيد الذي أقنعني كان من داخلي، وهو أن فكرة الفداء والثالوث قد أدخلت على الديانة عند بداية الدعوة في عهد القسطنطينية ، حيث طبعت الأناجيل بصورتها الحالية ، من أجل إغراء الناس للدخول في الدين الجديد لتسـهيل عملية نشره في بلاد لم تكن فيه الأديان الموحدة معروفة، وكانت فكرة الثالوث أقرب إلى الناس الذين كانوا مشركين في ذلك الوقت وكذلك كانت فكرة الغفران من الخطايا والخلاص منها أيضا فيها إغـراء للناس الذين كانوا يحيون بدون أي قيد من أجل إدخالهم في الدين الجديد.
النقطة الأخرى، هل الإنجيل كلام الله؟؟؟؟ نظراً لوجود نسخ مختلقة وغير متطابقة من الإنجيل فقناعتي راسخة بأنه كتاب موضوع ممن عاصروا المسيح من رسله، فبدأت القراءة بأسـلوب الباحث وليس بأسلوب المتلقن إلى أن سمعت مناظرة للمرحوم / الداعية الشيخ أحمد ديدات رحمه الله وغفر له مع قس أمريكي ، عنوانها هل الكتاب المقدس كلمة الله ، فبدأت قناعـاتي تترسخ بعدم دقة العهد الجديد من الكـتاب المقدس ، و لاحظت أيضاً بتجاهل الكثــير من الإشارات في الكتاب المقدس إلى مجيء محمد فقرأت للشيخ أحمد ديدات أكثر فأكثر وترسخت قناعاتي باتت غير قابلة للتغيير.
في نفس الفترة ازدادت الهجمة على الإسلام كدين يهدد الاستقرار في العالم، وظهر في العالم الإسلامي تأويلات وتفسـيرات تخص الدين الإسـلامي كانت من على درجة من الغلو في التطرف دفعتني للبحث في أصولها وأسبابها في الدين، حيث أن معرفتي بالدين الإسلامي كوني عشت حيات في بلد ذا أغلبية مسلمة ، معرفتي به كانت انه دين سمح يدعو إلى المحبة والتواد بين الناس ورأفة بهم ، فقادتني هذه الرحـلة إلى معرفة الدين قرب ، فوجدته لا يمت بصلة لما يحاول الغرب والبعض من غلاة التطرف بوسمه به، وجدته ديناً يتسع للجميع، ينادي بوحدانية الله بدون أي ريب أو شرك ، يدعو المسلمين إلى الاتجاه للخالق والتفيؤ في ظل رحمته الواسعة، لا ينتظرون من إشارات أو تضحيات من أجل الطاعة والخضوع له .
"فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ " القصص 67 .
وتلقائياً شعرت باستقراره في قلبي وعقلي في آن واحد بسهولة ويسر، كما وجدته مناسباً لي كشخص أكثر، ملائماً لشخصيتي، طريقة الصلاة ترضي رغبتي في تقربي من الله، إلى أن يسر لي الله صيام رمضان في العام الفائت ، وظن كل من حولي أن صيامي اجتماعياً أكثر منه دينياً لكنني داخلياً شعرت بصـفاء لم أشعر به من قبل ، وتيسر لي خلال شهر رمضان ختم القرآن الكريم فوقع كلامه في قلبي وعلى عقلي وقعاً جميلاً مرضياً و بدأت انظر إلى الحياة بطــريقة مختلفة، رضى دائم وسكينة وطمأنينة، تابعت رحلتي في البحث إلى أن مر عيد الميلاد وأتى بعده عيد الأضحى ، وجاءت الأعياد الثلاث ( الفطر والميلاد والأضحى ) في فترة متقاربة ، وكانت امتحاناً لقناعتي واستقراري، عند حلول عيد الميلاد لم أشعر بأي شعور داخلي بأنني انتمي لهذا الدين ، وبحلول عيد الأضحى وجدت نفسي انوي صيام يوم عرفة ، وصمته والحمد لله ، وفي ذلك اليوم تحديداً اتخذت قراري بإشهار إسلامي وكان لي ذلك بفضل الله سبحانه و تعالى يوم 15/1/2006. وأشهد أن لا اله إلا الله وان محمداً عبده ورسوله.
https://telegram.me/buratha