المقالات

شيزوفرنيا الحنين إلى زمن صدام ...


علاء السلامي

لظروف أمنية واقتصادية صعبة مر بها العراقيون بعد عام 2003 كان احد أسبابها السياسات الخاطئة التي اتبعتها بعض الأحزاب التي تصدرت دفة الحكم والتي غالبا ما كانت تنبع عن مصالح حزبية وجهوية بحتة تغزل بمغازل دول او حكومات دول اقليمية ومجاورة ،ونتيجة سوء تخطيط الإدارة الأمريكية في تدمير البنى التحتية للمؤسسة العسكرية والإعلامية العراقية (كون ان الاعلام حينها مؤسسة تابعة الى الحكومة) والتي كانت بعض قياداتها سببا رئيسيا في تصعيد الإعمال الإجرامية والإرهابية ضد المواطن العراقي ،من خلال اشتراك البعض من القيادات العسكرية بشكل مباشر او غير مباشر في زعزعة الوضع الأمني ،ومساهمة بعض القنوات الفضائية في تهويل الاحداث ورسم صورة مشوشة عن الوضع السياسي العراقي للوصول الى تدمير كل بناء سياسي حتى لو كان صغيرا يمكنه بالتالي ان يكون نواة لعملية سياسية ناضجة لكون الإعلام وسيلة مهمة في كسب المعركة ..

ونتيجة لتلك الاسباب وغيرها التي تحتاج الى صفحات وصفحات والتي تعد نتيجة طبيعية لانهيار اية دولة خاصة في تجربة مثل العراق الذي بدأت ملامح سقوطه بعد عام 1990 ودخول الكويت والحصار الاقتصادي الدولي والحكومي في نفس الوقت على الشعب العراقي والذي ساهم في تدمير البنية التحتية للسايكولوجية العراقية التي حفظتها العناية الإلهية من الانهيار الكامل للظروف القاهرة التي مر بها هذا الشعب الذي عاش تجربة فريدة في العالم نهاية القرن الماضي من أساليب قمع طائفية وقومية مورست ضده الأنظمة الشمولية والعقول السايكوباثية التي حكمت تحت لواء حزب البعث الشوفيني ضد كل الفئات العراقية فلم يسلم من بطشه وسجونه اقرب المقربين له فكيف إذن بباقي المعارضين والتي صورت في كتب ومقالات كثيرة ،

ولعل كتاب السيد احمد الحبوبي الذي تقلد عدة مناصب وزارية، في عهدي الرئيسين عبد السلام ثم عبد الرحمن عارف وكان زعيما للحزب الاشتراكي القومي، وعاش منذ 1970 منفيا في القاهرة، الذي كان بعنوان «ليلة الهرير في قصر النهاية» وهي الليلة التي قضاها في قصر النهاية ليشاهد وعن كثب إعدام العشرات من العراقيين على يد طه الجزراوي وغيره من قيادات البعث من الأمثلة والوقائع على تلك الجرائم التي يقشعر عند قراءة أسطرها البدن فكيف وهي تعايش والتي لا يمكن وصف وحشيتها لأننا بالتالي نبخس حق الإجرام الذي توسم به هذا الحزب الشوفيني فصار الأب يخاف ابنه والأخ يخاف أخاه فتهدمت بين أفراد العائلة الواحدة جسور الثقة فتولدت وبمرور الوقت فوبيا سياسية لدى غالبية العراقيين على إن هذه الظروف لم تكن غائبة بل عاشتها بعض الدول وخصوصا الكويت التي عاش أبناؤها لشهور سياسات صدام التعسفية ورغم ذلك فان حكومتهم تطالب والى ألان أبناء العراق بتعويض أيام الاحتلال الصدامي لبلدهم التي كان حينها الشعب العراقي لا حول له ولا قوة ،فراحت تلك الدول تغزل غزلها وتعد عُدَدها (بعد ان كانت في وقت من الأوقات حليفة إستراتيجية للنظام السابق وفي وقت آخر دخلت في حلف دولي ضده خلال حرب الخليج والتي تحمل ويلاتها الشعب العراقي وحيدا) لإنتاج ظروف أمنية حتى لا تقوم دولة عراقية بمعناها الحقيقي مما جعل الجميع يقف في مفترق الطرق الامر الذي ولد عدة فئات عراقية منها من كان معارضا للعملية السياسية الجارية برمتها ومنها من دخل العملية السياسية بشكل مباشر او غير مباشر ،وهذه الفئات ليست مورد الحديث أما الفئة الأكبر فهي عامة الشعب الذين أملوا في سقوط النظام السابق أن يكون متنفسا لهم في تغيير واقعهم المعيشي المؤلم لسنوات من بطالة ونقص في الخدمات الرئيسية فضلا عن سياسة تكتيم الأفواه فصدم بتلك الإحداث والواقع المأساوي نتيجة التصور السائد حينها ان الكابوي الأمريكي القادم يحمل عصا تغيير جذرية مما ولد شيزوفرينيات من هنا وهناك في الحنين إلى زمن صدام على اعتبار إن الأوضاع الأمنية على الأقل كانت أفضل كون إن بعض الشر أهون متناسين الويلات والدمار الذي تعدى حدود البشرية ليشمل الطير والنبات ..

إن انهيار أية دولة يولد عملية سياسية كالتي نشهدها في الوقت الراهن وتجربة العراق لم تكن غريبة عالميا لوجود تجارب دولية سابقة بعد انهيار أنظمتها نتيجة الحروب او تبديل نظام معين في دولة ما ،ولكن ما يجعل العراق متفردا نوعا ما في تجربته هو انهيار غالبية مؤسساته الحكومية الأمر الذي يجعل من بناء نظام جديد يسود فيه الأمن والرخاء والقانون يحتاج إلى فترة زمنية معينة خاصة وان الديمقراطية في العراق كائن قادم من كوكب أخر فضلا عن التدخلات الخارجية التي تحاول وأد هذه الديمقراطية بكل قوة لان شعوبها وتحت سطوة الديكتاتورية تعيش غياهب الجاهلية الاولى ،ولأهمية الفترة القادمة وحتى لا نعود كما يريدون ويطمحون الى المربع العراقي الأول لابد أن نتخلص من هذه الشيزوفرينيا التي تجرنا ظلالها إلى ظلمات ودهاليز كهوف الزمن السابق الذي أضحى اليوم في مزابل التاريخ .. والله من وراء القصد ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك